تعتزم الحكومة العراقية، إنشاء طوق جمركي، حول العاصمة بغداد، لاستحصال الضرائب من السلع الداخلة إلى البلاد، ضمن خطة جديدة تستهدف نفوذ الميليشيات على ملف المعابر الحدودية.
وقال خبير اقتصادي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، إن ”الخطة الجديدة تستهدف إنشاء نقاط جمركية بالتعاون مع القوات الأمنية، في عدة مواقع من حزام العاصمة بغداد، بهدف استحصال الضرائب المالية على السلع والبضائع القادمة من المحافظات الجنوبية، وإقليم كردستان، بسبب التهرب الحاصل من قبل التجار القادمين من تلك المدن، وانتشار البضائع غير المرخصة والداخلة بشكل غير رسمي“.
وأضاف الخبير الذي رفض الكشف عن اسمه لـ“إرم نيوز“ أن ”التوجه الجديد جاء بهدف التضييق على سيطرة مجموعات غير رسمية على منافذ حدودية في المحافظات الجنوبية، وإدخالها البضائع إلى البلاد، بطرق غير شرعية، فضلا عن رفض التجار القادمين من إقليم كردستان دفع الضرائب على بضائعهم، باعتبار أنهم دفعوا إلى السلطات المحلية هناك“.
ولفت إلى أن ”أولويات هذا الحزام هي التدقيق في الضرائب التي تدفع في المنافذ الرسمية، وفرضها على البضائع التي يتهرب أصحابها من الدفع، إضافة إلى حجز البضائع المهربة والممنوعة من الدخول“.
ومع مجيء حكومة رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، العام الماضي، انطلقت حملة لإعادة السيطرة على المنافذ الحدودية للبلاد، بعد سنوات طويلة من تغلغل شبكات الفساد السياسي والإداري التي كلفت العراق خسائر مالية جسيمة، وفق تقارير رسمية.
ووضعت تلك الخطوة الكاظمي، في مسار تصادمي مع القوى السياسية والدينية المهيمنة، لا سيما الميليشيات الموالية لإيران، التي دخلت بقوة على خط استغلال المنافذ الحدودية، اقتصاديا وأمنيا.
ويمتلك العراق 27 منفذا رسميا: 16 معبرا بريا، و5 موانئ، و6 مطارات، وتخضع هذه المنافذ لسلطة الحكومة الاتحادية، بينما توجد ستة معابر أخرى ضمن الحدود الإدارية لإقليم كردستان، وهي تعمل باستقلال تام عن بغداد.
ورأى الخبير في الشأن الاقتصادي العراقي، عبدالرحمن المشهداني، أن ”الخطة الجديدة لو طبقت ستقلل من الفساد الحاصل في المنافذ الحدودية، عبر التحايل على القانون، وفرض ضرائب أقل من الأسعار المقرة رسميا، والتلاعب في وصف البضاعة، وتغيير مستند منشئها، فضلا عن أن منافذ إقليم كردستان لا تعتمد التسعيرة الرسمية، وقانون التعرفة الجمركية“ مشيرا إلى أن ”الكثير من المنشآت والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، حصلت على إعفاءات جمركية؛ ما يستوجب إعادة النظر بها مجددا، وهذا سيكون -أيضا- من مهام الحزام الجديد لو طبقت تلك الخطة“.
وأضاف المشهداني لـ“إرم نيوز“ أنه ”يجب إبعاد المؤسسة العسكرية عن مسألة المنافذ، بعد حصول عدة اختراقات، من جهات نافذة، خاصة مع تسجيل حالات بيع وشراء المناصب العليا في المنافذ“.
ونفى المشهداني أن ”تكون الخطة الجديدة في حال طبقت أن تسهم بارتفاع أسعار السلع والبضائع، بسبب فرض الضرائب الرسمية عليها“، لافتا إلى أن ”هذا الإجراء سيحد من عمليات التهريب، ويقنن البضائع الداخلة إلى البلاد“.
وكانت الحكومة العراقية، أنشأت عام 2015، نقطة جمركية في قضاء الخالص بمحافظة ديالى، لتحصيل الضرائب على السلع القادمة من إقليم كردستان، لكن تلك النقطة تحولت لاحقا إلى ”بؤرة فساد“ بسبب سيطرة جهات متنفذة عليها، وفرض ضرائب إضافية على التجار، والمستوردين، بحسب نواب سابقين.
واضطرت السلطات المحلية -لاحقا- إلى إغلاق النقطة الجمركية، بعد عامين فقط من إنشائها، وترك البضائع القادمة من الإقليم دون استحصال الضرائب عليها.
وتخشى أوساط تجارية في العاصمة بغداد، من إعادة تجربة ”سيطرة الصفرة“ ضمن خطة ”الحزام الجمركي“؛ ما يفاقم معاناة التجار ومستوردي البضائع، في ظل الحظر، والمعوقات الحاصلة في مسائل الاستيراد بسبب تفشي فيروس كورونا.
وقال واثق الحمداني، وهو تاجر في منطقة الشورجة التجارية، بالعاصمة بغداد، إن ”فرض الضرائب الرسمية على البضائع الداخلة إلى البلاد ضرورة ملحة، في الوقت الراهن، مع وجود طوفان بضائع يدخل يوميا عبر التهريب، من خلال المنافذ غير الرسمية“.
وأبدى الحمداني، خلال حديثه لـ“إرم نيوز“مخاوف من تضارب الصلاحيات بين الجمارك الرئيسة على حدود البلاد، وبين النقاط الجديدة المزمع إنشاؤها على حزام العاصمة بغداد، وهو ما يمثل ضربة للتجارة في البلاد، خاصة وأن العاصمة بغداد، هي أكبر المدن المستهلكة للبضائع والسلع“.
وتشير تقديرات اقتصاديين ونواب سابقين وحاليين إلى أن عائدات الجمارك الحقيقية تتراوح بين 6 مليارات و12 مليار دولار سنويا، نسبة إلى أذونات الاستيراد التي تقدم إلى البنك المركزي العراقي من التجار والمستوردين، فيما لم تتجاوز الإيرادات الفعلية مبلغ المليار دولار، أو المليار ونصف المليار طوال الأعوام الماضية.
من جهته، اعتبر الخبير في الشأن الأمني، حميد العبيدي، أن ”سيطرة الفصائل المسلحة على عدد من المعابر غير الرسمية، عقّد مهمة السيطرة عليها وضبط الأسواق“، لافتا إلى أن“ فصائل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وسرايا السلام، وبعض العشائر ما زالت تُحكِم قبضتها على منافذ حدودية مع إيران“.
وأضاف لـ“إرم نيوز“ أن ”الطوق الجديد ربما سيكون بمثابة ضربة كبيرة لنفوذ تلك المجموعات، خاصة إذا اعتمدت تلك النقاط، طرقا حديثة في ضبط الممنوعات والمواد المهربة، والبضائع التي لم تدفع التعرفة الجمركية“.