سجل الايزديين مليء بالمآسي والفرمانات والتي تمتد الى قرون وأجيال عديدة، وكلما حاول المجتمع الأيزدي النهوض مجدداً يتعرض الى غزوة جديدة تبطش بهم في كل شيء.
المحزن في الأمر أن تلك الفرغزوات حملت في طياتها استهداف كل الشرائح ومن كلا الجنسين، وبذلك فقد كانت المرأة الأيزدية في مقدمة الضحايا كونها (والدة ـ أخت ـ حبيبة ـ إبنة ـ زوجة).
ولأن الأيزديين كانوا وما زالوا يعيشون في مجتمعات عشائرية ـ قروية أو غالبيتهم، فأن شأن المرأة كان لديهم عظيماً من تربية وأعمال وإدارة البيت الأسري حتى فيما يخص الأواصر الاجتماعية.
من الجانب الآخر، وبسبب عقيدتهم الدينية المختلفة عن هؤلاء الذين تصيّدوهم باستمرار، تم استهداف الأيزديين في دينهم وأسرتهم أيضاً متمثلاً في التنكيل بنسائهم وبناتهم، كلما تعرضوا الى غزوة أو فرمان، فكان الخطف والسبي والاغتصاب من حصة النساء والبنات والأطفال، بينما القتل من نصيب الرجال والشباب والشيوخ.
مسألة خطف نساء الأيزديات وجعلهن سبايا، وبيعهن وشرائهن في أسواق الرق والنخاسة أو اتخاذهن عبيدات جنس للقادة المهاجمين وجنودهم لم تذهب عن بال الأيزديين يوماً.
ورغم أنهم افتقدوا لوسائل الاعلام المختلفة أو جهات عالمية متنفذة تفيدهم وتساندهم في قضايا مآسيهم تلك، لكن الأيزديين لم يقفوا ساكتين واتخذوا مجال الفن الفلكلوري أو سرد القصص الحقيقية بشكل غنائي فلكلوري (يغلب عليه طابع الحزن والرثاء) وتناقلها جيلاً بعد جيل حتى يعلم الجميع بما تعرضوا إليه، بالاضافة الى ذكر قصص البسالة والشجاعة وتصديهم لتلك الفرمانات والرموز التي شاركت في مقاومتها.
القصة المغناة فلكلورياً
تلك كانت الوسيلة الوحيدة للأيزديين، ونوعا ما نجحوا في تناقلها ونقلها حتى لو كان على المستوى المحلي، لقد بات الغالبية منا نعلم ببطولات (زەریفا ئوسێ & سڤۆگێ دۆمبەلێن & مەحمایێ عەڤدۆ & دەوریشێ عەڤدي & حسێنێ قەنجۆ دنایي & ئەیوبێ مەحمودێ شەرقي… الخ من الأمثلة والقصص العديدة) إذ يبرز اسم (زريفى) الامرأة الشنكالية الأيزدية من بين هؤلاء والتي كان لها دور كبير في التصدي لإحدى الفرمانات التي شُنت على شنكال، كما لغيرها من المآثر العديدة والتي سطرت فيها المرأة الأيزدية الملاحم بالتاريخ والتي كانت السند الأكثر للرجال في ساحات المقاومة خاصة إذا ما عرفنا أن الأيزديين قاوموا دوماً منطلقين من بيوتهم وليس كقوات رسمية نظامية.
وبذلك يتبين أن للمرأة مكانة في السجل الأيزدي سواء فيما نالهم من الفرمانات والمظالم، أو عبر مشاركتها المباشرة جنباً إلى جنب مع الرجل في فترات التصدي والمقاومة.
في العدد الأخير من مجلة محفل (العدد 16).. سنتطرق الى قصة غزالة مهركي سنة 1835م ونربطها بما جرى للأيزديات سنة 2014.
وكيف أعاد التاريخ نفسه حتى ما بعد قرون وأجيال وبذات الفكر والمخطط والدسيسة ضد الأيزديين وبيد ذات العدو، الذي ما زال عطشاً لدمائهم ومالهم وأعراضهم في نسائهم وبناتهم.
غزال ـ غەزالێ
فتاة أيزدية من شنكال وقصتها تعود الى سنة 1835م أثناء حملة الابادة التي تعرض اليها الأيزديين في شنكال وعرفت بـ (فرمانا حافظ باشا*) والتي سبقتها فرمانات وحملات كما لاحقتها مثلها، والتي تعرض لها الأيزديين على مختلف مراحل حياتهم وتاريخهم.
في فرمانا حافظ باشا… نسبة الى قائد الحملة العسكرية حافظ باشا، والذي قاد ذلك الفرمان (قرار سلطوي وتعبئة جماهيرية ونظامية بفتوى دينية) بشن حملة ابادة، قادماً من استانة (اسطنبول) في تركيا.
وقعت غزال أسيرة بين أيديهم وخطفوها سبية من السبايا والغنائم، فكانت المرثية التي حملت عنوانها اسمها، يستنكر فيها الراوي ما قام به المهاجمون الغزاة من أعمال بطش وسبي وقتل ضد الأيزديين العُزل وقتئذٍ، كما تحمل القصة في طياتها مناجاة بترك غزال واعادتها الى موطنها والى كنف مجتمعها ودينها الأيزدي، مع استذكار أعمال القتل والمجازر التي قام بها حافظ باشا وجيشه ضد الأيزديين.
عبر الموال والرثاء الغنائي والذي غناه غالبية فناني الفلكلور الشنكالي، كونه يشير الى حقبة زمنية مظلمة ودموية مر بها الأيزديين حينما تعرضوا لتلك الحملة الشرسة، يستذكر فيها القاصي والمغني منطقة سولاخ (المتاخمة لقضاء شنكال حالياً من الجهة الشرقية) وعلى ما يبدو أن المخطوفة الأيزدية “غزال” كانت من تلك المنطقة.
على الرغم من مرور 170 سنة على حملة حافظ باشا (سنة 1835م) تفصل ما بينها وبين آخر (وليس الأخير) فرمان تعرض إليه الأيزديين في شنكال والذي شنه تنظيم داعش سنة 2014م، إلا أن المفاهيم كانت وما تزال هي نفسها والحجج ذاتها والعدو هو نفسه، لم ولن يتغير وما زالت الفتاوي الدينية تحلل قتل الأيزديين وتشرعن سبي نسائهم وبناتهم، و هي التي أباحت وتبيح ازهاق أرواح الأيزديين وسلبهم ناموسهم وأعراضهم وتحطيم كيانهم في سبي بناتهم ونسائهم وخطف وتجنيد أطفالهم لغير معتقدهم الأصلي مع تدنيس مقدساتهم ومجتمعاتهم وتشريدهم من ديارهم وأوطانهم.
كل ذلك لأنهم (الأيزديين) مختلفون، ديناً وعقيدة، عمَّن يبحثون ورائهم بفتاوي الشر التي حملت دوماً في طياتها آيات دينية وينود شرعية حللت وأباحت ما يمكن أن يتعرض اليه الأيزديين من بطش وويلات.
غزال.. التي أخذوها سبية من السبايا سنة 1835م.
عادوا فأخذوا جيلان ومثيلاتها بأعداد تجاوزت ال 6000 أيزدية سنة 2014م وجعلوهن سبايا للبيع والشراء في أسواق الرق والنخاسة في أغلب مدن العراق وسوريا وغيرها من الدول.
إذن المشهد وكما ذكرنا قد تكرر ويتكرر، فقط الأسماء تغيرت واختلفت العناوين، لكن جوهر الأمر بقي، الجلاد ما زال يزاول مهنته ويشرعن جرائمه وما زال الضحية (المجتمع الأيزدي) يئن من وطأة المآسي وعليه أن يتحمل ما يشرعنه الجلاد من احكام ضده.
الغازي أو المهاجم (قائد مسلم أو والي أو باشا أو أمير أعور أو خليفة دجال) يجر ورائه جيوش جرارة للهجوم على مجتمع أعزل من الأبرياء المسالمين من أجل غزوهم وإبادتهم والتحكم عليهم غنائم، كونهم يختلفون معهم في الدين والعقيدة، ليجربوا فيهم وعليهم مختلف آلياتهم الحربية من عُدد وعتاد.
نعم، العصر هذا ليس بعصر غزال الضحية وحافظ باشا الظالم، والتي لم تجد ما يفضح خاطفيها من متشددي زمان 1835م غير الغناء كي يسمع عنها أهل هذا الزمان، ويدركون ما حل بها وبمثيلاتها عبر مئات السنين والعقود، والوسائل المتاحة بفضح الأعمال اللاإنسانية تجاه الآخرين بقصد التكفير والارهاب قد أضحت وتطورت” إلا أن الأسس التي يستندون عليها ما زالت تؤرق وتخوف المستضعفين وتريبهم دوماً، فقد يعودون الى مزاولة هوايتهم في أي وقت أو زمان تُسنح لهم الفرصة فيه، فالرغبة والدسيسة متوفرتان دائماً.
ما بين غزال و جيلان.. الأيزدية ما قبل نحو 180 سنة والأيزدية في عصر هذه السنوات
ما زال الأيزديين يتعرضون لحملات الابادة وهاجس الخوف والتوجس من ملاحقتهم دينياً وعقائدياً لا يبرح مخيلتهم خاصة بعدما تعرضوا اليه في آب 2014م على يد أحفاد حافظ باشا العثماني وقبله سليمان القانوني والأمير الأعور الراوندوزي والباشا الجليلي الموصلي و قاي خان الصفوي وحسن باشا والي بغداد، حتى أتى حفيدهم البغداديّ ليستكمل مشوار ظلمهم وتطبيق احكامهم الدينية بحق الأيزديين.
خطفوا غزال سبية.. خطفوا جيلان وجعلوها سبية، فمَن سيخطفون ما بعد 10 سنوات أو 50 سنة أو 100 سنة من الآن؟
متى سيشبعون من الاختطاف والسبي ويدعون الآخرين بحالهم وأحوالهم ويكفون عن فتاوي التكفير بحق المختلفين عنهم؟
وكيف للمجتمع الأيزدي أن يثق، وثقافة السبي والغزو ضده متوارثة وتحوم حوله وورائه باستمرار؟
كيف هو السبيل الى الخلاص والتخلص من كل ذلك!!!؟
فللإنسان كل الحق بالعيش في ظل الاستقرار والأمان والطمأنينة والاطمئنان على عائلته وأهله وناسه.
البلدان المتحضرة تعمل وتخطط لبناء مجتمعات مستقرة وخلق حياة مزدهرة تؤمن فيها الشعوب مستقبلها وبعيداً عن القلق والريبة.
فيما الأيزديين وكلما تقدم بهم السنين والأعوام والأجيال يصطدمون بتلك العقول الغازية والتي تريد بهم الشر دوماً وتعيد الى أذهانهم حملات الابادة التي نالت منهم في كل مرة وتعيدهم الى العصور البدائية من الغزوات والفتوحات الدينية التي ما زالوا يعانون منها حتى يومنا هذا.
*من موقع shingalonline
٥١- فرمان حافظ باشا ( سنة ١٨٣٥ م ) : توجه هذا الوالي من استانبول وكان تحت لوائه سبعة باشوات بجيوشهم الكبيرة صوب الأيزيديين في منطقتي سنجار والشيخان، وجاء هذا الفرمان بعد الطاعون الذي فتك بالأيزيديين ولم يبق منهم بسبب الطاعون إلا عدد قليل ، فالأيزيديون الفقراء الذين نجوا من الطاعون والفرمانات السابقة قد أحتموا بالكهوف فحاصرهم الجند وأبادوهم قتلا” بالرصاص والقنابل الخانقة وخنقا” بالدخان، فأضطر الناجون ان يهجروا قراهم ومساكنهم ولم يبق من الأيزيديين في سنجار سوى بضعة عشرات وجميعهم اجتمعوا في أوسفان بعد الفرمان وبرز على وجوههم الهلاك والجوع. لا حول ولا قوة إلا باالله، المرض الفتاك من جهة والقوات المتعطشة لدماء الأيزيدية من الجهة الأخرى، ماذا يفعل الأيزيدي البريء في ظل هذه الأجواء المشحونة بمظاهر القتل والتشريد والاعتقال وهتك الأعراض وسبي النساء والأطفال والأمراض المتفشية ؟ هذه المشاهد الدموية التي ألحقت بالأيزيدية لم تكن تحدث لوقت معين بل عاش بها الفرد الأيزيدي معظم أوقاته.
المرفقات/
– فيديوهات من الغناء الفلكلوري الشنكالي تحكي قصة غەزال السبية الأيزدية على يد حافظ باشا سنة 1835م.
– فيديوهات وثائقية ومؤرخة بالعناوين والزمان والحدث، تتحدث وباللغة الكوردية عن بعضاً من الفرمانات (حملات الابادة) بحق الايزديين.
*الموضوع خاص بمجلة محفل الموسمية في عددها 16 والذي صدر في شهر شباط سنة 2021.
مصطو الياس الدنايي
لا مكان: 14 ـ 2 – 2021