هناك تعويل مبالغ فيه من جانب بعض الاوساط السياسية على موضوع الانتخابات المقبلة لمنصب رئيس الجمهورية في إيران، والذي يلفت النظر کثيرا هو شعور هذه الاوساط بالخيبة والمرارة من ترشح العسکريين الى الانتخابات بما يمهد لفتح الباب أمام قادة الحرس الثوري للتنافس على منصب رئاسة الجمهورية خلال الانتخابات المزمع إجراؤها في يونيو/ حزيران المقبل.
تعويل هذا البعض على هذه الانتخابات وتخوفهم من ترشح العسکريين، يوحي وکأن هذا النظام کان مدنيا وإن العسکر والحرس الثوري خصوصا سيستلمون زمام الامور ويغيرون من الطابع والنمط المدني لنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي تم تأسيسه بناءا على نظرية ولاية الفقيه الشمولية الاستبدادية المقصية والرافضة للآخر جملة وتفصيلا، ذلك إن هذا النظام قد بني أساسا على نمط قمعي إستبدادي يعتمد على الحديد والنار، إذ مامعنى حکم مدني بعقلية عسکريتارية قمعية؟ بل کيف يمکن وصف حکم نظام ولاية الفقيه بالمدني وهو يرفض مبادئ الحرية وحقوق الانسان ويعادي المرأة علانية؟
هذا النظام الذي قام بإرتکاب مجازر تم إعتبارها جرائم ضد الانسانية نظير مجزرة صيف عام 1988، التي أعدم فيها 30 ألفا من السجناء السياسيين من أعضاء وأنصار منظمة مجاهدي خلق بمحاکمات صورية لاتمت للقانون بصلة، کما وإن العديد من التقارير والمعلومات الواردة من داخل النظام نفسه قد أکدت على إستخدام التعذيب بأبشع صوره الى الحد الذي قضى فيه عدد کبير من المعتقلين نحبهم من جراء عمليات التعذيب، الى جانب إن هذا النظام قد منح جل إهتمامه للعمليات والنشاطات الارهابية ضد معارضيه والتي وصلت الى ذروتها في عملية الدبلوماسي الارهابي أسدالله أسدي لتفجير مقر التجمع السنوي للمقاومة الايرانية في باريس عام 2018، ولذلك فإن الحديث عن نظام مدني يقوم بإرتکاب کل هذه الاعمال والممارسات المنافية لقيم الحرية والديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان والمرأة، إنما هو مجرد هراء ولاشئ غير ذلك.
وهناك ثمة ملاحظتان مهمتان أخريتان لابد من الانتباه لهما جيدا وأخذهما بنظر الاعتبار، الاول؛ إن منصب رئيس الجمهورية في ظل نظام ولاية الفقيه هو منصب ثانوي في إتخاذ ورسم القرارات السيادية، إذ أن الولي الفقيه هو الحاکم الفعلي لإيران وکل الامور ترجع إليه، والملاحظة الثانية؛ إن هذا النظام ومن أجل تجميل وجهه الاستبدادي القبيح وإبعاد صفة الدکتاتورية الملازمة له، يقوم بمساع ومحاولات للإيحاء بأن هناك نظام مدني وهناك حرية وديمقراطية بل وحتى إن لعبة الاعتدال والاصلاح التي ثبت للعالم کله کذبها وزيفها، کانت محاولة بائسة بهذا الاتجاه.