بعد مخاض عسير إستغرق أكثر من ستة أشهر تلت انتخابات العراق في أيار/مايس الماضي، ولدت حكومة عادل عبد المهدي الذي رشحته مرجعية النجف الدينية الشيعية،
وقد كشفت عملية تشكيل الحكومة الناقصة من عدد من الوزراء، حقائق هامة وخطيرة في مقدمتها ما يلي: –
أولا. أن شغل المرجعية الشاغل هو الإبقاء على الحكم الشيعي في العراق حتى لو كلّف ذلك ضياع دولة العراق والمنطقة بأسرها.
ثانيا. أن المخطط الغربي الذي بدأته أمريكا في إستهداف العراق لم يكمل دورته التخريبية في منطقة الشرق الأوسط، وإن عودة عراق معافى وقوي أمر يتقاطع مع المشروع الغربي بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل في تفتيت الدول العربية وتدميرها وكسر إرادتها وتمزيق شعوبها.
ثالثا. أن الانتخابات في العراق ما هي إلا مهزلة أو ملهاة القصد منها إشغال الشعب وإلهاءه وتمزيق وحدته، حيث سادها التزوير وحرق صناديق الانتخابات والرشاوى الكبيرة، وأخيرا تشكيل حكومة من أشخاص لم يترشحوا للإنتخابات أصلا.
رابعا. أن دعوات الإصلاح والتغيير قد تم إستيعابها وتحويل لصالح الكتل السياسية الفاسدة كالعادة. وإن الفساد قد ترسّخ في العراق ويصعب إقتلاعه بالوسائل السلمية، إلا من خلال ثورة شعبية مسلحة شاملة، توقف هذا الإنحدار السريع للعراق والمنطقة إلى الهاوية التي بدأت ملامحها تتكشف يوما بعد أخر.
خامسا. أن الشعب العراقي وقواه الوطنية ما زالت عاجزة عن إجراء التغيير المنشود وإجتثات قوى الفساد، وفرض تطبيق القانون وإعادة هيبة الدولة وسيادتها.
وقد إستغرب البعض من ردّة الفعل الشعبية الأولى على تشكيلة حكومة عادل عبد المهدي البالغ من العمر 76 سنة، وهو عمر يفقد صاحبة القدرة على التركيز والتدقيق وإتخاذ القرار الصحيح والحزم في الإدارة، وعادة ما يواجه كبير السن المشاكل والمعوقات بالزعل والرفض والإنزواء، وهو ما عبّر عنه هو شخصيا بأنه قد كتب إستقالته وهي في جيبه.
ويمكن تشخيص 7 أسباب هي الأهم والتي أدت إلى هياج الشارع العراقي على كابينة عبد المهدي وثورة العراقيين في وسائل التواصل الاجتماعي منذ لحظة إعلان ولادتها إلى ما يلي: –
١. لأن رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي قد بدأ مشواره الحكومي بكذبة الترشيح الإلكتروني، واعطى أمل كاذب ل ٣٦ ألف عراقي عاطل، في بلد فيه ٧ مليون عاطل.
٢. إنه قدم تشكيلة محاصصة حزبية رغم إدعاءاته المستمرة بأنها لن تكون من مرشحي الأحزاب وخاصة سائرون.
٣. إنه ضمّ فيها فالح الفياض وأسماء سالم صادق أخت ريان الكلداني بناء على طلب الحشد الشعبي بقيادة أبو مهدي المهندس.
٤. ثم أن معظم أعضاء وزارته ممن شارفوا السبعين من العمر، وعلى النحو الأتي:
– ثامر الغضبان وزير النفط ٧٣ سنة.
– أياد السامرائي وزير التخطيط ٧٢ سنة.
– علاء العلوان وزير الصحة ٦٩ سنة.
– محمد علي الحكيم وزير الخارجية ٦٦ سنة.
بعض السير الذاتية لم تتضمن حتى تاريخ تولد المرشح، وهي سير مختصرة لا تغني ولا تسمن. ولم يتم التطرق على الإطلاق إلى جنسياتهم الأجنبية، مثل:
-
رئيس الوزراء عادل عبد المهدي جنسيته فرنسية.
-
وزير الخارجية محمد علي الحكيم جنسيته أمريكية.
-
وزير الصحة علاء عبد الصاحب العلوان جنسيته سويسرية.
٤. أن اتهامات طالت مرشح وزارة الرياضة والشباب في أنتماءه للإرهاب وعلى أنه ذبّاح القاعدة.
٥. إن وزير الإعمار والإسكان بنكين عبد الله الريكاني قد جاء في سيرته انه خريجي كليتي العلوم في جامعة الموصل، والقانون في جامعة بغداد وفِي ذات السنة ١٩٩٣، فهل يعقل هذا؟ ويبدو إن عادل عبد المهدي لم يقرأ السير الذاتية قبل تقديمها.
٦. أن تمرير الوزارة قد جرى بعد الاتفاق بين الكتل السياسية على تقاسم الغنائم الوزارية. وقد إنكشف فيها العلاقات العائلية الفاسدة، فوزير الصناعة والمعادن صالح عبد الله الجبوري هو شقيق محافظ صلاح الدين أحمد عبد الله الجبوري، ووزير الرياضة والشباب أحمد العبيدي هو إبن عم جمال الكربولي، وإن وزيرة التربية صبا الطائي هي قريبة خميس الخنجر أمين عام المشروع العربي، بالإضافة إلى مرشحة وزارة العدل المستبعدة أسماء سالم صادق وهي شقيقة ريان الكلداني أمين عام كتائب بابليون المنضوية في الحشد الشعبي.
٧. لم تمنح الثقة سوى ل ١٤ وزيرا واستبعد ٦ أخرون لوزارات سيادية مهمة مثل الدفاع والداخلية، فهي تشكيلة ناقصة. فهل سيتمكن عادل عبد المهدي من إكمال تشكيلة حكومته، لا سيما وإنه أصبح يدير وزارة الداخلية وكالة؟
والحقيقة، إن عادل عبد المهدي هو شخص مجرب سابقا، وسجله السياسي تعتريه الكثير من الشائبات، منها حادثة سرقة مصرف الزوية في بغداد، والتي إنبرى إعلام الشيعة يلمع صورته، وفي مقدمتهم أحمد ملا طلال من على برنامجه المعروف على قناة الشرقية بالحرف الواحد. والحقيقة أن هذه ليست الحادثة الأولى، فأتباع عادل عبد المهدي قد طالتهم المحاكم السويسرية في قضية فرض (غرامة مالية ثقيلة لموظفين بالبعثة العراقية بجنيف يهربان السجائر ويتاجران بها)، كما نشرها موقع سويس إنفو الرسمي في 23 أب/أغسطس 2016، وكان حينها محمد علي الحكيم سفيرا في جنيف والذي غدا اليوم وزير الخارجية في حكومة عبد المهدي. وكنت شاهد على تفاصيلها بحكم كوني نائب السفير، وطالما ناقشناها معا. وقد جرى تعيين السفير المسيحي وديع بتي سفيرا للعراق في جنيف يوم أمس 25/10/2018، وأعتقد إن ذلك على صلة ببعض القضايا الخطيرة وهذه واحدة منها.
وباختصار شديد إنها ليست كابينة التغيير والإصلاح التي ينشدها الشعب وإنما تكرار لمسرحية جديدة قديمة ساذجة، فقد عاد نفس الفاسدون الذين يتبجحون بالديمقراطية الزائفة من الشباك بعد أن أخرجهم الشعب من الباب. وكان عادل عبد المهدي والمرجعية الشيعية أكبر شباك لعودة الفاسدين وبقوة، وإننا مقبلون على أربع سنوات عجاف قادمة لا محالة، لن ينفع معها زرع أو ضرع أو كيل، كما وصفها الأستاذ الدكتور حسن الخزرجي، والذي كتب على صفحته في الفيسبوك مخاطباً الحكومة والكتل السياسية قائلا: ” ماذا أبقيتم من العراق لم تدمروه يامن نصبّوكم حكاما عليه، بعد أن حسبوكم على العراقيين وانتم لستم منهم، ولا تملكون ذرة واحدة من الطبائع الأصيلة والأخلاق العالية التي كان يمتلكها العراقيون النجباء؛ هل أبقيتم له الجيش، الاقتصاد، التربية، القانون، التعليم العالي، القضاء، الصحة، البيئة، الدين، الأخلاق، العلم، الإيمان، الأمل بالمستقبل، الأمان في الحاضر، الإعتزاز بالماضي … لم تدمروه بعد؟
فهذه كلها أخطاء في بداية مشواره، ولهذا كانت ردة فعل الناس قوية ضده، وانا شخصيا لا اعتقد انه يستطيع الاستمرار لأنه كبير في السن ٧٦ سنة وعاجز وقابلياته الذهنية أصبحت محدودة، ولهذا كبا كبوته الأولى منذ لحظة ولادة الحكومة، وحتى قبل منحها الثقة من البرلمان، وكانت الصدمة بالنسبة للشعب أشبه بصدمة رجل أبيض تلد زوجته طفلا أسود. وقد قيل عنها إنها ولدت مشوّهة لإنها خرجت من رحم عقيم، وإن عادل عبد المهدي قد كشف جوهر حكومته وسياستها للسنوات الأربع القادمة بشكل واضح. أما البرنامج السياسي الذي قرأه في جلسة البرلمان والذي بدأ أنه يقرأه للمرة الأولى، وإنه لم يعدّه بل أشيع أن كتلة سائرون قد كتبته له، كما بدا معظم وزرائه في عمره وهذا ما سيعكس فشلها الذريع لاحقاً.
د. رياض السندي
دكتوراه في القانون
كاليفورنيا في 26/10/2018