الوخز بالإبر هي ممارسة طبية بديلة تنتمي إلى العلم الزائف، تستدعي تنشيط مناطق معينة من الجسد، عادة باستخدام إدخال الإبر عبر الجلد حتى عمق محدد، بهدف تخفيف الألم أو علاج مشاكل صحية معينة.
طوّرت هذه الطريقة بداية في الصين قبل عدة آلاف عام، وأشارت العديد من الدراسات الحديثة التي أجريت في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أن لهذه الممارسة بعض النتائج المعتدلة في معالجة الألم وحالات الغثيان.
على سبيل المثال، ادّعت واحدة من أكبر الأبحاث حتى يومنا هذا، عن الوخز بالإبر والأمراض المزمنة بعد تحليل نتائج 29 دراسة سابقة شارك بها أكثر من 18 ألف مريض ونشرت في «أرشيف الإنترنت الطبي» عام 2012، أنّ الوخز بالإبر يملك فعالية جيدة في علاج الآلام المزمنة.
وقد كتب الأطباء في هذه الدراسة: ”إن الفروقات بين وخز الإبر الحقيقي والمزيف تشير إلى أن هذا العلاج ليس علاجا زائفا“، لكنهم أضافوا: ”غير أن الفروقات من الصعب أن تلاحظ بوضوح.“
حالياً يقوم العديد من الباحثين بإجراء الأبحاث حول مدى فعالية الوخز بالإبر لعلاج الاكتئاب، والقلق، وعدد من أنواع السرطانات، إضافة إلى الأعراض الجانبية التي تظهر عند علاج السرطان، ذلك وفقاً للدكتورة (تيانغ باو)، وهي طبيبة أورام في مركز أمراض السرطان بمدينة نيويورك «ميموريال سلوان كيتيرينغ».
تقول (تياغ باو) أن معظم الأطباء، ممن لا يمارسون الطب التقليدي الصيني، غير مقتنعين بقدرة الوخز بالإبر على علاج أمراض محددة، مثل السكري وأمراض الكبد والكلية، كما يتم استخدامه في الصين. بدورها تركز الدكتورة (باو) على استخدام هذا العلاج كمتمم لمرضى سرطان الثدي. وتضيف في حديثها إلى موقع Live Science: ”حاليا يتم فعلا استخدامه في تخفيف الآثار الجانبية لأدوية علاج السرطان، لكنه لا يعالج السرطان بشكل مباشر. سيكون من المثير للاهتمام لو رأينا استخداما فعالا للوخز بالإبر في عملية تجنب الإصابة بالسرطان، لكني لا أعتقد أن الباحثين وصلوا لهذا القدر بعد.“
لماذا يدعي ممارسو الوخز بالإبر أنه فعّال حقاً؟
يعود أول تأريخ مكتوب عن الوخز بالإبر إلى عام 100 قبل الميلاد، حيث وصفت أول عملية منظمة للتشخيص والعلاج باستخدام الإبر في التاريخ المكتوب للصين. لكن، تبعا للدكتور (إيدزارد إيرنيست)، الطبيب الباحث في دراسة الطب البديل والمتمم، فإن تاريخ هذه الممارسة يسبق ذلك التاريخ بكثير.
غير أن آلية العلاج الحديثة باستخدام الإبر قد تغيرت بشكل كبير منذ أول ظهور لها في الصين. في كتابهما «الطب البيطري المتمم والبديل»، يصف (ديفيد دبليو رامي) و(بيرنارد إي رولين) عملية تطور الوخز بالإبر. عند حلول القرن الثامن عشر، اختلف الوخز بالإبر كثيرا عما بدا عليه في النصوص المكتوبة من الصين القديمة. أما عند بداية القرن العشرين، فقد تخلى الأطباء الصينيون في «الأكاديمية الإمبراطورية الطبية الصينية» عن دراسة الوخز بالإبر، وفقا للمؤلفَين.
يضيف (رولين) و(رامي) في كتابهما، أنه خلال الحملة المسماة «القفزة العظيمة للأمام» في فترة الخمسينات من القرن الماضي و«الثورة الثقافية» في الستينيات من نفس القرن، فقد بدأ القائد الشيوعي الصيني (ماو زيدونغ) بالترويج لاستخدام العلاجات التقليدية الصينية والوخز بالإبر باعتبارها ”حلولا فعالة للعناية الطبية للسكان في المجالات التي عجز فيها الأطباء“. لكن ليس هنالك من دليل على أن إعادة إحياء الممارسات القديمة أدى إلى تحسين صحة المواطنين الصينيين.
في الطب التقليدي الصيني، يعتقد أن الأمراض سببها اضطراب في تدفق الطاقة ضمن الجسم، أو ما يسمى «تشي»، وقد تم ربط الوخز بالإبر بهذا المفهوم. يشرح خبراء من «مركز الروحانيات والعلاج» في «جامعة مينيسوتا» أن التأبير نقاطا على الجلد أو تحته تسمى «نقاط التأبير»، مما يسمح بتحرير «التشي». يعبر بعدها «التشي» عبر شبكة قنوات للطاقة في الجسم تسمى «ميريديانس».
غير أن العلاجات المعتمدة على الوخز بالإبر، والتي تمارس في المستشفيات ومراكز العناية الصحية في الغرب لا تعتمد على نفس المفاهيم كما هو مذكور في نصوص الشرق القديم، كما تقول الدكتورة (باو). جرب العلماء الغربيون دراسة آليات العلاج بالإبر لسنوات عديدة، ووضعوا العديد من النظريات. تضيف (باو):
”إحدى النظريات تقول أن الوخز بالإبر يتم عبر طرق عصبية هرمونية. مبدئيا، عند غرز الإبرة في مناطق محددة من الجسد، فإنها تحفز العصب في تلك المنطقة. يرسل بعدها العصب إشارات إلى الدماغ، ليطلق الدماغ هرمونات عصبية مثل «الاندروفين». هذا التفاعل يؤدي إلى شعور المريض بالسعادة، ويزيد من عتبة الوجع مما يعني شعورا أقل بالألم.“
تؤكد (مايلي ستادي)، وهي أخصائية علاج بالإبر وممارِسة للطب التقليدي الصيني من مستشفى «بيومونت»، أن الأبحاث الحالية تظهر كون للوخز بالإبر آثار محتملة في عملية التفاعل البيولوجية-الكيميائية لجسم الإنسان من خلال الأعصاب. غير أن التأبير، بحد ذاته، لا يؤدي إلى مباشرة لإطلاق هرمونات تساعد على التخلص من الضغط، وشفاء الالتهابات وغيرها من الأمراض، لكنه يعمل على رفع سوية عمل الغدة النخامية التي تطلق هرمونات إضافية.
في نظرية أخرى حول هذا العلاج، تقول أنه يعمل على تخفيض محرضات الالتهاب في الجسم، أو البروتينات. تقترح بعض الدراسات التي أجريت على الناس والحيوانات أن التأبير يعمل على تقليل مستويات محرضات الالتهاب في الجسم بشكل كبير، ومنها «TNF» و «IL-1β»، مما يخفض الانتانات والألم. إحدى النقاط التي تغرز فيها الإبر تقع تحت الركبة، تعرف بـ «نقطة stomach-36»، وهي تستخدم، وفقا لـ (ستادي)، في مجال واسع من العلاجات، خصوصا معالجة الالتهابات في أي منطقة من الجسم، وتعمل على زيادة الطاقة وتقوية جهاز المناعة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل الالتهابات.
تذكر إحدى النظريات كيف يعمل الوخز بالأبر تحديدا في علاج ضرر الأعصاب، كاختلال أعصاب الأطراف الناتج عن العلاج الكيميائي للسرطان، وهي حالة تسبب الوهن والخدر للأقدام واليدين. تشرح الدكتورة (باو) النظرية فتقول: ”الفكرة من غرز الإبرة هو تحفيز الدماغ على إفراز عامل نمو الأعصاب، وبالتالي يساعد على إعادة تشكيل الأعصاب.“
يعمل الوخز أيضا بالتزامن مع علاجات الإخصاب. في دراسة حول هذا الموضوع، فقد وجد أن التأبير يعمل فعلاً على رفع فعالية العديد من الأدوية التي تؤخذ لزيادة الخصوبة، عبر زيادة مستويات الهرمونات التي تنتج في المبايض. كان هنالك العديد من الأبحاث عن نساء يعانون من «متلازمة تكيس المبيض PCOS»، مما يؤثر على قدرتهم الإنجابية. وفي ملخص عن مجموعة مقالات بين العامين 2006 و 2014 حول هذا الموضوع في موقع مدرسة «HealthCMI» وجدت أن الوخز بالإبر يساعد على إيجاد التوازن في مستويات الهرمونات، مثل تخفيض مستويات التيستوستيرون وتنظيم عملية الإباضة، مما يؤدي إلى زيادة احتمالية حدوث الحمل بنسبة 33%.
بحث آخر نشره (شون غراند) وآخرون عام 2017، عن علاجات الوخز بالإبر في حالات «اضطرابات ما بعد الصدمة PTSD». وجدت الدراسة أن ذلك العلاج يمكن أن يساعد في الاستشفاء من الآثار الجانبية لاضطراب ما بعد الصدمة، كالاكتئاب، خصوصا إذا تم العلاج مباشرة بعد التشخيص. لكن الباحثين يقترحون، على الرغم من النتائج الواعدة، أن البحث مازال حديثا، ويحتاج إلى الكثير من التأكيدات قبل أن يعتبر الوخز بالإبر علاج لـ«اضطرابات ما بعد الصدمة».
نشر علماء من ألمانيا وسويسرا ورقة بحثية عام 2017، درست آثار استخدام التأبير على مرضى الربو التحسسي. وجد الباحثون فيها، عبر تنظيمهم لتجربة كبيرة وعشوائية، أن إضافة روتين العلاج بالإبر إلى نمط حياة مرضى الربو التحسسي ساهم في تخفيض أعراض الربو بشكل كبير جدا خلال فترة التجربة الممتدة لثلاثة أشهر. غير أن النتائج يمكن أن تكون عرضة للانحياز من قبل الباحثين والمرضى لمعرفتهم ماهية الطريقة المتبعة خلال تلك التجربة.
أشكال مختلفة و بدائل مشابهة
يستخدم العديد من المعالجين أشكالا مختلفة لتحفيز نقاط الوخز بالإبر. إحدى هذه الأساليب يتضمن تحفيز النقاط عن طريق الكي، حيث يتم تسخين الإبر أو تدفئة الجلد بعد حرق خليط من أوراق الحبق المجفف ونباتات معطرة أخرى، ثم تطبيق العلاج. في شكل آخر، يتم تطبيق جهد كهربائي على الإبرة، وفي أحدث الطرق حاليا يتم استخدام إبر ليزرية عوضا عن التقليدية.
حاليا يتجه الناس، ممن يخافون من استخدام الإبر، إلى شكل آخر لهذا العلاج. تتضمن هذه الطريقة تحفيز نقاط الطاقة في الجسم عن طريق الضغط المباشر أو التدليك. الدراسات المقارنة بين الطريقتين قليلة، ولا شيء مؤكد عن مدى فعاليتها مقارنةً بالطريقة التقليدية.
محدوديات العلاج والمفاهيم الخاطئة
حالياً، يزداد تقبل العلاج بالإبر بين الأوساط الطبية، من أطباء و مؤسسات طبية، خصيصا لمعالجة الألم وحالات الغثيان. في تقرير من عام 2013، وجد أن الوخز بالإبر يقلل حدوث القيء والغثيان عند مرضى العلاج الكيميائي، وفقا لمركز دراسات السرطان في المملكة المتحدة. ومازالت الدراسات جارية عن تأثير هذه الممارسة في المساعدة مع الأعراض الأخرى الناتجة عن علاج السرطان، مثل الحمى الشديدة، واعتلال الأعصاب المحيطية، والوذمة الليفية، وهي حالة تؤدي إلى انتفاخ اليدين والقدمين.
تقوم منظمة الصحة العالمية WHO بمراجعة قائمة موسعة للأمراض والحالات، تحديدا تلك المتعلقة بالآلام، والتي يمكن أن تعالج بالوخز بالإبر. كما لا يمانع عدد متزايد من الأطباء من اتباع مرضاهم لهذه الطريقة حينما لايساعدهم العلاج التقليدي أو حين تتسبب الطرق الطبية التقليدية بالكثير من الآثار الجانبية الشديدة.
هناك اتجاه متزايد في الوسط البحثي لاستكشاف علاجات التأبير مثل الاكتئاب، واضطرابات النوم، وإدمان العقاقير. لكن يجب الانتباه إلى أن هذه الطريقة هي متممة للعلاج التقليدي وليست بديلا عنه، وغالبا تزداد فعاليتها حين تطبق بالتزامن مع نمط حياة صحي، وفقا للدكتورة (باو).
استخدمت (ستادي) هذه الطريقة أيضا للمساعدة في علاج القلق، ومشاكل القناة الهضمية، وفقدان الوزن، ومشاكل الخصوبة، إضافة إلى مجال تخصصها في علاج الآلام المزمنة. وتدعي (ستادي) ازدياد فعالية هذه الطريقة مع استخدام الأدوية والعلاجات الأخرى بالطرق الموصى بها.
تختم الدكتور (باو) حديثها فتقول: ”عادة، عندنا يمتلك الناس ثقافة صحية، فعليهم الانتباه إلى نظامهم الغذائي، عليهم أن يمارسوا الرياضة أكثر، وتزداد قناعتهم بفكرة أن الجسد السليم في العقل السليم لتخفيف الضغط، ويمكن لهم مع هذا النمط من الحياة أن يجربوا الوخز بالإبر. برأيي الشخصي، يجب أن تتكامل كل هذه الممارسات مع بعضها البعض، عوضا عن اعتبار الوخز بالإبر كعلاج لكل شيء. لا يمكن لهذا أن ينجح وحده في النهاية.“