اثارت مسالة تعديل بعض مواد قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم ٣٠ لسنة ٢٠٠٥ ، الكثير من الجدل حول الدولة المدنية ودور الدين او مايعرف بفصل السياسة عن الدين .
واهمية هذا الخلاف يأتي من اهمية هذه المحكمة في كونها اعلى هيئة قضائية في العراق ، تختص بالفصل في النزاعات الدستورية بين السلطات الثلاث والفصل في دستورية القوانين من عدمها . وان قراراتها نهائية غير قابلة للنقض . وهي هيئة قضائية مستقلة تماما عن السلطات التشريعية والتنفذية والقضائية .
سبب الخلاف يعود الى رغبة بعض الاحزاب الاسلامية في البرلمان العراقي الى اعادة الحياة الى المادة ٩٢ من الدستور وذلك بتمرير مادة توجب اشراك فقهاء الشريعة في هيئة المحكمة الاتحادية العليا الى جانب القضاة .
مما يعني ان يكون لرجال الشريعة الحق في التصويت والموافقة او الرفض لاي قانون لا يتلائم وثوابت الشريعة الاسلامية .
وهذا يعني السير بالدولة نحو الدولة الدينية و التشدد ومصادرة الحقوق الاساسية للمواطنين ومخالفة لمبادى الديمقراطية الواردة في الفقرتين ثانيا وثالثا من المادة الثانية من الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥.
نحن لسنا بالضد مع ان يكون روح الاسلام المصدر الاول للتشريع الواردة في الفقرة الاولى من المادة الثانية ، طالما ان غالبية الشعب العراقي يمثل اغلبية مسلمة .
لكننا نتعامل مع دولة مؤسسات ودستور وقوانين وشعب متعدد الاديان والاعراق والمذاهب . والقول بمرجعية الدولة هي مرجعية دينية اسلامية فيه الكثير من الاجحاف لبقية المواطنين غير المسلمين .
لا بل ان الفقرة الاولى هذه تناقض تماما الفقرتين الثانية والثالثة في المادة الثانية من الدستور .فلكل منهما مجاله الخاص .
الدوله مجالها الدستور والقوانين ومؤسسات الدولة ومواطنين يخضعون لسيادة القانون ، دولة تحترم فيه حرية العقائد والاديان ، لا تميز بين الشعب بسبب الدين او المذهب ولا تمييز لاغلبية مسلمة على اقلية غير مسلمة . فمرجعية الدولة هو الدستور والقانون فقط .
التشريعات يجب ان تكون بعيدة عن المرجعيات الدينية لان التشريعات القانونية او الوضعية كما نعرف تتبدل وتتغير وتعدل طبقا للمصالح العامة ولقانون تطور الحياة اليومية . في حين الاحكام الدينية ثابتة لا تقبل التغيير ولا التعديل ولا التطور . لهذا هناك تناقض كبير وتعارض بين المرجعية الدستورية والمرجعية الدينية .
اغلب الدساتير العربية تعتبر الاسلام مصدرا للتشريع تستمد من روح الاسلام احكامها ، لكنها ليست دولا دينية . وراي الدين فيها لا يتعدى ان يكون رايا استشاريا .
والدين مفصولا عن السياسة والحكم ، خصوصا بعد ان اثبت الاسلام السياسي فشله في الحكم ونموذج مصر وحكم الاخوان المسلمين لاتزال عالقة في الاذهان والتي فشلت فشلا ذريعا .
وفي العراق لايكفي ان الدين دخل كل مفاصل الدولة والسياسة والان يريدون اقحامه في الدستور والقوانين .
فيكفي ماعاناه المواطنون من الاقليات الدينية غير المسلمة في العراق من سطوة الفكر السياسي المتشدد للاسلام تجاه غير المسلمين من فكر وتنظيم داعش والقاعدة الملعونين .
ان فرض الشريعة على القوانين فيه خطر كبير على الديمقراطية والحريات الاساسية للمواطنين .
لان الشريعة مجالها العقائد وبيوت العبادة ويمكن ان يكون للفقهاء رايا استشاريا لكن ليس في المحاكم المدنية التي يفترص ان تخرج عن الحيز الديني . لان الدستور والقوانين لاتحتاج الى فقهاء شرعيين بل الى قضاة وفقهاء قانون يمثلون اطياف الشعب .
والمحكمة الاتحادية والتي هي اعلى سلطة قضائية في البلد مهمتها النظر في القوانين هل هي دستورية ام لا ، لا النظر في القوانين ان كانت شرعية ام لا .
فلابد من اعادة النظر في المادة ٩٢ من الدستور التي اجيزت اختيار فقهاء الشريعة اعضاءا في المحكمة الاتحادية العليا وجعل دورهم كدور الخبراء القانونيين رايا استشاريا فقط وتفعيل المادة الثالثة من الدستور التي تنص على ان العراق بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب . بما يضمن بناء دولة مدنية يحكمها الدستور وفق مبادىء الديمقراطية والحريات الاساسية .