الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاتبين الأممية والوطنية تذوب القضية الكوردية : د. محمود عباس

بين الأممية والوطنية تذوب القضية الكوردية : د. محمود عباس

قال أحد قادة حركة تحرير الولايات المتحدة الأمريكية (1775-1783) من الاستعمار البريطاني، أنه من أهم واجباتنا ليس فقط طرد الجيش البريطاني، بل إقناع المجتمع الأمريكي بدولته القادمة، وتحرير الشعب فكريا من قناعة الانتماء إلى الملكية البريطانية.

ذاتها ما يجب أن نقف عليها اليوم في كوردستان، تحرير ليس فقط الشعب الكوردي بل العربي أولا؛ من ثقافة السيادة التي ترسخت في أذهانهم على مدى العقود الطويلة المظلمة من حكم الأنظمة الدكتاتورية.

وللأسف حراكنا الكوردي، وبشكل خاص أحزاب الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي على خلافه، يرسخون ثقافة التبعية وقبول سيادة الأخر وإقناع الشعب الكوردي بمنطق الدرجة الثانية، من خلال تطبيق مفهومي، الأمة الديمقراطية أو الوطن، اللتين ثبتا على مر العقود الماضية أنهما طوباويين، متناسين أهمية التحرر الفكري أولا، وأسبقية تحقيق المساواة مع المحتل، حتى ولو اقتنعنا جدلا بمنطقية المفهومين.

قيادات الطرفين، متأثرون ببعض قادة الشعوب الذين استخدموا المفهومين، أو لنقل جدلا النظريتين، لمصالحهما، إما لفرض نظامهم، أو لطغيان مكونهم القومي، أو المذهبي، بعكس قادة أحزابنا، المروجون لهما دون إدراك أبعادهما التاريخية وما خلفوه سابقا من الكوارث لشعبنا، وليتهما تمكنا من وضع الكورد على منصة المساواة مع الأخرين لإنجاح ما يعرضونه.

وللعلم، المجتمع الكوردي وحراكه، وعلى خلفية ما عاناه وعاشه، أبعد الناس عن منطق إلغاء الأخر، بل العدالة والتعامل بالمثل سمة مستدامة في ثقافته، ولهذا تقبل الإسلام وسيادة العربي على مدى قرون عديدة، وتقبل الشيوعية أكثر من الشعوب المجاورة، وفي الحالتين ولإيمانه النقي والمطلق بهما كان في مقدمة أكثر الشعوب تضررا منهما.

فرغم ما يقال أحيانا أن المفهومين، في البعد النظري، يحملان أبعاد جدلية إنسانية منطقية، لكنهما في الواقع العملي الكوردستاني أثبتا العكس.

ففي أحضان أحزاب الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي، وتحت غطائهما، في جنوب غرب كوردستان، يتم إعادة ترسيخ منطق سيادة الأخر، وتسخير شعبنا لأداء دور الخادم والتبعية، وما نلاحظه حتى الأن أن الكوردي هو الذي يقدم التضحيات، وهو الذي يحترق لتطبيقهما، وهو الذي يذوب كقضية وديمغرافية وواقع معيشي وإنساني، ومن المؤلم رؤية الكوردي الحزبي- السياسي وهو يستخدم شعبه حطباً لتدفئة الأخرين، ويقف بعدها على المنصات الإعلامية مفتخراً بأنه يقدم خدمات أممية ووطنية للمجتمع والوطن السوري.

متناسين أن القوى المتصارعة على الوطن السوري المزمع، هي منظمات عروبية، تقاتل بعضها من أجل السلطة، وليس لبناء الوطن الذي تحلم به شعوب سوريا، وكما يدعيه بعض الأطراف السياسية الكوردية بناء سوريا الوطن، متناسين أنه وفي الحالتين، أي كان المنتصر، السلطة أو المعارضة العربية، ستكون السيادة لشريحة المنتصر من المجتمع العربي، فالطرفين في جميع مؤتمراتهم وتصريحاتهم، يلغيان المجتمع الكوردي أو يضعونه في الدرجة الثانية، إن كان ضمن الدستور أو في التمثيل ضمن منظماتهم أو حتى في التعامل اليومي، أي بما معناه العودة إلى منطق الموالي أو الأقلية كما كان، وربما أقل تحت منطق تطبيق دستور الوطن والديمقراطية، المبان حتى الأن انعدام حقوق الشعب الكوردي ضمنه.

الرسالة المحمدية، في بعدها الإلهي، نهضت من أحضان الأمة العربية، حملوها إلى الشعوب، وبها سادوا على البشرية لغة وثقافة وفرضوا تقاليدهم على كل من بلغوه، وأصبحت الأمة العربية سيدة الأمة الإسلامية، ومن شبه الجزيرة العربية أصبحت اليوم تملك 22 دولة وعلى جغرافية مترامية الأطراف. والنظرية الشيوعية، ساد بها الشعب الروسي على جزء واسع من العالم لغة وثقافة وسياسة، بعدما طبقتها على الشعوب المجاورة وحاولت نشرها وتعميمها على الأمم والدول، وبغض النظر عن الانتقادات والخلافات حولهما، لكنهما خدما شعبيهما بلا حدود، وحافظا على منطق المساواة أو السيادة لهما.

أما نحن الكورد فحتى في المفاهيم الإسلامية والأممية والوطنية عملنا العكس، وما نقوم به الأن وفي البعدين، الأمة الديمقراطية والوطن، نسخر شعبنا وقوتنا وذاتنا الثقافية والسياسية لخدمة الأخرين، وليتنا تمكنا من تحرير الذات فكريا، وخلق المساواة بيننا وبين المكون العربي والأخرين، وخدمنا مجتمعنا الكوردستاني مثلما نخدمهم. لكن ما نراه في جنوب غرب كوردستان، أحزاب الإدارة الذاتية، سخر ويسخر المجتمع الكوردي للجميع، وأسلوبهم هذا كان من بين أحد أسباب الهجرة المرعبة لشعبنا، والأن نرى أن الأكثر معاناة في المنطقة الكوردية معيشيا ومن كل الأطراف هو المجتمع الكوردي، فالغمريون يملكون أرضنا، ويحصلون على رواتب الإدارة الذاتية، إلى جان غياب الأمان للبقية الباقية من شعبنا المعاني من الكوارث المتنوعة. فالذي يذوب هنا هو الكوردي، هو الأفقر والأكثر معاناة في المعيشة، والأول من حيث المحاسبة.

وفي الجهة الأخرى وتحت منطق الوطنية، يسخر أحزاب المجلس الوطني الكوردي الاسم الكوردي ليسيد الائتلاف كمنظمة وطنية، وبها يساهم بالتغطية على وجهها القومي العروبي، وبحضورهم يترسخ الاعتراف الدولي بهم كمنظمة تمثل كل مكونات المجتمع السوري، في الوقت الذي يتدمر ويذوب بمشاركتهم المباشرة أو غير المباشرة، شعبنا في عفرين وما بين سري كانيه وكري سبي، وأمام أعينهم أصبح شعبنا هناك إمة وموالي لأسياد المنظمات الوطنية العروبية، وسجناء لدى قادة الجيش الوطني السوري العربي. تحت غطاء الوطن والوطنية يذوب شعبنا، وترسم قضيتنا حسب رغبه الأسياد، مع ذلك يخلق قادة المجلس تبريراً وراء تبرير لإنقاذ الذات من المسؤولية، بل والأبشع أنهم يخدمون الائتلاف كما يتطلبه من الموالي الخدمة.

أننا نعيش الكارثة، ثقافيا وسياسيا، الطرفين الكورديين، وليس كلية الحراك السياسي، هما الملامان، قيادات تعيش الأوهام الفكرية، وتروج بين شعبنا نظريات طوباوية طمرها الزمن، ومفاهيم تجاوزها التاريخ. المساواة منطق إنساني تقبلته البشرية في جميع مراحلها التاريخية، وطالبت به كل المفكرين والحكماء والأنبياء، لكن لم يحطم أي منهم شعوبهم كما يحطمها هذين الطرفين الكورديين اليوم شعبنا في كوردستان.

ما تقوم به طرفي حراكنا الحزبي، والتي تألفت حولها شريحة واسعة من المجتمع الثقافي، دمار فكري، وكارثة من نوع غريب، سابقا كنا نعلم أننا تحت احتلال الأنظمة، لكننا اليوم ندفع بذاتنا إلى مستنقع الضياع، والعبودية المقنعة.

من أولويات الحركة الكوردستانية، ومن بينهم الطرفين المنوه إليهما، تحرير الذات والمجتمعين الكوردي والعربي، فكريا وثقافيا، قبل نشر مفاهيمهم الكارثية، فهو صراع أصعب من العسكري، شعبنا يعيش الاحتلال الفكري قبل الأمني-الجغرافي.

ولغياب حرية الفكر، جلنا لا زلنا مختلفون حتى اللحظة حول ما نريد، ومن أجل ماذا نكافح.

ومعظم مطالبنا، في جنوب غرب كوردستان، تحوم ما بين الضبابية والطوباوية، أو أننا ننسخ الماضي ونكرره تحت منطق الواقعية، وتضعف الثقة بالذات ونقتنع بعدم المساواة على خلفية ثقافة الرعب الذي عشناه.

لنسأل ذاتنا، كحراك كوردستاني سياسي وثقافي، ماذا نريد؟

نعم ماذا نريد؟

هل نريد نظام فيدرالي ضمن الدول المحتلة لكوردستان؟

أم دولة أممية كما يروج لها الإخوة في الإدارة الذاتية؟

أم نريد الاستقلال؟

هل نحن مقتنعون بالأخيرة، أم جلنا وتحت منطق، العقلانية في الطلب، أو النظرية الطوباوية، نرفضها عملا ونحلم بها في لا شعورنا؟

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

28/3/2021م

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular