قراءة في رواية ( مكان أسمه كميت ) للكاتب نجم والي
منصات النص الروائي , تسعى الى فضح اساليب الارهاب السياسي والفكري , وانعكاساتها السلبية في سايكولوجية الانسان , التي تهز حياته بالتخلخل في طعم مرارة الاحباط والانهزام , في شخصية الانسان بأن تكون مسحوقة بالقهر والاستلاب . هذه هي شريعة وناموس السلطة الحاكمة المتسلطة , في نهجها في الارهاب والقمع , في انتهاكات متوحشة , لكي تجعل الانسان يعيش في دوامة أزمة القلق والخوف , من اجل مصادرة الوعي السياسي , في انهزامي الانسان المثقف والواعي , لتحويله الى دمية مقهورة محطمة من الداخل . واذ كانت رواية ( الشرق المتوسط ) للكاتب ( عبدالرحمن منيف ) ابرزت معالم الشخصية المهزومة والمحطمة في شخصية السجين السياسي ( رجب أسماعيل ) الذي وقع على ورقة التعهد بالبراءة من السياسة , والتعاون مع السلطة الحاكمة , مقابل اطلاق سراحه من السجن . لكن ضميره الداخلي رفض هذه المقايضة اللانسانية , بعدم القناعة والاقتناع بفعل السقوط السياسي والانساني , لذلك رجع الى السلطة المتسلطة . ليعلن رفضه لهذا المقايضة . كذلك شخصية ( صالح ) المدرس والشاعر والمثقف . اختار الهروب في النهاية , كحالة في ايقاظ الضمير , كرد فعل أمام ماكنة الارهاب والقمع المتسلطة والظالمة . هذه هي تداعيات المتن السرد الروائي . التي كشفت صورة الخراب العراقي , ف اعقاب انهيار عقد الجبهة الوطنية بين حزبي ( البعث والشيوعي العراقي ) , الذي دشن في اعدام 31 مواطناً عراقياً شيوعياً, ليبدأ عهد المطاردة وشد الخناق من الطوق المحاصرة , لعناصر الحزب الشيوعي , واجبارهم على الاسقا السياسي , بتوقيع تعهد يلزم صاحبه بعدم ممارسة اي شكل من الاشكال النشا السياسي والحزبي ( ما عدا حزب البعث ) ومن يخالف مصيره الاعدام . هذا المناخ المرعب من الارهاب خيم على العراق في نهايات العقد السبعينات من القرن الماضي . الذي مارسته السلطة الحاكمة , بهدف الاذلال والمهانة للانسان العراقي , لخلق شعور عند الفرد بأنه منهزم ومسحوق , بقتل الاحلام والطموحات . أنسان محبط يشعر بداخله بأنه مطارد ومراقب من عيون جهاز الامن والعناصر البعثية . بأن لهم اليد الطويلة التي تصل بسهولة الى غايتها . وكذلك في التدخل الشرس في أبسط خصوصيات الانسان , حتى يكون داخل مطحنة البؤس والارهاب , هذه شريعة وناموس ايديولوجية البعث الحاكم في العراق . حتى انها تتدخل في شؤون العائلة بالتخريب الاجتماعي والاخلاقي . لذا فقد برع النص الروائي في تقنيات الحبكة الفنية , في التوغل في اعماق هذا الواقع المحبط والمهشم , في حثيثات المتن السردي . في فضح اخلاقيات عناصر النظام المسؤولة , التي مرغت ضميرها في الوحل الاسن . في ممارسة التهديد والابتزاز والاغتصاب , حتى داخل النظام وعناصره المسؤولة تمارس الشذوذ الاخلاقي . مثلاً حالة اغتصاب ( سامية ) شقيقة ( عصام ماهود ) مسؤول ناحية ( كميت ) من قبل مدير الامن الناحية . وكذلك حالة اغتصاب ( ماجدة عبدالحميد ) بهدف التهديد والابتزاز , من قبل مسؤول الناحية ( عصام ماهود ) بحجة اخفاء شقيقها ( رعد ) الشيوعي المختفي والمطارد من قبل السلطة الحاكمة . وان احداث النص الروائي ركز على سيرة حياة شخصيتها المحورية ( صالح ) الشاعر ومدرس التاريخ . فقد وقع على ورقة التعهد , بعدم ممارسة النشاط السياسي , وان التملص والتهرب من توقيع التعهد , يقوده الى مقصلة الاعدام . لذلك طلب بهدف الابتعاد عن عيون السلطة والامن في بغداد , ان يختار ناحية ( كميت ) احدى نواحي محافظة ( العمارة ) جنوب العراق , بعدما تهدمت الحياة الزوجية . فقد انتقلت زوجته الاعلامية الشيوعية , الى ضفة حزب البعث , يعني من طري الشعب الشيوعية , الى صوب الاعلام البعثي , ووجدت الدعم الكبير , وانخرط في الحياة الجديدة واهملت الرابطة الزوجية , فقد اصبحت مقدمة البرام التلفزيونية الرئيسية . فكانت تتغيب ليالي طويلة عن البيت , او تعود في الساعات المتأخرة من الليل , مما تصاعد الخلاف الى حد الانفصال وطلب الطلاق . وقال له زوجها ( صالح ) ساخراً من تصرفاتها الحمقاء . بقوله ( – تتركين الحزب الشيوعي مع العلم ان موقفكِ الاخلاقي يحتم عليك المقاومة
أجابته :
– أنت رجل حالم , وأني أمرأة واقعية ) ص124 . وهو بالضبط عكس موقف زوجة ( كاظم ) المثقف والملحن المعروف , التي عبرت عن استنكارها ورفضها الممارسات البعثية الارهابية , وجاهرت برأيها على الملاْ . مما سبب اعتقاله بذريعة أنها مجنونة , وضاعت اخبارها بالمصير المجهول . هذه جمهورية الخو الصدامية . يتابع السرد الروائي انتقال المدرس ( صالح ) الى ناحية ( كميت وقدم نفسه الى الطلبة من الجنسين ( أنا مدرسكم الجديد صالح ) . وكان مدي المدرسة يراقبه عن كثب , ويغمز له بالاشارات الدالة في التعبير ( – أستا صالح ملفك أمامي , وفيه مكتوب كل شيء عنك , كل صغيرة وكبيرة . لا أري أعادته أمام حضرتك , أنت تعرف ماضيك جيداً , ولكن أرجو الالتزام بما اقوله في هذه المدرسة . أنت تعرف ان الناحية صغيرة , كل شيء ينشر فيها بسرعة البرق . افهمني أرجوك لا احراجات , لا دروس في السياسة . التاريخ . لا تنس أنك وقعت تعهداً ) ص10 . لذلك يحاول ان يضغط على نفسه , في محاولة التكيف مع وضعه الجديد , بأن يشطب ويهجر السياسية ومتاعبها , كما كف وهجر كتابة الشعر وشطبه من حياته , حتى لا ينزلق الى التفاهات الرخيصة . ويتعرف على الطالبة ( ماجدة عبدالحميد ) الشابة الجميلة , ذات تسعة عشرة عاماً , تملك القوة في الارادة في شخصيتها القوية , وتعلقها بحب الادب العربي والروايات , ويعيرها رواية ديستويفسكي ( الليالي البيضاء ) , وبدأت تنمو العلاقة بين الطرفين , رغم مضايقات وتحرشات , مسؤول الناحية ( عصام ماهود ) لكنها تتجنبه ولم تعر اهمية له , وبعض الاحيان تقف بوجهه , مستنكر تصرفاته الطائشة . لذلك تستمر بعلاقتها مع ( صالح ) بحذر شديد . رغم انه شعر بأن الطوق يلتف حوله , يحيطه بخناق من قبل مسؤول الناحية ومسؤول الامن ومدير المدرسة , رغم محاولاته في اقناعهم بأنه تخلى عن ماضيه وهجر السياسة , وانه راضٍ بحياته الجديدة في قناعة روحية ( ارجو أن أكون عند حسن ظن الجميع ) ص40 . ولكن كلما ينحي لهم , يطالبونه بالمزيد من الانحناء , من اجل ان يتحول دمية ولعبة بين ايديهم , حتى انه يتحاشى الاختلاط والحديث بالسياسية , حتى انه دخل محل صالون الحلاقة , واثار انتباهه قطعة من الكارتون مكتوب عليها بخط رديء ( الحديث بالسياسة ممنوع ) , وتعرف على احوال معيشة ناحية ( كميت ) وعرف عن يقين من احاديث الناس , بأن مسؤول الناحية ( عصام ماهود ) قد استولى واستحوذ على املاك وعقارات وبساتين الناس بطرق خبيثة شتى , وبحجج ان اصحابها معادون للثورة والحزب . وحتى يرسل بعضهم الى السجن او الطرد الى المنفى , واسلوب تعامله الوحشي مع الناس , حتى تعترف به شقيقته ( سامية ) التي تدورالاحاديث الناس , يشيرون الى العلاقة المشبوهة والمريبة مع شقيقته مع مسؤول الامن , حتى اعترفت بأنها سلبت عذريتها بواسطة هذه العلاقات المشبوهة والمريبة , وكانت تكن العداء والجفاء لشقيقها ( عصام ماهود ) وتعترف بعلاقته بالغطرسة الخشنة في التعامل مع الناس , وحتى انتحارها , جاء بسبب هذه العلاقات المشبوهة والمريبة من قبل شقيقها. وقد استدعى ( صالح ) الى مكتبه بهدف اذلاله بأن يكون خروف مطيع في مشيئته , بالتلويح بماضيه الشيوعي الخطر ( قرأنا ملفك جيداً . نعرف كيف أنك غيرت ماضيك , ولم تعد لك علاقة مع الشيوعيين . قبحهم الله , نأمل أستمرارك على هذه الوضعية , لانه ما زالت عندهم ذيول في الناحية , سننتهي منها قريباً , لكن لايهم ان تستمر على وضعك , صحيح ان توقيعك التعهد جاء متاخراً , لا ضير الحزب صبره طويل ) ص38 . ويطلب من كتابة رسالة غرامية , حتى يبعثها الى ( ماجدة عبدالحميد ) التي ترفض العلاقة معه . وكذلك يطلب منه التردد على القحبة ( حسيبة القوادة ) التي تدير مبغى للدعارة , والتي رفضت ان بيع بيتها له , لذلك يريد ان يستولي على بيتها بطريقة شيطانية اخرى , في ايقاع ( صالح ) في فخ خطير بزيارتها مرتين او ثلاثة . لذلك ينصحه ( خليل ) بأنه واقع في ورطة كبيرة ومرشح للموت , عليه ان يرحل سريعاً من ناحية ( كميت ) , قبل فوات الاوان ( – ل تخف مني , راح اختفي عنك , مثل ما ألتقيتك , اطير بعيداً مثل الدخان ,مث الماضي احذرك ارجوك انت مرشح للموت , كميت مقبرة , خذ نصيحة مني ) ص49 . ويرجع الى بغداد بحجة متابعة مسألة الطلاق مع زوجته . ويتيقن له , بأن لي هناك سبيل في البقاء في ( كميت ) ويتفق مع ( ماجدة عبدالحميد ) بالهر سوية , لانها هي الاخرى واقعة تحت ثقل الابتزاز والتهديد والتخويف من قبل ( عصام ماهود ) , ويلوح لعائلتها بورقة شقيقها ( رعد ) الشيوعي المختفي وكذلك سجل ابيه السابق , بأنه كان سياسي , ونقل في وظيفته قبل ثلا سنوات الى ( كميت ) , لذلك اضطرت ( ماجدة ) على الموافقة الخطوبة مع (عصام ماهود ) , واخفاء عملية اغتصابها وفقدان عذريتها من قبله . لذلك تتفق م ( صالح ) بالهروب معاً وتخلص من هذا الحصار الخانق
جمعة عبدالله