من ألف باء النظام الديمقراطي في العالم هو الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية والقضائية. ولكن في العراق المبتلى بنظام المحاصصة، يحاول الإسلاميون إخضاع جميع مؤسسات الدولة، من القمة إلى القاعدة، بما فيها المحكمة الاتحادية العليا، لهذه المحاصصة، وبالتالي هيمنة القيادات الحزبية الإسلامية عليها وتجريد السلطة القضائية من استقلاليتها.
فبعد فشلهم في حكم العراق خلال 18 سنة الماضية، وفضح فسادهم بجلاجل في جميع المجالات والأصعدة، و إنحسار شعبيتهم، و رفض الشارع العراقي لهم كما هو واضح من انتفاضة الشعب العراقي ضدهم منذ الفاتح من تشرين الأول 2019 ولحد الآن، يحاول الإسلاميون استعادة مكانتهم وهيمنتهم، عن طريق أسلمة المحكمة الإتحادية العليا، والسيطرة عليها عن طريق طرح مشروع قانون جديد لإعادة تشكيل هذه المحكمة بإضافة أربعة أعضاء فقهاء مسلمين ليكون المجموع 13 عضواً بدلاً من 9 الحالي، لكل منهم (الفقيه الإسلامي) حق الفيتو في إصدار القرارات بدلاً من الأغلبية البسيطة (أي 51%+).
ولنعرف خطورة مشروع هذا القانون الجديد، علينا أن نعرف تشكيلة المحكمة الاتحادية العليا الحالية، ووظيفتها ومهامها كما أقرها الدستور.
((تنص المادة(89) : اولا : المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً وإدارياً. ثانيا: تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يُسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب.
((المادة(90): تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي:
اولا : الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة. ثانيا: تفسير نصوص الدستور. ثالثا: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة. رابعاً: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. خامسا ً: الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الاقاليم او المحافظات. سادساً: الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون. سابعا ً: المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب. ثامنا ً: أ- الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم. ب- الفصل في تنازع الاختصاص بين الهيئات القضائية للأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في اقليم.
المادة(91) : قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة.))
***
فما هي المشكلة الآن؟
“المشكلة التي طرأت بخصوص تشريع هذا القانون هي أن الجماعات الموالية للولي الفقيه في البرلمان العراقي تصر على أن يكون أربعة من أعضاء المحكمة من الفقهاء المسلمين،[من السنة والشيعة فقط]، وأن قرارات المحكمة يجب أن تصدر بالإجماع، أي أن كل عضو فيها يتمتع بحق النقض (الفيتو)، ما يعني أن أعمال البلد وقراراته المهمة سوف تتعطل إن قرر أيٌ من الفقهاء الأربعة نقض قراراتها تحت ذريعة مخالفتها شرع الله!”(1)
وهذا مخالف للديمقراطية التي تعني حكم الأغلبية البسيطة. لذلك إذا ما تم التصويت على مشروع القانون الجديد فهذا يعني شل عمل المحكمة، وتجريدها من استقلاليتها، ومخالف للدستور الذي ينص بمادته(89): اولا : المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً وإدارياً.
على غرار مجلس صيانة الدستور الإيراني
ومن هنا نعرف أهمية هذه المحكمة في حياة الشعب، وخطورة مشروع القانون الجديد الذي يرمي إلى سيطرة الإسلاميين عليها، وتحويلها إلى نسخة طبق الأصل من (مجلس صيانة الدستور)، الذي هو من الهيئات التنظيمية الرئيسية في إيران، وظيفته الإشراف على عمل مجلس الشورى الإسلامي، حيث جميع قوانين البرلمان في إيران يجب أن تحصل على موافقة هذا المجلس قبل اعتمادها.
ما العمل؟
أولاً، نهيب بالسادة البرلمانيين أن لا يصوتوا على مشروع هذا القانون الجديد، لأن في تشريعه إلغاء للديمقراطية، وشل عمل المحكمة، وإلغاء لإستقلالية السلطة القضائية، وإساءة للسيادة الوطنية وذلك بإخضاع الدولة العراقية إلى إرادة الولي الفقيه في إيران.
ثانياً، نقترح تأجيل النظر في مشروع هذا القانون، وترحيله إلى الدورة البرلمانية القادمة ما بعد الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في تشرين الأول القادم.
ثالثاً، وإذا ما صوت البرلمان الحالي على هذا المشروع بما فيه المادة التي تنص على حق الفيتو للأعضاء الإسلاميين، نهيب بالسيد رئيس الجمهورية عدم المصادقة عليه، وترحيله إلى البرلمان القادم.
رابعاً، و إذا ما فشلت كل المحاولات أعلاه، وتم التصويت على هذا المشروع المسخ وتمريره، يجب على جماهير شعبنا مواصلة النضال ضده إلى أن يتم إلغاءه.
والجدير بالذكر، أن هناك حراك جماهيري واسع، من بينها (حملة- بيان حول تشريع قانون المحكمة الاتحادية)، رابط الحملة في الهامش(2) ، الرجاء من الأخوة القراء التوقيع عليه.
وفي جميع الأحوال، يجب مواصلة النضال ضد أية محاولة مشبوهة ضد الديمقراطية.
لا لأسلمة المحكمة الاتحادية العليا، لا لأسلمة المجتمع، لا لأسلمة الدولة.
العلمانية الديمقراطية هي الحل
الدين لله والوطن للجميع
abdulkhaliq.hussein@
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. حميد الكفائي: أتباع الولي الفقيه يطرقون أبواب المحكمة الاتحادية
https://akhbaar.org/home/2021/
2- حملة – بيان حول تشريع قانون المحكمة الاتحادية