الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتكردستان: قمع النشطاء والصحافيين بقانون 1969 “الاتحادي”! : صلاح حسن بابان

كردستان: قمع النشطاء والصحافيين بقانون 1969 “الاتحادي”! : صلاح حسن بابان

“والدي ليس مُذنباً، هم مذنبون، القاضي مُذنب، لا عدالة هنا، الله ياخذ حقّنا”. تبكي الطفلة يناز شفان سعيد (15 سنة) وهي تطلق هذه الصرخة اعتراضاً على مظلومية والدها الذي يمضي عقوبة بالسجن لمدة ست سنوات، مع أربعة نشطاء آخرين، في محافظة دهوك بتهمة “المساس بالأمن الوطني الكردستاني” وفقاً للمادة الأولى لقانون رقم 23 لسنة 2003، لتحوّل الفتاة الصغيرة اليأس في ما بعد إلى أملٍ وتخاطب أطفال كردستان قائلةً: “قرّرت أن أصبح محامية، وبعدها قاضية، لأحكم بالعدل”.
بتهم مختلفة، عادت السلطات الكردية لتزيد الخناق على حريّة العمل الصحافي في الإقليم الكردي المثقل بالفساد والديون المتراكمة وأزمة تأخر توزيع الرواتب، إضافة إلى عدم التوصّل إلى حلول مقنعة مع العاصمة بغداد لحلحلة الأزمة المتعلقة بحصته من الموازنة العامة، بعد عشرات الزيارات الشكلية لوفد الحكومة الكردية الذي لم يستطع حتى الآن أن يقطف ثمار مفاوضاته مع العاصمة الإتحادية.
قبل اعتقاله بأيّام، هدّد الناشط شيروان شيرواني المحكوم بالسجن ست سنوات “وكالة الحماية” الاستخباراتية التابعة لـ”الحزب الديموقراطي الكردستاني” ووسائل الإعلام التابعة للحزب المذكور بكشف ملفات خطيرة جداً تمسّ زعيم “الحزب الديموقراطي الكردستاني” السابق الراحل مصطفى بارزاني، والد الزعيم الحالي للحزب ورئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني، إضافة الى رئيس الحكومة الحالي مسرور بارزاني، وقيادات أخرى من الحزب في رد منه على محاولات إسكات صوته، ليكون مصيره الاعتقال مع أربعة من رفاقه وهم هاريوان عيسى، أياز كرم، شفان سعيد، كوهدار زيباري، والحكم عليهم بست سنوات بالتهم المذكورة آنفاً.
“والله لو كان ابني فعلاً يُشكلُ خطراً على الإقليم، أو مُتهماً فعلاً بأيّ تهمةٍ لقتلتهُ بيديّ، لكن والله ابني بريء، ولم يكن ذنبه سوى انتقاده الأوضاع الحالية”، هكذا يؤكد والد الناشط كوهدار زيباري براءة ابنه من تهمة “التجسس لمصلحة أطرافٍ خارجية”.
هذا الحكم أثار ردود أفعال غاضبة، وشقّ الصف الكردي، وعمّق الخلافات أكثر بين رئيس الإقليم الحالي نيجيرفان بارزاني، وابن عمّه رئيس الحكومة مسرور بارزاني، مع إقرّار نيجيرفان  بحق زيباري في الطعن بقرارات المحكمة: “من واجب محكمة التمييز إعادة النظر في القضية استناداً إلى احترام القانون وحقوق الإنسان وحقوق المدعى عليهم”. مع تأكيده على “سيادة القانون” واحترام استقلالية القضاء ومبادئ حقوق الإنسان.
وأشار نيجيرفان بارزاني إلى أن “شعب كردستان لن يتنازل عن مبدأ الحرية أبداً، لكنه شدّد في الوقت ذاته على عدم السماح “باستغلال الحرية وإساءة استخدامها بهدف القضاء على الحرية ذاتها والنيل منها”. مؤكداً أن “حماية الحرية والديمقراطية وترسيخهما وتعزيزهما، تكمن في سيادة القانون واستقلالية القضاء وتحقيق العدالة”.
وبعد تصريح رئيس الإقليم، اشتعلت الماكينات الإعلامية الرسمية والخفيّة التابعة لأولاد العمّ بحربٍ إعلامية شرسة، وتقاذفت التّهم بينهما، بعدما زرع حديث نيجيرفان الشك في عدم استقلالية القضاء وخضوعه للتأثيرات السياسية والحزبية، وهذا ما دفع مكتب منسق التوصيات الدولية في حكومة الإقليم للخروج بنشر بيان توضيحي يؤكد أن “هؤلاء المتهمين تمت محاكمتهم وفقاً للمادة الأولى لقانون رقم 23 لسنة 2003 استناداً إلى الأدلة التي قدمها المدعي العام بأنهم شكّلوا مجموعة في شبكات التواصل الاجتماعية ونسّقوا في ما بينهم لوضع الخطط بهدف تخريب الأمن والاستقرار في إقليم كردستان”.
والأدلة التي استند إليها القضاء للحكم على النشطاء، تتضمن صوراً لعدد من الأماكن التي يمنع فيها التصوير، واتهامات بإعطاء المعلومات لمصدر خارجي مجهول بشأن تحركات القوات الأمنية، وكذلك معلومات بشأن المسؤولين الأمنيين والعسكريين وأماكنهم، و”تلقي مبالغ مالية من خارج الإقليم بهدف تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن الأجهزة الأمنية”. كما أشار إلى أن أحد المتهمين “قام بتصوير مقاطع فيديو وجمع المعلومات عن تحركات البيشمركة في المناطق الحدودية ومراقبة تحركات ضباط الأجهزة الأمنية”. نافياً أن يكون المدانون صحافيين، إذ أشار مكتب منسق التوصيات الدولية إلى أن “هذه المجموعة قامت بعد جمع تلك المعلومات بارسالها إلى عدد من المنظمات والجهات غير المعروفة الخارجية، في إشارةٍ منه إلى “حزب العمال الكردستاني”. كما استغل المتهمون، بحسب المكتب، مهنة الصحافة لأغراض سياسية، في حين أنهم ليسوا أعضاء في نقابة صحفيي كردستان ولا يعملون في أي مؤسسة إعلامية معينة.
يأتي هذا فيما صرح وكيل الدفاع عن المحكومين الخمسة، المحامي آسو هاشم، في وقت سابق بأنّ موكليه أوقفوا على خلفية مشاركتهم في التظاهرات التي شهدها إقليم كردستان أواخر العام الماضي في محافظة دهوك.
واتّهمت منظمات حقوقية محلية ودولية حكومة إقليم كردستان، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بـ”توقيف نشطاء المجتمع المدني وتقويض الحريات العامة” لكن رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، قال في حديثٍ له إن الموقوفين “يعملون جواسيس”.
وتعقيباً على تلك الأحكام، قال ممثل “لجنة حماية الصحافيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، إغناتيو ميغيل ديلغادو، إنّ هذه الإدانة للصحافيين إضافة إلى أنها “مجحفة وغير متناسبة”، تثبت أن حكومة كردستان وضعت حدّاً لادعائها أنّها تحترم حرية الصحافة.
مثل المرّات السابقة ومن دون أي اختلاف جوهري يُذكر، نُظمت تظاهرات واحتجاجات غاضبة للاتحادات والنقابات المعنية بالعمل الصحافي بمشاركة عشرات الصحافيين والنشطاء وأعضاء في برلمان الإقليم. وقال النائب عن “حركة التغيير” علي حمه صالح الذي حضر جلسة المحكمة: “ما رأيته كان ظالماً جداً، وكان قراراً سياسياً، هؤلاء الناس لم يرتكبوا أي جريمة، لم يخططوا لارتكاب جرائم، تبادلوا المعلومات في مجموعة ماسنجر بينهم، وإذا كان الأمر كذلك، تجب معاقبة الناس على مجموعة الماسنجر، ويجب أن أعاقب شخصياً كوني أتحدث عبر مجموعات ماسنجر في قضايا سياسية”.
مثل بقيّة القطاعات والمجالات، ما زالت الأطراف السياسية تسجل حضورها الفعّال في تغيير مسار عمل الاتحادات والنقابات والمراكز المعنية بحقوق الإنسان والعمل الصحافي في كردستان الى حدٍ بعيد، وهذا ما يجعلها في موقف المتفرّج إزاء الإنتهاكات التي تطاول صحافيين.
نقيب الصحافيين في الإقليم آزاد حمه ينفي أن يكون المحكوم عليهم صحفيين أو عاملين في هذا المجال: “هم مواطنون، باستثناء شخص واحد منهم ادعى العمل في الصحافة من دون تقديم أي دليلٍ على ذلك”. ليؤكد لـ”درج” أن ما يُنشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن اعتباره “عملاً صحفياً”، في إشارة منه إلى ما ينشره بعض الصحافيين والنشطاء من انتقادات للسلطات الكردية بإستمرار.
الصحافية الكردية نياز عبدالله ترى أن هذه المحاكمات هي “جزء من الضغوط التي تُمارس في مناطق بادينان (دهوك)، ليقولوا لأبناء تلك المناطق، بإمكاننا أخذ أعزّائكم ومحاكمتهم في مكان آخر”. يؤيدها في ذلك سكرتير نقابة الصحافيين- فرع السليمانية كاروان أنور، منتقداً سلطات الإقليم لأنها  تلجأ إلى مواد القانون العراقي رقم 156 المعدّل، بدلاً من القوانين الصادرة من برلمان كردستان والموقعة من رئيس الإقليم وهي قوانين خاصة بالصحافة منها قانون رقم 35 لعام 2007 وقانون حقّ الحصول إلى المعلومات رقم 11 لعام 2011: “إصدار هكذا أحكام قاسية على نشطاء دهوك ليس إلا لتخويف وترهيب من يكتب ويتظاهر وينتقد”.
ويتخوّف أنور في حديثه لـ”درج” من استمرار التدخّل في عمل المحاكم: “الآن نحن أمام مفترق طرق خطير، لأنّ من ينتقد باستخدام مواقع التواصل بات يحاسب ويواجه أحكاماً قاسية”، سائلاً: “هل سيعود الإقليم واحة خضراء للصحافيين، أم سننحدر إلى العصور المظلمة التي تحاكم كلمة وتسجن أصحابها؟”، آملاً بأن تنصف محكمة التمييز المحكومين الخمسة بإطلاق سراحهم.
تأتي هذه المحاكمات في وقتٍ كان يعتبر فيه، إقليم كردستان، طوال السنوات الماضية ملاذاً آمناً للصحافيين والنشطاء الذين يتعرّضون في أنحاء أخرى من العراق للتهديد وسوء المعاملة لا سيما بعد احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي انطلقت في العاصمة بغداد والمحافظات الشيعية في جنوب البلاد.
رجل الدين الكردي سيد أحمد البرزنجي انتقد السلطات الكردية في خطبة له قائلاً: “لو كنتم تمتلكون الشجاعة ردوا على مطلقي الصواريخ وليس على الصحافيين”، في إشارة منه إلى القصف الصاروخي الذي تعرّضت له مدينة أربيل ليل منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي. محذراً من انهيار النظام القضائي في كردستان.
في منتصف العام الماضي طلب معلّمون في القطاع التربوي، إجازة تنظيم تظاهرة في محافظة دهوك للمطالبة برواتبهم، لكن السلطات الإدارية في المحافظة رفضت طلبهم لتبرّر موقفها بالاستناد إلى الالتزام بالتعليمات الصحية التي تمنع أي تجمعات جماهيرية للحد من انتشار فايروس “کورونا”، ولكن في تحدٍ للتعليمات أصر المعلمون على التظاهرة، لذلك لجأت الجهات الأمنية إلى المادة 240 من قانون العقوبات العراقية رقم 111 لسنة 1969 وعاقبتهم لمخالفتهم تعليمات إدارية، وهو ما فسر بأنه تطويع للقانون لخدمة السلطة في قمع أي انتقادات توجّه لها في الشارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
استناداً الى المادة المذكورة يحق للجهات الادارية القيام بالإجراءات القانونية مع المخالفين في حالة انتهاك التعليمات الصادرة. تم توقيف ما يقارب 50-60 شخصاً من عملهم الإداري، وتم اعتقال 19 شخصاً قبل أن يفرج عنهم في وقت لاحق.
ودائماً ما تؤكد السلطات في كردستان أن تعاملها مع الصحافيين والمؤسسات الإعلامية يكون بحسب قانون الصحافة في الإقليم المرقم 35 لسنة 2007، ولكن في حال توجيه تهمة للصحافي خارج إطار عمله، فيتم التعامل معه بحسب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وهو ما يترك مجال الاستنسابية مفتوحاً أمام السلطة في تعاملها مع ما تراه خطراً على مصالحها.
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular