يتمنى البعض وهو يتابع اللعبة السياسية تحت قبّة ما يسمّى ببرلمان الشعب، أن لا يعود العراق بحكومته الجديدة الى المربّع الأوّل، وكأنّ العراق قد غادر هذا المربّع وسيعود إليه لظروف سياسية جديدة!! ولا ندري هل يعي هذا البعض خطورة التشكيلة الوزارية اليوم عن اللواتي سبقتها؟ وهل يعي خطورة القوى السياسية والتي هي بالأحرى ميليشياويّة وموقعها في البرلمان الحالي والدور الذي ستلعبه في شدّ العملية السياسية الى صخرة المحاصصة التي لازالت مكانها في المربع الأول، لتعبث كما عبثت منذ الساعة الأولى للإحتلال بمستقبل شعبنا ووطننا من خلال تنفيذ أجندة بعيدة عن مصالحهما؟
لقد دخلت بعض القوى الإنتخابات وهي تراهن على تغيير نهج المحاصصة الطائفية القومية من خلال تبني قائمتها برنامج حكومي طموح، يمنح رئيس الوزراء المنتخب صلاحيات واسعة لتشكيل حكومة تكنوقراط ويطلق يديه في إستيزار من يتوسم فيهم الكفاءة دون الرجوع الى الكتل السياسية التي تشكل البرلمان الحالي. لكن ومن خلال ما أسفرت عنه التشكيلة الأولية للوزارة وتأجيل البت في عدد من الوزارات منها الدفاع والداخلية، فأن الامور لا تشير مطلقا الى إمكانية رئيس الوزراء المنتخب في تشكيل حكومة قويّة قادرة على تنفيذ برنامجها السياسي، علاوة على عدم إمكانيته من تجاوز إملاءات القوائم الممثلة بالبرلمان ودورهم في التصويت على من سيرشّحه رئيس الوزراء من وزراء. بل تشير ومن خلال إستمرار توزيع الرئاسات الثلاث على الطريقة (البريميرية)، من أنّ حلم الخروج من نهج المحاصصة قد تبخر من جديد رغم وجوده كبخار على الدوام، ليس من خلال تشكيل الحكومة فقط بل من خلال لعبة فرز الأصوات وحرق صناديق الإقتراعوالعودة للفرز اليدوي والبت بنتائج الإنتخابات بعد أسابيع طويلة من إجرائها لتوزيع الحصص في البرلمان، تلك التي سبقت تشكيل الحكومة. وهذا يعني وكما يقول المثل العراقي من أنّ سمكة العملية السياسية ( خايسه من راسها).
إنّ الوزارة الجديدة وبغضّ النظر عن برنامجها الإنتخابي، لن تكون أفضل من سابقاتها. وفشلها في تحقيق الإستقرار والأمن وإعادة الحياة لعجلة الإقتصاد وصياغة مفهوم جديد لدولة المواطنة، مسألة وقت ليس الا. وإن كانت الحكومات السابقة فشلت في تحقيق ما يصبو إليه شعبنا من آمال وتطلعات بحياة كريمة، فإن تحقيق هذه الآمال والتطلعات ستكون أصعب بكثير خلال السنوات الأربع القادمة، كون رجال العصابات والميليشيات سيكونون ضمن تشكيلاتها كونهم ممثلون في البرلمان.
إنّ تطبيق البرنامج الحكومي ونجاحه لا يعتمد على التوقعات والتمنيات، بل على نظرة شاملة وكاملة للنهج السياسي للسلطة، ومدى جدية الأطراف المهيمنة على المشهد السياسي وخلفها ميليشياتها ومافياتها لتجاوز الحالة المستديمة لنهج المحاصصة. لذا فأن عقد الآمال على الخروج الجزئي من نهج المحاصصة من خلال التشكيلة الوزارية الجديدة ليست سوى أضغاث أحلام. إنّ السيد رئيس الوزراء ومن خلفه القوى التي تحلم بالتغيير من خلال الحكومة القادمة والدور التشريعي للبرلمان، سيكونون أمام إختبار حقيقي خلال المئة يوم الأولى. ومن خلال نظرة أولية على الشد والجذب وتوزيع الحصص في التشكيلة الوزارية، نستطيع الإعلان وبشكل مريح عن فشل مشروع الإصلاح المنشود.
هل رئيس الوزراء الجديد قادر على معالجة ملفّات الأمن والفساد وحصر السلاح بيد الدولة، بإعتبارها مدخلا لحل مشاكل البلد المتراكمة؟ هل السيد رئيس الوزراء يعي أنّ التعليم وجودته والثقافة بمختلف حقولها هما من يفتحان الأبواب أمام تطور مجتمعنا، وهل سيكون قادرا على لجم القوى الدينية كي لا تكون الوزارتان من حصتهما وليعم الخراب بلدنا أكثر من ذي قبل؟ هناك عشرات الملفّاتالساخنة التي تحتاج الى حلول سريعة، أو الى إنتهاج آلية للبدء بها، لكن ومن خلال التشكيلة الوزارية غير المكتملة سيكون رهاننا على نجاح السيد عبد المهدي هو كرهاننا على حصان خاسر.
إن كان البعض يتوقع من إننا خرجنا جزئيا من نهج المحاصصة، فالغد كفيل في أن يريه ويرينا عودتنا إلى نفس النهج من بابه الواسع من جديد، هذا إن كنا قد خرجنا منه فعلا.
زكي رضا