وضعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وقادة الدولة والمجتمع المدني اللمسات الأخيرة على خطة تحسين اندماج المهاجرين بالمجتمع الألماني ونظام التعليم وسوق العمل. الخطة تحدد خارطة طريق للعقد القادم.
في السابق كان حصول الشخص الأجنبي على وظيفة ربما يعتبر كافيًا للاندماج بنجاح في المجتمع. وبالنسبة لألمانيا، فإن هذا النوع من التفكير في طريقه إلى التلاشي.
وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من التخطيط والمناقشة، أعلنت المستشارة أنغيلا ميركل وقادة الدولة والمجتمع المدني هذا الأسبوع (في الثلاثاء التاسع من مارس/ آذار) عن 100 إجراء كجزء من خطة عمل وطنية للاندماج.
وهنالك مقياس من شأنه إدخال “كشافي الاندماج”، وهو نوع من أنظمة الزمالة للمتدربين. والفكرة هنا هي أن يقوم المتدربون الألمان بتوجيه المتدربين غير الألمان حتى لا يتم إغفال أو نسيان أحد. وقالت ميركل: “يتطلب التماسك الاجتماعي الحقيقي أكثر من مجرد غياب الكراهية والعنف”، موضحة أنه “يتطلب التسامح والانفتاح على بعضنا البعض”.
كانت قمة الاندماج الثالثة عشرة يوم الثلاثاء هي آخر قمة اندماج لميركل، قبل أن تنتهي فترة ولايتها هذا الخريف بإجراء الانتخابات البرلمانية الألمانية وتغادر المشهد السياسي.
وفي معرض حديثها عن كيفية تغيير مفهوم الاندماج خلال فترة وجودها في المنصب ، قالت المستشارة الألمانية: “لقد تعلمنا أن الاندماج لا يؤثر فقط على بعض المجموعات وإنما يؤثر على المجتمع بأسره”.
محاولة تجاوز الانتكاسات الناجمة عن الوباء
جمعت القمة التي رأستها مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج أنيته فيدمان ماوتس، حوالي 120 شخصًا يمثلون الولايات والبلديات الألمانية وكذلك منظمات المجتمع المدني.
وخلال مؤتمر صحفي عقب القمة، شددت فيدمان ماوتس على أهمية ضمان استراتيجية اندماج فعالة في أقرب وقت ممكن، وخاصة أثناء تفشي وباء كورونا، لتأمين دور ألمانيا “كدولة هجرة قوية اقتصاديًا وحديثة من أجل المستقبل”. وأضافت: “لقد حققنا الكثير خلال السنوات القليلة الماضية، والآن يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا حتى لا تكون جائحة كورونا انتكاسة لهذه الإنجازات”.
ما هي خطة العمل الوطنية للاندماج؟
تم إطلاق خطة العمل الوطنية في عام 2018، وهي تهدف إلى وضع خارطة طريق للاندماج في عشرينيات القرن الحالي. كان المشروع بمثابة مهمة كبيرة لنحو 300 شريك، يمثلون ولايات ومدن ألمانيا وما يقدر بنحو 75 منظمة من منظمات الهجرة.
في جوهرها ، تنقسم الخطة المكونة من 100 نقطة (إجراء) إلى خمس فئات تتراوح من تدابير ما قبل الاندماج مثل تحديد التوقعات قبل هجرة الشخص إلى ألمانيا ووصولاً إلى تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال الأنشطة التعليمية والاجتماعية.
مواجهة التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعي
كان التمييز أحد المحاور الرئيسية لمحادثات يوم الثلاثاء الماضي. وشددت ميركل ومتحدثون آخرون في المؤتمر الصحفي الذي أعقب القمة على أن الهجمات الإرهابية ذات الدوافع العنصرية مثل الهجوم الدموي العنصري في هاناو عام 2020 أو جرائم القتل التي نفذتها منظمة NSU الألمانية اليمينية المتطرفة هي انتكاسات كبيرة لمحاولات خلق أجواء متكاملة وآمنة في ألمانيا.
وإلى جانب منع العنف، تدعو خطة العمل أيضًا إلى توسيع جهود مكافحة التمييز على سبيل المثال من خلال انشاء المراكز الاستشارية التي يمكن أن تساعد الأشخاص، الذين تعرضوا مثلاً لخطاب الكراهية أو وجدوا أنفسهم مستبعدين من وظائفهم بسبب عرقهم أو دينهم.
كما دعا تقرير صدر قبل القمة إلى توثيق موحد لهذه الحالات من أجل فهم أفضل لكيفية حدوث التمييز. وقال برنهارد فرانكه، رئيس الوكالة الاتحادية الألمانية لمكافحة التمييز في بيان صحفي: “لا يمكن التخلي عن ضحايا التمييز: يجب أخذ تجاربهم على محمل الجد. ولضمان ذلك، يحتاجون إلى دعم من جهات استشارية متخصصة في مكافحة التمييز”.
لماذا يعتبر الاندماج موضوعًا ساخنًا في ألمانيا؟
كان موضوع الاندماج محط اهتمام العديد من النقاشات الجدالية الساخنة في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، والذي نشأ جزء كبير منه بسبب موجة التدفق التاريخي للاجئين بين عامي 2015 و2019. وخلال تلك الفترة، تلقت ألمانيا أكثر من 1.8 مليون طلب لجوء، أو ما يقرب من 75 بالمائة من إجمالي طلبات اللجوء التي تم تقديمها خلال العقد الماضي.
وسرعان ما تحولت النقاشات بشأن كيفية التعامل مع الخدمات اللوجستية لمثل هذا العدد الكبير من اللاجئين، الذين ينحدرون أساسًا من سوريا وأفغانستان وأجزاء من أفريقيا، إلى مخاوف بشأن الاندماج.
في الواقع، أعادت المخاوف بشأن الاندماج طرح الأسئلة بشأن اندماج مجموعات المهاجرين المستقرة في ألمانيا منذ فترة طويلة، ولا سيما المهاجرين الأتراك وأحفادهم، الذين يشكلون أكبر أقلية في ألمانيا. وعلى الرغم من التحسن في معدلات التعليم، كانت هذه المجموعة، وفقًا لدراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) عام 2017 لا تزال تواجه صعوبات أكبر في العثور على وظيفة أو الاعتماد على رفاهية الدولة تصل إلى ثلاثة أضعاف ما يواجهه الألمان، الذين ليس لديهم جذور تركية.
وهو ما أفسح المجال أمام نقاش أكبر قادته منظمات الهجرة والجيل الثاني والثالث من المهاجرين، الذين دعوا المشرعين للتعلم من إخفاقات الاندماج السابقة وتعزيز التدابير كي تتجاوز فصول تعلم اللغة الألمانية والتوظيف.
اتجاه الهجرة في ألمانيا يتخطى أزمة اللاجئين
قرابة واحد من كل أربعة أشخاص يعيشون في ألمانيا حاليًا ينحدرون من أصول أجنبية. هذا، إلى جانب حقيقة أن ألمانيا تحتل المرتبة الثانية بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في معدلات الهجرة بعد الولايات المتحدة، حقيقتان تشيران إلى جانب آخر من جوانب الاندماج ألا وهو أن الاندماج لا يقف عند حدود أزمة اللاجئين.
بفضل الاقتصاد الألماني القوي، شهدت ألمانيا ارتفاعًا في استقبال مهاجرين من فئة العمال المهرة، الذين ينحدرون من عدد من البلدان. وأسهمت دول الاتحاد الأوروبي في أكبر ارتفاع للمهاجرين في السنوات الأخيرة.
ففي عام 2018 ، بلغت نسبتهم 60 بالمائة من إجمالي المهاجرين الذين قدموا إلى ألمانيا، وفي المقام الأول دول الاتحاد الأوروبي المجاورة. وقد كان نظام التعليم العالي بألمانيا أيضًا نقطة جذب للطلاب الأجانب، حيث كان عدد الطلبة الأجانب المسجلين بالجامعات الألمانية قبل الوباء يزيد عن 400 ألف طالب وطالبة.
وفي خضم حديثها إلى الصحفيين في المؤتمر الصحفي الثلاثاء، قالت غونكا توركلي-دينرت، التي ترأس “المؤسسة الألمانية للاندماج” (Deutschlandstiftung Integration)، إن العديد من الشباب الذين يأتون إلى ألمانيا يتمتعون بموهبة عالية ويتحدثون غالبًا لغتين أصليتين، بالإضافة إلى لغتين أجنبيتين على الأقل. وأضافت توركلي-دينرت: “ليس عليهم البقاء هنا ولن يفعلوا ذلك إذا لم يتم الاعتراف بما يقدمونه”.
كاتلين شوستر/ ص.ش