في مقالاتنا السابقة تكلمنا كثيراً عن عراقة الأمة الكوردية وقدم وطنها كوردستان الذي استوت عل قمة إحدى جباله الذي باسم جبل الـ”كورديين” سفينة النبي نوح. ثم أن مصادر التاريخ القديم غالبيتها تقول أن الكورد شعب عريق، ولا يخفى على المتتبع أنهم ولدوا مع تراب وصخور وطنهم كوردستان، فلذا اسمهم مقترن باسمه، وهذا نادراً ما تجده على كوكبنا الأزرق، حيث أن دولة ما تحمل اسم الشعب الذي يعيش على أديمه. هنا استثني اسم الكيان التركي… لأنه اسم مصطنع أوجدته معاهدة لوزان التآمرية عام 1923. ليس هذا فقط، بل أن العنصر التركي بكل أصنافه ومسمياته ليس له حق الوجود في هذه المنطقة، لأنه منذ اليوم الذي وضع العنصر التركي الذي ينتمي للجنس الأصفر قدمه على هذه الأرض واستوطنها عنوة كمحتل، والاحتلال كما هو معروف عرفاً و قانوناً لا يسقط بتقادم الزمن فعليه؛ يجب أن تتكاتف شعوب ودول العالم أجمع لإزالة هذا الكيان الغاصب من الوجود، كي تعود المنطقة هادئاً وسعيداً كما كانت، وتعيش شعوبها بأمن وأمان بعيداً عن قعقعة السلاح.
دعونا نعود إلى ما تكلمنا عنه قبل عدة أيام، إلا وهو موضوع البابا وكوردستان الذي أثار ضجة كبيرة في كل من عاصمتي الكيانين طهران وأنقرة. قبل أيام معدودة صدرت وزارة النقل والمواصلات في حكومة إقليم كوردستان التي وزيرها (آنو جوهر) من الطائفة المسيحية طابعاً بريدياً يحمل صورة لبابا الفاتيكان (فرنسيس) وخلف رأسه المبارك خارطة كوردستان، لكن بنصف مساحتها الطبيعية!!. لأن أرض كوردستان في شمال وغرب كوردستان تمتد على سواحل البحر الأبيض المتوسط بعيداً في داخل الحدودين المصطنعين لكل من الكيانين سوريا وتركيا اللذين أوجدتهما على الخارطة السياسية حراب الاستعمار الغربي بعد حرب العالمية الأولى، وهكذا هي أرض شرق كوردستان حيث تمتد داخل حدود إيران حتى تتخطى مضيق هرمز على بحر الخليج.
عزيزي القارئ، كما قلت في عنوان المقال،عار على المجتمع الدولي بكل مكوناته وأطيافه، وبكل محافله الإقليمية والدولية…، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة وأعضائها من جميع القوميات والشعوب وفي مقدمتها شعوب الدول الغربية المتحضرة، وهذه الأخيرة معروفة للعالم أجمع بأنها بلدان متطورة علمياً، ومتقدمة حضارياً، وتعتبر مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، لكن للأسف الشديد أن اثنين من دولها وهما بريطانيا وفرنسا مسئولتان مسئولية مباشرة عن كل ما لحق بالشعب الكوردي المعذب من مآسي وويلات على مدى قرن من الزمن على أيدي الذئاب البشرية… .
بما أننا أشرنا إلى شعوب الغرب المتحضرة التي لديها مؤهلات،أي: ذو أهلية له كفاءة وقدرات كبيرة في عالم العلم والمعرفة، لكن الشعب الكوردي الجريح بسبب الاحتلال البغيض الذي يضطهد المواطن الكوردي ليل نهار منع من نيل هذه المؤهلات العلمية لأن لا ينالها إلا شعب حر غير مكبل بأغلال المحتل البغيض في وطن حر نفسه لا يرزح تحت نير العبودية المفروضة عليه بقوة الحديد والنار. لكن الشعب الكوردي المبدع لم يدع أن يكون بدون شيء يمتاز به عن شعوب العالم إلا وهي مشاركته في بناء صرح الحضارة العالمية وذلك من خلال نساؤه ورجاله العظام وشعبه المتحضر الذي يجيد أربع لغات حية وهي: العربية، الفارسية، التركية، بالإضافة إلى لغته الأم الكوردية، حيث تتكلم 20 مليون في شمال كوردستان اللغة التركية، و10 ملايين في شرق كوردستان تتكلم الفارسية، وسبعة ملايين في جنوب كوردستان تتكلم العربية، وثلاثة ملايين في غرب كوردستان تتكلم العربية أيضا مجتمعة شعب واحد يتكلم أربع لغات؟.لا يوجد شعب على وجه البسيطة يجيد أربع لغات سوى الشعب الكوردي فقط. تقول لنا الدراسات العلمية، أن نسبة من يتقنون لغتين أو أكثر ما تزال ضئيلة حتى في الدول المتقدمة. بلا أدنى شك، إن تعلم لغة أضافية واحدة تطور القدرات العقلية للمتعلم، لأنها تساهم في تنشيط الدماغ وتقوية الذاكرة، وهذه العملية بدورها تجعل من ذلك الشعب أن يتطور ويتقدم أفضل من غيره. لكن الشعب الكوردي، أكرر الشعب الكوردي في وطنه في عموم كوردستان يجيد أربع لغات ثلاثة منها لغات أجنبية وواحدة لغته الأم وهذا ما أشرنا له أعلاه. هنا نتساءل، هل أن الشعب الأمريكي يجيد أربع لغات؟، بالطبع لا، هل أن الشعب الروسي يجيد أربع لغات؟،لا، هل يوجد في العالم أجمع شعب ما يجيد أربع لغات، دلونا عليه أن وجد. عزيزي المتابع، تشير إحدى الدراسات التي أجريت في جامعة “بومبيو فابرا” الإسبانية أنّ الأشخاص الذين يُتقنون لغتين أو أكثر لديهم إدراك حسّي أعلى من الأفراد أحاديّي اللغة، وهؤلاء الأشخاص يُفكرون دائماً بطريقة إبداعية مبتكرة أو ما يُسمى بالتفكير، لأنهم يتفوقون على الآخرين بمهارات الاستماع والقدرة على الكلام وما إلى ذلك، وجميعها تؤثر بشكل إيجابي على معدل الذكاء والإبداع. والشخص الذي لديه عدة لغات لديه القدرة على التواصل مع شريحة أكبر من الناس من عدة ثقافات وبلدان، إذاً، من يملك اللغات الإضافية يستطيع التواصل مع الآخرين لتعميق علاقة الأفراد بهذه الثقافات، واحترام تقاليد وتاريخ وخصوصية الأشخاص المرتبطين بهذه اللغات، ويكون لدى الشخص الذي يجيد لغات، القدرة على التسامح وقبول الآخر برحابة صدر – هذا ما نجده في إقليم كوردستان حيث الطوائف المسيحية والأقلية التركمانية تشارك في الحكم وحصلت على حقوق أكثر من مستحقاتها-لأن الأشخاص الذين يتكلمون لغتين أو أكثر يتفوقون عن أقرانهم أحاديي اللغة في الرياضيات؛ وتضيف الدراسة: نظراً إلى أن تعلم اللغة هو عملية هيكلية ومنطقية وتُشابه إلى حد ما نوع التفكير المستخدم في حل المسائل الرياضية.
عزيزي القارئ، إن هذه الميزات العلمية الإيجابية في الإنسان تجده عند الشعب الكوردي المسالم، الشعب الذي يجيد أربع لغات، ويحب أن يتواصل مع جميع شعوب العالم على قاعدة الإخوة البشرية والاحترام المتبادل من أجل السلام العالمي والعيش المشترك.
“الذي يعيش في سلام مع نفسه،يعيش في سلام مع الكون”
15 03 2021