بالتزامن مع الزيارة التاريخية التي يقوم بها الحبر الأعظم إلى العراق، سلط تقرير صحفي، اليوم السبت، الضوء على أوضاع المسيحيين في سهل نينوى، والتي كانت حتى وقت قريب من أكبر تجمعات المسيحيين في الشرق الأوسط، مشيراً إلى النزيف الحاد الذي يشهده المكون في ظل الانتهاكات الممارسة بحقهم.
إذ يستعد المسيحيون في بلدة قراقوش لاستقبال بابا الفاتيكان، الذي سيؤدي صلاة التبشير الملائكي في كنيسة الطاهرة الكبرى هناك، وسيلتقي الأهالي في تلك البلدة، التي تعد من أقدم المناطق المسيحية وأعرقها في الشرق ككل.
ويروي تقرير نشره موقع «سكاي نيوز عربية»، أنه طوال أسبوع كامل مضى، قام صبري ياقو وزوجته بترميم وصبغ منزلهم الكبير في قراقوش، لاستقبال البابا فرنسيس.
وحول تحضيرات استقبال البابا قال ياقو: «سيصل قداسة البابا إلى بلدتنا، وسيصلي لأجل السلام في كنيسة الطاهرة الكبرى، التي تبعد عن بيتنا أقل من 50 مترا، ونريد لحينا أن يكون بهيا في انتظاره، وإن كان خاليا من أغلب سكانه».
وتقع كنيسة الطاهرة الكبرى في الجانب الغربي من مركز بلدة قرقوش، ذلك المركز الذي يضم أقدم الآثار التاريخية لوجود المسيحيين العراقيين.
وياقو مواطن عراقي آشوري مسيحي، عاد إلى بلدته قبل شهور قليلة، بعد أن نزح منها في صيف العام 2014، عقب سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل والسهول المحيطة بها، التي كانت في دفتها الشرقية تضم عددا من البلدات والقرى المسيحية، وكانت الجغرافيا العراقية الوحيدة ذات الطابع الآشوري الكلداني المسيحي بعمومها.
يقول التقرير: «كان ياقو يملك ورشة للتطريز في بلدته تلك، ويصدّر منها بضائعه المصنعة إلى مختلف مناطق العراق، لكن ورشته تعرضت لنهب كامل أثناء سنوات احتلال داعش لبلدة قرقوش، فنزح مع أبنائه إلى إقليم كوردستان، ومنها هاجر ثلاثة من أبنائه إلى السويد، بينما يرفض ولداه الباقيان العودة من الإقليم إلى بلدتهم قرقوش».
وطوال السنتين الماضيتين، أصدرت منظمات وأحزاب سياسية مسيحية تقارير متتالية حول نسبة وأرقام العائدين إلى البلدات والقرى المسيحية في سهل نينوى، قالت فيها أن بلدة قرقوش هذه، التي كانت أكبر بلدات السهل المسيحي، وكانت تضم قرابة خمسين ألف ساكن، عاد أليها ما دون نصف سكانها السابقين، وأغلبهم من الطبقات الاجتماعية غير المنتجة والفعالة اقتصاديا، المُجبرة على الاختيار بين العودة أو البقاء في مخيمات النزوح.
وشغل مهاجرون جدد الفراغ الذي صار في هذه البلدات، الذي بلغ مجموع العائدين إلى مناطقهم الثلث فقط، وهُم في حالة قلق سكاني، بحيث عاود الكثير منهم النزوح مرة ثانية من تلك المناطق، بسبب سوء الأحوال الأمنية والخدمية فيها.
وتقدر مساحة السهل بحوالي 50 ألف كيلومتر مربع، وتضم العشرات من البلدات، مثل بعشيقة وبحزاني وتل أسقف وتلكيف وكرمليس وبرطلة، إلى جنب المئات من القرى التي كانت عامرة بالصناعات الزراعية، التي كانت تصدّرها لجميع أنحاء العراق، لكن مجموع الأعمال وأنماط الحياة التي كانت ذات هوية خاصة في تلك المنطقة، لم تعد موجودة.
وأرجع الباحث والناشط جورج نبيل صراف أسباب عدم عودة المسيحيين إلى قراهم وبلداتهم في منطقة سهل نينوى إلى ثلاثة أسباب، ويقول: «التركيبة الديموغرافية والدينية والقومية لأبناء تلك المنطقة تمتلك حساسية خاصة تجاه العنف، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الواقع في خطوط التصدع بين القوى المتصارعة. فقد كان احتلال داعش لمدينة الموصل وسهل نينوى شمالها، وكمية العنف التي مارستها، دورا في تفزيع المجتمع المسيحي في مناطقهم السهلية».
وأضاف صراف واصفا تلك الحالة بأنها كانت مجرد بوابة لما حدث فيما بعدها: «جاءت عسكرة وهيمنة القوى المسلحة على تلك المنطقة والمناطق المحيطة بها بعد مرحلة التحرير لتزيد من حالة خوف السكان».
ويعتبر مسيحيو سهل نينوى أنفسهم «أضعف» الجماعات الأهلية في تلك المنطقة، التي كانوا يشكلون أغلبيتها المُطلقة، وفق التقرير.
ومنذ العام 2003 طالبت العديد من القوى السياسية المسيحية بتشكيل محافظة خاصة في منطقة سهل نينوى، أن تكون تابعة إداريا وعسكريا إما للحكومة المركزية أو لحكومة إقليم كوردستان، لكي تملك مستوى من الاستقلال الأمني والاقتصادي الداخلي، حتى يشعر سكانها بنوع من الأمان، دون خشية من محيطهم أو من الصراعات السياسية والأهلية المحيطة بهم.