ابو شاكر أو ابو انس نسبة الى إبنه الاكبر انس , هو المعلم والفنان المسرحي والنصير مالك يوسف المحسن المولود في الناصرية عام 1949 وهو من أبناء المدينة المعروفين بكونه معلم شيوعي وممثل مسرح أجاد عدد من الادوار التي قام بأدائها في عدد من المسرحيات وخاصة خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي ومنها دوره الذي ظهر فيه على أنه الأغا والذي أداه بجدارة , علماً أن عدد لا يستهان به من الانصار يعرفون عنه كونه كان معلماً ولا يعرفون شيئاً عن علاقته بالفن وخصوصاً المسرح..كانت معرفتي به بسيطة كونه كان من الجيل الذي سبقني لكني كنت أحضر البروفات للمسرحيات التي سيقومون بعرضها لاحقاً على مسرح ثانوية الجمهورية فأراه هناك مع الممثلين والمخرج ومدير المسرح وغيرهم وبالاضافة الى ذلك فقد كان يسكن وعائلته قريباً من سكن بيت جدي لأمي فيمكن ان يتواجد قربهم في المحلة وكان هو وعدد من المعلمين والفنانين كثيراً ما يرتادون مقهى ابو أحمد المعروف بكونه مقهى الادباء والفنانين والكائن في شارع الجمهورية وسط مدينة الناصرية ..كنت اعرف أنه شيوعي لكني لم أعمل معه في نفس التنظيم وكان هو يعمل في نطاق المثقفين وعملت انا في خلايا ولجان خاصة بالطلبة ..وحينما تأسست جمعية رعاية الفنون والآداب في الناصرية في يوم 28 ديسمبر عام 1970 وكان المبادر لتأسيسها الفقيد رزاق خطار والتي ضمت في صفوفها نخبة متميزة من الادباء والفنانين وخاصة الشعراء وكتّاب القصة والموسيقيين والفنانين التشكيليين وغيرهم والتي كانت لها نشاطات متعددة وأمسيات شعرية وفنية بالاضافة الى التدريب على العروض المسرحية والتي كان الشيوعيون من أبرز وجوهها ومنهم النصير ابو شاكر الذي أختير كعضو في هيئتها الادارية ولما برزت الجمعية بنشاطاتها البارزة ورموزها قامت السلطة بغلقها اواخر عام 1972 أي أن عملها دام لسنتين فقط !!..عندما شن حزب البعث حملته الهمجية لتصفية تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي وتخريب الجبهة معه في اواخر عام 1978 وأوائل عام 1979 ..والتي أدت الى استشهاد عدد كبير من الشيوعيين وترك آخرين العمل الحزبي حينما استخدم البعثيين ضدهم شتى الوسائل والتي لا يخطر أغلبها على بال أحد والتي أجبرتهم على تقديم البراءة من الحزب الشيوعي وأختفى آخرين في ظروف غاية بالقساوة بينما إستطاع عدد آخر من السفر الى خارج العراق مشياً على أقدامهم الى البلدان المجاورة أو باستخدام جوازات سفر مزورة وتجمعوا في الكويت وسوريا ولبنان واليمن وغيرها ..وشاءت الصدفة حينما كان كل واحد منّا يبحث عن رفاق مدينته الناجين من المذبحة , أن عرفت بأن الفنان والمعلم ابو أنس موجود في لبنان التي وصلت انا اليها في حزيران عام 1979 ثم وصلتها بعد ذلك أخواتي كوثر والشهيدة موناليزا..فرحت كثيراً ورتبنا لقاء يجمعني به وبعدد من الاصدقاء ومنهم الفقيد ابو يوسف الذي توفى العام الماضي في كوبنهاكن..وآخرين استطاعوا الافلات من التصفية الجسدية او التسقيط وانتزاع البراءات..كانت ليلة جميلة تذوقت فيها ولأول مرة طعم العرق اللبناني الذي كانوا يسمونه البطحة وكان طيب المذاق لكنه سبب لي هيجان العواطف الحزينة على النكبة واستشهاد الرفاق وفقدان مصير آخرين فبكيت على أهلي وناسي وخاصة حينما استرجعنا اسماء شباب مدينتنا ونشاط أبنائها الاصلاء..وبعد بضعة شهور غادرت لبنان متوجهاً الى سوريا ومنها الى تركيا ودخلت كردستان العراق ..فضاعت عليّ أخبار النصير ابو شاكر وفكرت بأن بنيته سوف تمنعه من الالتحاق بنا خاصة وأنه كان ضخم البنية يتمتع بسمنة زائدة وهذا حسب اعتقادي عائق في سرعة الحركة والنشاط في قوات الانصار ..ويا للمصادفة المفرحة مجدداً حينما عدت قادماً لمقر بهدينان من جولتي في إحدى المفارز عام 1981 لأجده ببدلة البيشمرگة يتمشى مع رفاق آخرين قرب الخابور ..صحت بصوت عالي ..هذا منو !! أبو أنس الحبيب ..التفت الي فركضت صوبه وتعانقنا بود وحرارة وعرفت انه ترك زوجته وطفليه أنس وخولة في اليمن الديمقراطية بعد أن لبى بوعي وقناعة نداء الحزب الشيوعي للالتحاق بقوات الانصار ..جلسنا لأكثر من ساعة نتحدث عن همومنا وعملنا وسألني عن طبيعة عمل المفارز القتالية ..وقد لاحظت ان وزنه قد خف كثيراً فوضحت له كل ما يتعلق بهذا العمل وأكد لي أنه لا يريد البقاء في المقرات..ثم هيأ نفسه للنزول معنا وصار من ضمن قوام سريتي وحينما تم تنسيبي لقيادة رفاق بمستوى لجنة قاعدية صار النصير ابو شاكر مع هؤلاء الرفاق فعملت على تكوين مكتب مصغر ضمني أنا وإياه وكانت له خبرة جيدة بالتنظيم بالاضافة الى ثقافته ووعيه السياسي بحيث أنه أفادني وأفاد اللجنة الحزبية كثيراً وكان يعمل بجد واخلاص ويغني الاجتماع بآراءه واقتراحاته التي كنت معه نتداولها قبيل الاجتماع على اعتبارنا اعضاء مكتب اللجنة وكان هو من يقوم بكتابة المحضر باسلوب جيد من ناحية بلورة افكار الرفاق وترتيب الصياغات البلاغية والاختصار والدقة في نقل طروحاتهم وبصدق ..
في تشرين اول عام 1982 تم نقلي الى سوران وانقطعت عني أخباره لكني كنت اعلم انه لا زال في مفارز الداخل وبعد عودتي مجدداً الى بهدينان بعد مرور سنة اي في تشرين اول عام 1983 , وجدته في المقر وتقابلنا لكني لاحظت برود ترحيبه بي !! وأفصح عن سر كان يخبئه ! وقال فوراً ..لقد تم تقديمي الى لجنة قضاء..! فرحت لذلك حيث أنه يستحق التقديم لأسباب كثيرة فقلت له ..الف مبروك ..وأضفت لقد أفرحني هذا ..لكنه عبس بوجهي قائلاً ..أنت كنت سبب عدم تقديمي أو تأخير ذلك ..! فاجئتني هذه التهمة الباطلة وحزنت كثيراً ووضحت له صدقاً بالقول ..لو تم طرح إسمك مع اسماء مجموعة من الرفاق لغرض تقديمهم لوافقت على تقديمك فوراً وبدون تفكير ..وحلفت له بأنني الآن فرحان لك فلا تنغص فرحتي مضيفاً ..إن ما وصل اليك او ما تعتقده خاطيء ..ولا زالت هذه المسألة تؤلمني إلاّ إذا كان قد اقتنع بصدق كلامي وأنني كنت أقف دوماً الى جانبه وجانب الرفاق الجيدين .. ومنذ ذلك الحين وبعده بعدة أيام فارقته ولم التقي به مجدداً وبعد سنين عدة وصلت فيها للدنمارك , وفي أحد الايام التقيت بالصديق وليد ماضي الذي فاجئني بالقول ..البارحة كان عندي أبو أنس ثم جاء عليه إبنه أنس واصطحبه معه وسافرا !! قلت له بالحال ..كيف وصل! ولماذا لم تخبرني عنه ..! وواصلت العتاب ..الم تعرف أنه من أعز الرفاق والاصدقاء على قلبي ..! قال ببرود ..أعرف ذلك وأضاف ..أنه أخبرني ورجاني ان لا يريد أن يلتقي بأحد !! حزنت كثيراً لضياع فرصة نادرة بأن نستعيد ذكرياتنا في كردستان والناصرية ..! علمت بعدها أنه توجه لجمع شمله مع زوجته في النرويج وبقيت صلتي للأسف مقطوعة معه وبدون أسباب ولا أدري هل أنه صدق ما قلته له عن عدم وقوفي ضد تقديمه حزبياً أم بقي يشك في ذلك ! وعرفت أن النصير الشهم ابو أنس عمل في منظمة النرويج ..وبعد سقوط النظام وفي خريف عام 2009 وبينما كنت اتصفح جريدة طريق الشعب في بيت أخي ببغداد صعقت بنعيه على صفحات الجريدة ..وحزنت كثيراً جداً على فقدانه ولا زلت كذلك .. وكم تألمت لأنني لم التقي به بعد السقوط بحيث نستطيع ان نسترجع أهم الذكريات التي عشناها سوية وخاصة في قوات الانصار وأن نتحدث عن المسرح في المدينة وأبرز رموزه من ممثلين ومخرجين..كان الفقيد ابو شاكر إنسان شيوعي حقيقي طيب المعشر وصاحب قلب كبير وكان خفيف الظل يحفظ الكثير من النكات والمواقف المضحكة ويبهج بها السامعين وخاصة المقربين منه من الرفاق , كان يمشي في المفارز برشاقة عالية على الرغم من كونه من المدخنين الشرهين لكنه كان في مفرزة دشت الموصل يسير أحياناً في اليوم الواحد أكثر من عشر ساعات متواصلة وتراه مبتسماً ولا يهمه التعب وهو يشعر بفخر واعتزاز لما يقوم به من واجب وطني وحينما استشهد النصيرين حكمت وعايد في قرية سينا وشيخ خدر الايزيديتين كتب قصيدة جميلة أراني إياها وكانت بعنوان /..حكمت الذي صلّى بقرية سينا.. / بسبب أن الشهيد حكمت قد وضع سلاح الار بي جي 7 على متنه وثنى ركبتيه موجهاً سلاحه للمرتزقة وأطلق عليهم قذيفة واحدة وردوا عليه بصلية اخترقت جزءاً من بطنه وغطاء مسدسه الشخصي ثم فارق الحياة بعد ساعات مع رفيقه عايد الذي حاول سحبه لمنطقة أمينة مع الشهيد البطل ابو رستم لكنهم وقعوا بكمين معادي تم فيه اطلاق النار عليهم فإستشهد النصير عايد مع رفيقه حكمت في فجر ذلك اليوم ….للأسف لا أعلم أين ذهبت هذه القصيدة الانسانية الجميلة التي كتبت بحق الشهيد الغالي حكمت ..كان الفقيد النصير ابو شاكر شخص محبوب ومحترم من كافة رفاقه وأشعر بأن فقدانه المبكر اي في سن الستين هو خسارة لعائلته ورفاقه وأصدقاءه ولي على وجه الخصوص وسوف نبقى نتذكره ما زلنا أحياء ونتذكر صفاته الانسانية الراقية ..
ملاحظة ..ولأن الشيء بالشيء يذكر مثلما يقال فأن اليوم هو مرور 39 عام على استشهاد الشاب الكردي الايزيدي الطيب نبيل في قرية دوغات من قبل الجحوش الخونة في 30 نيسان عام 1982.