بتاريخ 27/04/2021، صدر التقرير الخاص بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي أشار إلى جرائم ضد الإنسانية، إرتكبتها دولة الإحتلال الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بجريمتي الفصل العنصري “الأبارتهايد” والإضطهاد، على الرغم من عرقلة الإدارية الأميركية السابقة، إدارة “دونالد ترامب” عمل المنظمة والتحقيقات التي كانت تجريها، من خلال إتهامها لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بمعاداة السامية.
رغم عدم توقيع دولة الإحتلال الإسرائيلية على إتفاقية الفصل العنصري “الأبارتهايد”، إلا أن هذه الإتفاقية تعتبر من القواعد الآمرة في القانون الدولي، ومن العرف الدولي، حيث إستندت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن فيما يتعلق بنظام جنوب أفريقيا، إذ قامت دولة الإحتلال الإسرائيلية بخرق المادة 2 من الإتفاقية إستنادا على الأدلة المقدمة في تقرير “هيومن رايتس ووتش”.
يحتل هذا التقرير أهمية كبيرة على المستوى الدولي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية بين المجتمع الدولي ودولة الإحتلال الإسرائيلية، حيث بموجب المادة (23) من الإعلان الخاص لتعزيز الأمن الدولي عام 1977 الذي يشجب سياسة الفصل العنصري ويؤكد على شرعية كفاح الشعوب المضطهدة، وذلك بالإشارة إليها من خلال النص التالي :” وتشجب بحزم سياسة الفصل العنصري الإجرامية التي تتبعها حكومة إفريقيا الجنوبية، وتؤكد من جديد شرعية كفاح الشعوب المضطهدة من أجل الاعتراف بحقوق الإنسان المملوكة لها وبحرياتها الأساسية ومن أجل تقرير مصيرها بنفسها“، والمادة (6) من إعلان تعميم وتدعيم الإنفراج الدولي 1977 الذي أشار إلى حظر دعم أي نظام يرتكب سياسة الفصل العنصري “الأبارتهايد” والتي تنص على التالي: “أن تضمن للشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية الممارسة الحرة لحقها في تقرير المصير وأن تشجع حكم الأغلبية، وخاصة حيثما يكون القهر العنصري، ولا سيما الفصل العنصري، وحرمان الشعوب من ممارسة حقوقها غير القابلة للتصرف“، ما يجعل الدول العربية التي طبعت مؤخرا مع دولة الإحتلال الإسرائيلية بحالة حرجة، كون المجتمع الدولي يحث على مقاطعة أي نظام عنصري، كما فعل في جنوب أفريقيا.
يمكن القول، أنه بعد هذا التقرير، وبموجب التوصيات التي قدمتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” سيتم إخضاع جميع الإتفاقيات الموقعة بين دولة الإحتلال الإسرائيلية والمجتمع الدولي إلى إعادة تدقيق، ومن الممكن أن تقوم هذه الدول بإضافة بنود خاصة في هذه الإتفاقيات تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني كي تضمن عدم ممارسة السلطات الإسرائيلية جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد” على الشعب الفلسطيني وعدم حرمانه من التمتع بمزايا هذه الإتفاقيات.
مما لا شك فيه، أن هذا التقرير ينعكس على العلاقات الدولية بين المجتمع الدولي ودولة الإحتلال الإسرائيلية، على الرغم من الدعم السياسي المطلق التي تنتهجه الولايات المتحدة الأميركية تجاه هذا النظام، وعدم إعترافها بنتائج التقرير، كما جاء على لسان المتحدثة الرسمية للبيت الأبيض “جين بساكي”، وتبرئة “إسرائيل” من جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد” وجريمة الإضطهاد، ما يرجح أن تستخدم الولايات المتحدة الأميركية حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن فيما يتعلق بطلب إرسال لجنة تحقيق دولية، للتحقق فيما ورد بالتقرير.
أما فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، فيفتح هذا التقرير أفق واسعة أمام المدعي العام في المحكمة، لفتح تحقيق ليس فقط في جرائم الحرب المرتكبة على الأراضي الفلسطينية عام 1967، بل في الجرائم ضد الإنسانية أيضا، كون نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يجرم بالمادة 7 (ح) الإضطهاد، وبالمادة 7(ي) الفصل العنصري، ويعتبرهما من الجرائم ضد الإنسانية.
وضع هذا التقرير المجتمع الدولي في خانة التقصير أمام الشعب الفلسطيني، خصوصا فيما يتعلق بتطبيق القرارات الصادرة عن المجتمع الدولي، لاسيما قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يمكنه التهرب من إرسال لجنة تحقيق دولية للتحقق لما ورد في التقرير بخصوص جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد”، لإعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وكون المجتمع الدولي يدعي حماية حقوق الإنسان، تأتي جريمة “الأبارتهايد” في مقدمة هذه الحقوق، ومن القواعد الآمرة في القانون الدولي التي لا يمكن السكوت عنها، وأيضا كي لا يظهر المجتمع الدولي بحالة إستنسابية بتطبيق القرارات والإجراءات المتخذة بحق نظام جنوب أفريقيا وبين النظام الإسرائيلي الذي لا يزال مفلتا من العقوبات، وضاربا بعرض الحائط جميع قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.