.
تنتشر في إقليم كردستان العراق، مقابر مهجورة بلا شواهد ولا أسماء، تحكي قصة عنف متواصل تتعرض لها المرأة باستمرار، على الرغم من تقدمها في حقول عدة.
وتقول جيهان ظافر وهي محامية مختصة بالدفاع عن المعنفات في محافظة دهوك، في حديث لـ IQ NEWS، إن “العنف ضد النساء مستمر في إقليم كردستان، ما يشكل ظاهرة مستمرة لن تنتهي إلا بالقضاء على العرف العشائري الذي يسود المجتمع الكردي والعراقي عموما، ومن المهم منع استمرار هذا النوع من العنف في مجتمعنا من خلال حملات توعية واسعة للمجتمع”.
وتضيف ظافر، “على الرغم من انخفاض مستويات العنف في الربع الأول من العام الحالي 2021، إلا انه تم تسجيل مقتل امرأة وحرق خمسة اخريات لأنفسهن وتسجيل 426 شكوى في مديريات حماية المرأة خلال النصف الاول من هذا العام، وهو انخفاض طفيف لا يرقى للطموحات التي نود الوصول اليها”.
وتابعت، “صحيح أن اقليم كردستان سجل قفزة نوعيّة في تسلّم المرأة لمناصب حكومية وقيادية رفيعة، من قبيل منصب رئيس برلمان الإقليم ونائبة رئيس البرلمان، وثلاثة مواقع وزارية، كما زادت المبادرات النسائية والشعبية والإعلامية التي تعمل من أجل القضاء على الثقافة الجندرية والعنف الموجه ضد النساء، إلا أننا مازلنا في حرب ضد ظاهرة العنف”.
“الشكوى عيب وحرام!”
“كنت لا أرى بشكل جيد بعيني اليسرى، الا انني تمكنت وبصعوبة من فتحها ورؤية ما حدث حقيقة لوجهي. ملامحي تحولت لخارطة لا يمكن معرفة معالمها، حاولت ان استعيد الذاكرة قليلا لأعرف ما حصل لي، وتمكنت بعد جهد جهيد من تذكر النقاش الحاد الذي تحول الى حفلة لضربي من قبل والدي وإخوتي بسبب رفضي الزواج من قريبي الذي لا يعرف القراءة والكتابة وأنا لدي درجة بكالوريوس من قسم اللغة الإنجليزية في كلية التربية”، كما تقول الشابة (هـ. س).
وتروي دون ذكر اسمها، خوفا من عائلتها، ما دار بينها وبين والدها، قائلة “قبل الشروع بضربي أبلغني والدي بأنه هو من يحدد مصيري، وحين رفضت قريبي وفضلت الزواج من زميل كان قد تقدم لخطبتي اكثر من ثلاث مرات ووالدي كان يرفض، فقام بضربي وحينما حاولت والدتي منعه ضربها هي الاخرى”.
حاولت (هـ. س) التوجه الى أقرب مركز للشرطة لتقديم شكوى ضد عائلتها، ولكن والدتها رفضت وقالت لها بأن والدها يعاني من متاعب الحياة التي أثقلته وجعلت منه شخصا عصبيا، لذا فهو يحل كل شيء بالضرب، وأنه أعرف منك بمصلحتك وأنه لا يجوز لفتاة متربية أن تقدم شكوى ضد عائلتها، متسائلة “أتريدين ان يقولوا انني لم اعلمك العيب والحرام؟”.
قبور بلا شواهد
تقع آلاف النسوة والفتيات سنويا ضحايا للتعنيف والإهانة وسوء المعاملة، والمئات منهن يتم قتلهن تحت ذرائع “غسل العار” و”حماية الشرف”، لدرجة أن المقتولات من قبل ذويهن أو أزواجهن يدفن في مقابر خاصة، حيث لا شواهد ولا أسماء ولا عناوين لهن وكأنهن مجهولات الهوية.
وقام نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد الطالباني، وهو نجل الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني بزيارة مقبرة ضحايا العنف ضد المرأة في السليمانية، والتي توجد تقريبا في كل مدينة كردية نسخة منها.
هذه المقابر بلا شواهد ولا يزورهن أي من ذويهن، طالما أنهن قتلن بدعوى الحفاظ على “سمعة” العائلة و”شرفها”.
وفي هذا الشأن، تقول المحامية المختصة جيهان ظافر، إن “دفن النساء في هذه المقابر جريمة مجتمعية لا قانونية وانه لا يمكن مقاضاة أو اجبار من يدفن امرأة بهذه المقبرة على التراجع”.
“القانون لا يحاسب”
وتضيف ظافر، “على الرغم من أن الاسباب تنوعت في هذه القضايا الا انها توسعت لتشمل الآن الابتزاز الالكتروني، حيث تزايدت الجرائم الإلكترونية في هذه الفترة”.
وترى أن “من الاسباب ايضا طريقة تعامل الادعاء العام مع قضية المعنفات، حيث يسمح للصلح العشائري أو الشخصيات المتنفذة بالتدخل في تسوية القضايا المتصلة بقتل النساء خارج إطار المحكمة، وهذا يؤدي لضياع حقوق المقتولات غدرا اولا وإدخال اليأس في النساء من جدوى التوجه للقضاء مستقبلا ان كانت التسوية هي سيدة الموقف”.
وتوضح، أن “هناك العديد من القضايا التي نجحت فعلا في استحصال حقوق من تعرضت للعنف، لكنها تمثل نسبة ضئيلة من القضايا الموجودة فعلا”، مضيفةً أن “العشائرية هي المتهم الأول في هذه الظاهرة، خاصة وان العديد من المناطق مازالت متمسكة بالعادات والتقاليد القديمة التي تجحف حقوق المرأة مثل ختان الاناث وزواج الاقارب”.
“العشائرية هي السبب الأساس”
من جانبها، تقول سوزان محمد، مديرة مشروع “المرأة أمان وسلام”، إن “الحديث عن انخفاض نسبة العنف ضد النساء في إقليم كردستان غير صحيحة، خاصة خلال فترة حظر التجوال التي شهدناها العام الماضي ومازلنا نشهدها في فترات متقطعة”.
وتضيف في حديثها لموقع IQ NEWS، أن “سوء الاوضاع الاقتصادية وبقاء الرجل في البيت أدى لارتفاع نسب العنف ضد النساء، اما السبب الرئيس لهذه الظاهرة فلا يخرج عن اطار العشائرية التي تركز على مفهوم العيب إزاء اعطاء الحرية للفتاة او تركها لتشق طريقها في الحياة بالاضافة الى الجرائم التي ترتكب تحت مسمى الشرف”.
وتشدد سوزان على أن “الحاجة للتوعية المجتمعية لا يمكن ان تأتي ثمارها، إلا أن استهدفت الرجال ايضا لأنهم حاليا الفئة الاكثر تأثيراً في المجتمع”، مضيفةً، أن “حملات التوعية هذه يجب أن تكون مميزة وغير تقليدية لجذب الرجال خاصة”.
“العمل يلغي العنف”
بدوره، يرى القاضي لطيف الحاج مصطفى، أن “المفتاح لحل مشكلة العنف ضد النساء أو الحد منها يمكن في تمكين المرأة اقتصادياً، فالنساء اللواتي يعملن هن أقل عرضة للعنف لأنهن غير مدينات للرجل”، لافتاً إلى أن “التبعية الاقتصادية هي سبب رئيس لاستمرار العنف ضد النساء”.
وحول امكانية تعديل القوانين الخاصة بالعنف الاسري والعنف ضد النساء، قال مصطفى لموقع IQ NEWS، إن “اللجوء الى تعديل القوانين لا يحل المشكلة. يجب اولا متابعة تطبيق القوانين النافذة في هذا المجال، فمهما صدرت من القوانين لن تفيد بشيء إذا لم تطبق”.