في طريقها إلى محافظة ذي قار جنوبي العراق، تستذكر (أم عامر) رحلاتها السابقة لزيارة ولدها المعتقل منذ تسع سنوات، وهي تتحدث عن «فظاعات» تكمن في قاع السجون العراقية، بدءاً من الابتزاز والمعاملة السيئة، وصولاً إلى تعذيب المعتقلين للحصول على الأموال مقابل التخفيف عنهم، وغير ذلك.
تقول أم عامر (54عاً)، لـ (باسنيوز) إن «الزيارة التي تجريها إلى سجن الحوت في الناصرية دورية، بحسب المواعيد الممنوحة لها لزيارة ولدها، الذي اعتقل عام 2012، ضمن حملة اعتقالات بالتزامن مع انعقاد القمة العربية»، مشيرة إلى أن «الابتزاز الحاصل لا يمكن روايته عبر قصة صحفية أو كتاب كامل، فهناك مئات أو آلاف الروايات والقصص التي تعج بها تلك السجون، مثل تجارة المخدرات، وابتزاز النساء، وفرض الإتاوات المالية، وسلب الأموال، وتعذيب المعتقلين».
وتضيف «إنني لا أناقش في الحكم القضائي، لكن المسألة تتعلق بطلب القائمين على السجن الأموال من أجل تثبيت مواعيد الزيارة، وكذلك لإيصال رصيد الهواتف النقالة لبعض النساء، فضلاً عن معاملة عنيفة وغير مقبولة نتلقاها بشكل دوري، تحت دوافع مختلفة».
اغتصاب وانتهاك أعراض
ولا يعد ملف السجون العراقية، وما يحدث فيه جديداً، غير أن الأنباء القادمة من «قاع» تلك البيئات تؤكد تصاعد الانتهاكات لحقوق الإنسان، وتنوع الممارسات العنيفة، وصولاً إلى الاغتصاب وانتهاك الأعراض، وفق ما تحدث به شخصيات سياسية.
ومؤخراً تحدث رئيس مؤسسة الإصلاح والتغيير صباح الكناني، عن وجود «حالات جنسية واغتصاب ولواط وضرب بالسكاكين»، مبيناً أن «سجناء تبلغ أعمارهم ما بين 15 عاماً و20 عاماً يتم بيعهم بـ 8 آلاف دولار داخل السجون».
ويضيف الكناني، وهو أحد المهتمين بملف السجون، أنه «يتم بيع النساء داخل السجن بسعر 10 آلاف دولار»، لافتاً إلى أن «الإرهابيين يعيشيون كالسلاطين داخل السجون»، محملاً مديري السجون مسؤولية ذلك»، مشيراً إلى أن «هناك مسؤولين وراء ما باتت تعرف بـ (تجارة الحلوين) داخل السجون، من خلال تواطؤ بعض الضباط والمسؤولين مقابل بدل مادي، في عملية نقل شبّان صغار السن إلى مكان سجن هؤلاء للاعتداء عليهم جنسياً، حيث بات كبار السجناء، أشبه بالعصابات ويمتلكون الكثير من الأموال».
صمت حكومي «أشد من صمت المقابر»
وأثارت تلك الأنباء غضباً شعبياً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث طالب نشطاء وحقوقيون، بضرورة فتح هذا الملف الحساس، وإجراء تحقيقات عادلة لمعرفة ملابساته.
بدوره أكد النائب رعد الدهلكي، وصول عشرات الشكاوى لهم في الفترة الأخيرة من السجون «لكن الحكومة لا تحرك ساكناً»، مشيراً إلى أن «سجون العراق تشهد الكثير من الجرائم والانتهاكات وسط صمت حكومي وقضائي، وأسوأها هو تعرض ذوي النزلاء للابتزاز من أجل إجراء مقابلات مع أبنائهم، وهناك عمليات فساد كبيرة تقودها مافيات تابعة لأحزاب سياسية بهذا الملف».
وشدّد الدهلكي في تصريح صحفي، أن «بعض السجون تتكتم عن أعداد الوفيات الحقيقية وأسبابها، خصوصاً سجنَي التاجي ببغداد والحوت في الناصرية، وهناك حديث عن انتشار أوبئة وأمراض داخل السجون، كما أن ذوي المسجونين يدفعون الكثير من الأموال من أجل إدخال الطعام والملابس إلى السجن».
ويقول مختصون في مجال حقوق الإنسان، إن السجون في العراق، لا يقوم عليها أشخاص مؤهلون للتعامل الإنساني مع المعتقلين، وتم الزج بهم في ظروف غامضة وسريعة، بعيداً عن التأهيل والتدريب التي تهدف إلى إصلاح أوضاع السجناء، بعيداً عن تعزيز سلوكيات العنف لديهم.
دفعة «ميليشياويين» ضمن الكوادر
ومع وصول وزير العدل الأسبق حسن الشمري، في ولاية رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، عزز كوادر وزارة العدل بمئات من الأشخاص غير المؤهلين، وبعضهم تابع لمليشيات وفصائل مسلحة، ضمن خطة دمج هدفت إلى توضيب أوضاع الوزارة، وتجييرها لصالح جهات سياسية، لمنع أية محاولة للسيطرة عليها لاحقاً، من خلال زرع أفراد موالين يحققون مكاسب مالية.
من جهته، كشف المختص في مجال حقوق الإنسان وسام العبدالله أن «أوضاع السجون مزرية بشكل كبير، وشهدت خلال الفترة الماضية تطويراً وحيلاً جديدة للتهرب من القوانين أو للحصول على مكاسب كبيرة من خلال أولياء المعتقلين، سواءً بالحصول على الأموال أو أرصدة الهواتف، وصولاً إلى محاولات ابتزاز النساء، وغير ذلك من الممارسات اللاأخلاقية».
وأضاف في تصريح لـ (باسينوز) أن «على رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، فتح تحقيق عاجل في أوضاع السجون، ومعرفة الجهات التي تقف خلف هذا الاستهتار العلني في أرواح المواطنين وأعراضهم، ومحاسبتهم بشكل سريع وفاعل، وعدم الاعتماد على وزير العدل الذي يبدو أنه ضعيف بشكل كبير، ولم يستطع لغاية الآن تقديم شيء للوزارة أو فتح الملفات الحسّاسة».
وزير العدل ينفي
وفي ظل الأنباء المتواترة عن تعرض سجناء للتعذيب، خرج وزير العدل عن صمته بشأن ذلك، نافياً ما تحدث به نشطاء ومختصون في مجال حقوق الإنسان.
وقال الوزير سالار عبد الستار، إنه «لا وجود أي عمليات تعذيب للسجناء من قبل وزارة العدل، كون الأخيرة جهة تنفيذية وليست تحقيقية تعمل على انتزاع الاعتراف من السجين، إذ أن الأخير يصل إلينا بعد صدور الحكم النهائي بحقه، وما يقع على عاتقنا هو تنظيم الأوضاع للسجناء وضمان مراعاة وضعهم الصحي».
وبشأن تفشي المخدرات في بعض السجون، أكد عبد الستار في تصريح تلفزيوني، أن «هذه الظاهرة لا توجد داخل السجون العراقية كما أشيع في منصات التواصل الاجتماعي بهدف الابتزاز وإثارة الرأي العام».