في الوقت الذي يئن فيه العالم تحت وطأة كورونا، يصيب تعطيل المرور في قناة السويس بسبب جنوح سفينة عملاقة اقتصاد مصر والتجارة العالمية بضربة موجعة. ما هي الدول الأكثر تضررا، وهل يقلل الحادث من أهمية القناة لصالح ممرات جديدة؟
وكأنّ مصائب جائحة كورونا لا تكفي مصر والعالم في هذا التوقيت الصعب، حتى تمر سفينة الحاويات “إيفر غيفن” العملاقة لتجنح في قناة السويس وتقطع أحد أهم الممرات المائية للتجارة بين الشرق والغرب. فكل يوم يتوقف فيه المرور عبر القناة تتكبد مصر خسائر تزيد على 15 مليون دولار كرسوم على مرور السفن عدا التكاليف المترتبة عن توقف أعمال خدمة السفن وأطقمها والأعمال الأخرى التي تساهم في إنعاش المدن المصرية على طول هذا الممر المائي.
وتعد القناة أحد أهم خمسة مصادر مستدامة للدخل القومي المصري من العملات الصعبة بعائدات سنوية وصلت إلى أكثر من 5.6 مليار دولار حلال العام الماضي. ويمكن القول أن القناة تشكل أحد أبرز القطاعات التي تساعد مصر على تحقيق طموحاتها التنموية ومواجهة أزماتها الاقتصادية لأن عائداتها مستقرة مقارنة بعائدات السياحة والسفر والاستثمار الأجنبي وقطاعات أخرى عرضة للتأثر السريع بالأزمات على غرار أزمة جائحة كورونا. ويعكس استقرار العائدات كون القناة أحد أهم الممرات المائية العالمية وأكثرها أمانا للسفن والحاويات التي تشكل أهم وسيلة لنقل السلع والبضائع إلى مختلف الأسواق.
أية أهمية للتجارة العالمية؟
على ضوء هذه الأهمية، فإن تبعات إغلاق القناة هي أكثر قسوة على التجارة العالمية إذا تذهب التقديرات إلى أن الإغلاق يكلف أسبوعيا من 6 إلى 10 مليارات دولار حسب شركة التأمين الألمانية “اليانس”، كما أنه يضاعف أسعار النقل والتأمين وتكاليف الإنتاج والوقود عدة مرات. ويدل على ذلك ارتفاع أسعار النفط بنسبة 6 بالمائة بعد أقل من 48 ساعة على حادث جنوح الناقلة. ويشكل المرور عبر القناة 10 إلى 15 بالمائة من مجمل السلع التي تنقلها الحاويات إلى مختلف أنحاء العالم. وتضم السلع والبضائع المارة كل ما يخطر على البال من مصادر الطاقة والمواد الأولية والوسيطة والسلع الجاهزة والحيوانات الحية وغيرها. أما وجهتها الأساسية غربا فهي أسواق أوروبا وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا. وعلى صعيد الوجهة شرقا فإن معظم السلع تتوجه عبر القناة إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية ودول شرق وجنوب آسيا الأخرى.
انقطاع سلاسل التوريد ومخاطرها
وانطلاقا من أن الصين أضحت أهم شريك تجاري لأوروبا بعدما أحتلت موقع الولايات المتحدة العام الماضي على هذا الصعيد، فإن ألمانيا توجد في مقدمة الدول المتأثرة والمتضررة من إغلاق القناة. بالنسبة إلى ألمانيا على سبيل المثال يقدر معهد الاقتصاد العالمي في كيل أن 8 إلى 9 بالمائة من صادراتها ووارداتها تمر عبر القناة. ويطال الضرر بشكل خاص العلاقات الاقتصادية مع الصين الذي أضحت اهم شريك تجاري لألمانيا. ويدل على ذلك أن ثلثي البضائع المتبادلة بين الطرفين يتم نقلها عن طريق السفن التي تمر عبر قناة السويس.
وعلى ضوء الخشية من إطالة أمد الإغلاق لأسابيع يخشى اتحاد الصناعات الألمانية من انقطاع سلاسل توريد المواد الصناعية والمعدات بشكل يؤدي إلى قلة عرض الكثير من السلع والخدمات التي تعتمد عليها كصناعة الأجهزة الإلكترونية والسيارات ووسائل الإتصال ومعدات الطاقات المتجددة ومواد غذائية. وقال هولغر لوش نائب المدير التنفيذي للاتحاد أن “السلاسل المتعثرة بين آسيا وأوروبا مهددة بالتوقف التام” مضيفا أن هذا “يمثل مشكلة خاصة لفروع الصناعة ذات الإنتاج المبرمج مثل صناعة السيارات”.
العالم العربي من أبرز المتضررين
غير أن العالم العربي سيكون إلى جانب أوروبا وتركيا من أكثر المناطق تضررا أيضا لأن الصين أضحت أهم أو أحد أهم الموردين إلى أسواق بلدان شمال أفريقيا وشرق المتوسط بنسب تتراوح بين 10 بالمائة كما في حالة المغرب وما يزيد على 18 بالمائة كما في مصر. وبالنسبة إلى دول الخليج فإنها تصدر قسما هاما من النفط والغاز المسال عبر القناة. وتذهب التقديرات إلى أن ما بين مليون إلى مليون ونصف برميل نفط يوميا تُشحن يوميا عبرها إلى الأسواق الأوروبية والتركية وأسواق دول أخرى.
غير أن المشكلة الأكبر لهذه الدول في اعتماد أسواقها بنسب تتراوج بين 20 إلى 30 بالمائة على السلع الاستهلاكية التي تستوردها من أوروبا وشمال أمريكا مرورا بقناة السويس. وفي حال طالت الأزمة وتم استهلاك مخزون المستودعات، فإن النقص في هذه السلع مسألة لايمكن تجنبها، ما يعني أرتفاع اسعارها وتراجع القوة الشرائية ومستوى معيشة الفئات التي تستهلكها.
بدائل تقلل من أهمية قناة السويس
في الوقت الذي يتفاعل فيه حادث إغلاق القناة على الصعيد العالمي وخاصة في أوروبا. وفي الوقت الذي يسود فيه المزيد القلق ومن التكهنات حول أسبابه، تسير الجهود المصرية بالتعاون مع خبرات دولية وشركة إنقاذ هولندية على قدم وساق لتعويم الحاوية الجائحة والقيام بجرها لفتح حركة الملاحة مجددا. في هذه الأثناء وعلى ضوء المخاوف من أن تطول الفترة اللازمة لتعويم وجر الناقلة العالقة من عرض القناة بدأت بعض الشركات والدول بتحويل السفن التي تنقل بضائعها إلى رأس الرجاء الصالح رغم أن قطع طريقه يستغرق أسبوع إلى عشرة أيام إضافية مقارنة بقناة السويس، ما يعني زيادة في تكاليف النقل والتأمين بنسبة لا تقل عن 30 إلى 40 بالمائة.
وإلى جانب رأس الرجاء الصالح أفادت مصادر عديدة بتوجه عدد من الزبائن إلى نقل بضائعهم من شرق آسيا إلى أوروبا عبر روسيا باستخدام ميناء فلاديفوستوك والخطوط الحديدية الروسية. وهناك فرص لاستخدام بحر الشمال في النقل بشكل أكثر من ذي قبل مع ارتفاع درجات الحرارة خلال هذه الفترة واستخدام كاسحات جليدية تسهل مرور السفن وناقلات الحاويات.
على ضوء ذلك، فإن على مصر في المستقبل المنظور الأخذ بالحسبان أن تراجع أهمية القناة مسألة وقت، لأن النقل البري عبر بعض ممرات طريق الحرير الجديدة التي يتم العمل على إنجازها في السنوات القليلة القادمة سيكون أقل تكلفة منه عبر قناة السويس. ومما يعنيه ذلك أن هذه الممرات ستفقد قناة السويس الكثير من أهميتها كما حصل من قبل مع طريق رأس الرجاء الصالح الذي أفقدته القناة أهميته بشكل تدريجي بعد إنجازها وتشغيلها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
إبراهيم محمد