شكل إعلان مقربين من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عدم نيته الترشح في الانتخابات المبكرة المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مفاجأة من العيار الثقيل، بعد قرار تياري “المرحلة” و”الازدهار” المقربين منه الانسحاب من الصراع الانتخابي بشكل رسمي، بينما يرى محللون أن هذا الإعلان مجرد مناورة سياسية لا أكثر.
عدم المشاركة لم يقتصر على الكاظمي فحسب، بل امتد إلى أعضاء فريقه والمقربين منه تحت أي اسم أو عنوان أو حزب، فضلا عن عدم دعمهم أي حزب أو طرف أو جهة سياسية على حساب الأحزاب الأخرى، وبدأ ذلك جليّا بعد الإعلان عن عدم دخول تياري “المرحلة” و”الازدهار” المشكلين من قبل مستشاري الكاظمي في الانتخابات المقبلة، وتبرير هذا القرار بأنهم نذروا أنفسهم لخدمة الشعب في مرحلة انتقالية صعبة، وحماية البلد مما وصفوها بالمغامرات السياسية والأمنية، وصولا إلى انتخابات نزيهة مبكرة تكون فيها الحكومة راعيةً لمصالح الجميع، وليست منافسا سياسيا.
ومع وصوله لرئاسة الوزراء، لم يُشكل الكاظمي حزبا سياسيا ولم يعلن أنه سيشارك في الانتخابات، وكذلك الحال بالنسبة للحزبين المشكلين من مستشاريه، لم تكن في نيتهما المشاركة مطلقا، وإنّما دورهما جاء من أجل تحريك الجوّ الراكد ومساعدة الأحرار من الوطنيين سواء من التيّارات السياسية أو الأفراد، كما يقول القيادي في تيار “المرحلة” المقرّب من الكاظمي عبد الرحمن الجبوري.
الكاظمي وفريقه سيعملان مع التيارات الوطنية ودعمهما من أجل إجراء التغيير في البلاد والتوجه إلى القيادات المجتمعية لخلق قواعد مؤمنة بالدولة وبالتغيير وبالعملية الديمقراطية وضد السلاح المنفلت، كما يقول الجبوري.
وعن خططهم لمرحلة ما بعد الانتخابات، يقول الجبوري للجزيرة نت إنهم سيدعمون الائتلافات الوطنية صاحبة الصوت الوطني، وسيعملون على إعادة تنظيمها وبناء الجبهات الجديدة للتغيير.
3 تفسيرات
وبالانتقال إلى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور إياد العنبر الذي يبدو مخالفا تماما لما ذهب إليه الجبوري بوصفه خطوة الكاظمي أشبه ما تكون بـ”مراوغة سياسية”، يطمح من ورائها لكسب الولاية الثانية بمغازلة الكتل التي جاءت به إلى منصب رئاسة الوزراء، باشتراطها عليه ألا يترشح في الانتخابات المقبلة.
أما التفسير الثاني فهو أن يكون القرار نابعا فعلا من التزام الكاظمي بتنفيذه تعهده لساحات التظاهر بعدم المشاركة، لكن التفسير الثالث الذي سيكون في رهان الأيّام وإيجابيا أكثر للكاظمي، هو وجود رغبات لتأجيل الانتخابات وغيرها، ويريد أن يكون الانسحاب مبكرا مستفيدا من هذه الخطوة.
وعن أبرز التوقعات في حال شارك الكاظمي في الانتخابات وما خططه، يُؤكد العنبر للجزيرة نت أن المعادلة التي تحكم الانتخابات في العراق هي أن السلطة تلدُ السلطة، والكاظمي لا يمتلك أيّ رمزية سياسية ولا أيّ تأريخ سياسي سوى منصبه الحالي.
ويُمكن أن تكون هذه الصفة للكاظمي بوابة للاستثمار في الانتخابات المقبلة، كما حصل مع من سبقوه من المالكي والعبادي والجعفري وحتى إياد علاوي، وهذا ما يجعل وجوده في السلطة فرصة حقيقية لاكتساب الكثير من الأصوات، إلا أن الإشكالية التي ستقف في طريقه ستكون في التنافس بوجود الكثير من القوى التقليدية التي تتمتع بخبرة وقدرة في إدارة الانتخابات.
ويتابع عنبر بأن الكاظمي قد يعتمد على وجوده في السلطة لا أقل ولا أكثر، لأنه لا يمتلك أي مُنجز حقيقي في الشارع قادر على أن يقنع الناس أنّه يملك برنامجا وخبرة على إدارة الدولة.
تناقض وتقلّب
امّا كريم عليوي النائب عن تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، فبدا أكثر قسوةً على الكاظمي من العنبر، إذ يرى أنّه مُتقلّب ومتناقض بين حديثه للإعلام وبين الواقع، حيثُ يقول تارة إنه لن يشارك في الانتخابات، وتارة أخرى يجري اتصالات مع كتل سياسية كبيرة يرغب بالنزول معها في الانتخابات.
ويرى عليوي -في حديثه للجزيرة نت- أن الكاظمي يسعى وبكل جدية للمشاركة في الانتخابات المقبلة من خلال مرشحين بالتوافق مع كتل سياسية أخرى، ويذهب إلى ما أبعد من ذلك بالإشارة إلى وجود نقاط خلل في الكاظمي تجعله عاجزا عن إدارة الدولة في هذه الأوقات العصيبة، أبرزها عدم الكفاءة وفقدانه الخبرة السياسية والمقومات الأخرى.
ويؤشّر النائب عن تحالف الفتح إلى ما وصفها بالصدف والسياقات السياسية التي جاءت بالكاظمي إلى هذا المنصب، رغم أنه لا يمتلك المعايير المطلوبة له مثل المهنية والعلاقات القوية والرصينة والواسعة مع الأطراف النافذة في البلاد والانفتاح على الدول الإسلامية والعربية، معتبرا أن غياب هذه العناصر تجعل حظوظ الكاظمي للبقاء في منصبه ضئيلة جدا.
لعبة الانتخابات
بدوره، يعلق الباحث السياسي إحسان الشمري في رده على سؤالٍ للجزيرة نت عما إذا كان انسحاب الكاظمي مرتبطا بتحشيد التيار الصدري لضمان منصب رئيس الوزراء، قائلا إن هذا التيار يدرك جيدا أنه لن يستطيع الحصول على عدد الأصوات المطلوبة في البرلمان للوصول إلى رئاسة الوزراء، بالإضافة أن القوى السياسية الشيعية الأخرى لن تسمح له بالانفراد بهذا المنصب.
ويرى الشمري أن التيار الصدري مؤمن بأنّ المرحلة القادمة ستكون لرئيس وزراء مستقلّ، لذلك يحاول قدر المستطاع أن يساهم بنسبة كبيرة في اختيار الشخصية، أي أنه لا يعطي الضوء الأخضر مثلما حدث مع رؤوساء الوزراء السابقين، لكن سيكون مسؤولا عن طرح رئيس الوزراء القادم، وبالتالي أشار التيار الصدري إلى أنه لا يوجد مانع من عملية تجديد الولاية لمصطفى الكاظمي.
وردا على سؤال بشأن عدم ترشح الكاظمي رغم أنه مقبول إقليميا، يُجيب الشمري بأن قرار الكاظمي يسير بالاتجاه الصحيح، ويُثبت أنه ملتزم بتعهداته ولن يعمل على تأسيس كيان سياسي ولن ينخرط في جدل السياسة، ويريد أن يثبت للقوى السياسية أنه تعهد بالتزاماته أمام الشعب، وهذه جميعها قد تكون ما دفع إلى موضوع عدم الترشح.
بالإضافة الى أن الكاظمي ربما قرأ الساحة جيدا، وأن بعض القوى القريبة منه لا تستطيع أن تحصد أصواتا كافية، وبالتالي أن يظهر مستقلا شيء جيد بعيدا عن لعبة الانتخابات، وهذه فيها مكاسب كبيرة له، بحسب الشمري.