اتممت اليوم بتأني قراءة ما ورد في مطبوع (أعمال هوشنك بروكا الشعرية ” شاعر وأسماك محلقة في ماء السماء) ترجمة وتقدم وتعليق إبراهيم محمود.. الطبعة الأولى 2020 عن دار تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع سوريا ـ دمشق 672 صفحة من القطع المتوسط..
مع الاهداء الأخضر ومتعة القراءة مع الصفحات التي تتالت.. كنت اسرح.. خلال الأيام الماضية في التجوال بصحبة المبدعين الشاعر والكاتب هوشنك والناقد والمترجم محمود.. في اجواء العالم ومحطاته التي شغلك تفكير الشاعر وحلقت به طائراً بروحه حولها.. كالقبج الذي يختار اعلى الصخور والقمم ليشدو مغرداً في فضاء مفتوح.. كأنه بساط لا محدود للحرية في اجواء الطبيعة ليتحدى سامعيه..
ورغم توقفه عند الينابيع التي تنضح ماءً زلالاً ليرتوي منها تارة او ليقطف تفاحة قبل ان يحل المساء.. حيث الليل وانتظار لمسة جسد عاشق.. او ذكرى طيف شجاع.. سفحت روحه في لحظة تعسف وغدر فكان المراق دماً.. دماً بلون القهوة والرماد.. دماً يختلط بشهقة حياة.. كانت تحلم بالشمس والضياء وتتعطش للقاء محب.. او حتى طيف انساني يذكرك بنبل الفقراء الاتقياء.. ومراسيم الايمان الصادق الباحث عن جذور الخير في الطبيعة.. لزرعها بدلاً من الأرض والتربة في النفوس.. عسى ان تولد جيلا مؤمناً بعدم جدوى العنف.. ويرفض التوحش.. ولا يجد في الاختلاف بين البشر مثلبة.. ولا خصال تبعث على التعالي والكبرياء..
لذلك اختار زاوية تتيح له تدقيق النظر وتساعده لإدراك معنى اللون.. وفقه لحظات الصمت والوجل.. ومعنى ان لا يصل للأسماع صريخ جريح يتأوه من شدة الألم.. او نداء عطشان على حافة النهر.. فقرر نزع الثياب عن البشر.. كل البشر ليبدوا كما هم في لحظة الوجود عراة مكشوفي الأطراف حتى في لحظات الشبق حيث تتداخل الأجساد وتلتحم لتشكل أطرافاً أفعوانيه متشابكة..
رغم ما يحيطها من رعب وخوف واحزان وموت بين مدنتمتد بين آمد وعامودة وحلبجة والقامشلو وسر خط وبن خط.. والحدود الشائكة.. التي تحولت هي الأخرى لمقابر جائعة.. ومدن حريق.. وسجون ومعتقلات.. وذاكرة سجناء.. هي في ذات الوقت ذاكرة الثلج الذي فقد عذريته.. هو الآخر في أجواء مجنونة تشهد رقصاً واعراساً مجنونة لمهزومين.. حالهم حال المطر المهزوم.. والخرائط المهزومة بحضور ملك الموت.. والله المتواري عن الأنظار.. وبقية الآلهة.. بما فيهم إله الطرق خفوري ريا Xefure Reyan .. الذي تحول الى شرطي في لغة اشقائنا المصريين.. من زمن الفراعنة.. فسموه الغفير أي الحارس..
هذا الإله الذي تعود على مظاهر الموت ولم يكترث حتى لـ
(جثة هذه البريّة، حيث “الله”
لازال
عليها
غريييييباً،
حيث “الله”
هناك،
لازال يرضي الماء)
في اتجاهات خمسة مع عبث الاقدار التي تطارد العشاق على الحدود..
(تعالي..
وامنحيني قلبك،
ولنبنِ
بيتاً
من المساء،
من غناء رقص
اسمك
وجرح هذه الأرض
حيث يكون ظل ألمك،
مثل ازمنة الطفولة)
الا انه لا يهنأ في هذا الاختيار حيث يكتشف المزيد من الألم بين طيات الأرض في هذه الجغرافية الحدودية التي سبقه من تركوا اشياؤهم وآلامهم وبقاياهم فيها..
(هذه الجغرافيات التي فاضت ألماً
……
نعوش من ماء
أيدٍ من ماء
نايات من ماء
إناث من ماء
و..
وآلهة من ماء)
الا انها لم تكن قراءة سهلة.. لأنها لم تكن ترجمة سهلة رغم ما بذله المبدع إبراهيم محمود وهو الضليع بالغتين الكردية والعربية.. بحكم ما ينفثه هوشنك من روحه بين الكلمات..
ـــــــــــــــــ
صباح كنجي
12/3/2021
ـ هوشنك بروكا كاتب وشاعر كردي من سوريا ـ له عدة دواوين ومجموعة كتب تبحث في الأديان والتاريخ.. مقيم في المانيا
ـ إبراهيم محمود كاتب وناقد كردي من سوريا ـ القامشلي له قائمة طويلة من الكتب والاصدارات في مجالات الادب والفلسفة والنقد.. مقيم في كردستان