الانتخابات التشريعية الأخيرة جرت في 12/5/2018 وقد مر عليها حتى كتابة الموضوع ثلاثة اشهر ومازال الماراثون مستمر حتى مجيء الفرج، وعلى ما يبدو أن الفرج عند الذين يتحكمون بمصير العراق وبمصير المواطنين الذين دمرتهم المحاصصة الطائفية والنفوذ والإرهاب والاستحواذ والفساد.
كلما يمر في خاطرنا تشكيل الحكومات في العالم بعد الانتخابات نشعر بغصة توجع قلوبنا ونتذكر الوضع في العراق وعذابات تشكيل الحكومة بعد أي انتخابات، ففي الانتخابات التي جرت وتجري في العالم لا يتعدى تشكيل الحكومة أصابع اليد وهذا يجعلك أمام حقيقة تفقأ عيون الخداع والضحك على الذقون، إن المسؤولين في تلك البلدان من أحزاب وتنظيمات وأشخاص يشعرون بمسؤولية وطنية للتخلص من الفراغ السياسي أو فراغ السلطة الذي تكمن خطورته في تعطيل الحياة السياسية ونشاطات السلطة التنفيذية،وبالمعنى الصريح يعني فراغ السلطة أي لا تمتلك ” الحكومة سلطة مركزية محددة. عند حدوث فراغ في السلطة، مثل أي فراغ مادي، تميل القوى الأخرى إلى الإسراع لملأ الفراغ بمجرد حدوثه، وربما يأخذ ذلك شكل ميليشيا مسلحة، أو جماعات مسلحة، أو انقلاب عسكري” أو أي خرق دستوري بهدف إصدار قرارات واتخاذ إجراءات تخدم مصالح القوى السياسية المهيمنة وبدون مراقبة من قبل السلطتين التشريعية والقضائية ،ولهذا تتسارع الدول التي تخوض الانتخابات التشريعية في سد فراغ السلطة والانتقال للحياة السياسية الطبيعية وفق الدستور لانتخابات الرئاسة ( إذا لم تكن ملكية ) وإنجاز مهمات تشكيل الحكومة والإجراءات الأخرى.
بعد هذا المخاض الطويل نسبياً أعلنت المفوضية العليا للانتخابات يوم الخميس في 9/8/2018 النتائج النهائية للعد والفرز اليدوي للانتخابات التي جرت في 12/5/2018 وظهر حسب إعلان المفوضية ” تطابق نتائج العد والفرز اليدوي”، ومثلما أشارت المفوضية من خلال النتائج أن تحالف سائرون بقى الأول مستحوذا على أكثر من أربع وخمسين مقعداً، وفي هذا الصدد قال جبر حمزة المتحدث باسم المفوضية العليا للانتخابات وقد نشر في أكثر من وسيلة إعلامية أن النتائج مطابقة لمعظم ” المحطات المطعونة بها في المحافظات عدا العاصمة بغداد التي كانت نسبة مطابقة أسماء الفائزين فيها 99% ” ماذا يبقى في جعبة الذين يسعون لإلغاء الانتخابات أو تأخير تشكيل الحكومة الاتحادية بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج، لتمرير مخططات الفوضى السياسية وتعطيل الدستور ؟ حتما هناك حجج جاهزة تطبخ على نار هادئة في مطبخ هؤلاء سوف يستعملونها بعد الإنجاز وهذا أمر ظهرت تباشيره بمجرد إعلان النتائج للعد والفرز اليدوي التي رفضها البعض جملة وتفصيلاً، لكن ذلك لن يكون لأمد طويل لتبقى تعطلالمساعي المخلصة من اجل تشكيل الحكومة على أسس وطنية وليس على نهج الطائفية البغض الذي ساهم في تدمير البلاد، وأوضح رائد فهمي احد قادة تحالف سائرون وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي لشفق نيوز بعد ظهور نتائج حوالي 99% من العد والفرز اليدوي” سيبدأ سريان التوقيتات الدستورية، ما يدفع الكتل الفائزة لتكثيف اتصالاتها ولقاءاتها بشأن تشكيل الكتلة الأكبر لكن حتى هذه اللحظة لم تتشكل تحالفات راسخة تؤسس للكتلة الأكبر”
إن تعطيل تشكيل الحكومة بحجة التحالفات أو مشاريع الكتل للتحالف يدعو إلى التدقيق حتى بالتحالفات التي تعقد أثناء الانتخابات التشريعية التي تحمل أهدافا في مقدمتها الحصول على مقاعد يؤهلها المشاركة أو قيادة الحكومة بشكل قوي تستطيع من خلالها تنفيذ الأهداف والمشاريع المناط بها وبحلفائها الداخليين والخارجيين ، والملاحظ وهو خير مثال واقعي من فراغ السلطة خلال الأشهر الثلاث أن هناك العديد من المخاطر أحاطت بالبلاد ، منها ما هو أمني وكذلك اقتصادي واستغلال هذه الفترة الفراغية تقريباً في مقدمتها الحالة المشبوهة التي تنفذ من قبل حاشية إيران، وإيران نفسها بسبب العقوبات الأمريكية غير العادلة نقول غير عادلة متذكرين العقوبات التي فرضت على الشعب العراقي، لأن العقوبات الأمريكية الحالية بالضد من الشعب الإيراني وبخاصة كادحيهوأصحاب الدخول الضعيفة والفئات والطبقات الفقيرة عليها السلام أما الفئات المستفيدة وكبار الأغنياء ورجال الدولة فهم يعيشون في نعيم وسيبقون فيه على الرغم من انف العقوبات الأمريكية والإدارة الأمريكية، وحسب آراء مجموعة من الخبراء الاقتصاديين العراقيين نشرتها شفق نيوز في 11/8/2018 ” إن عملية سحب الدولار التي يقوم بها التجار الإيرانيون بدأت الجمعة بعد إصدار البنك المركزي العراقي توجيهاً رسمياً إلى البنوك والمصارف المعتمدة بضرورة الالتزام بوقف التعامل مع إيران بالدولار الأمريكي ” وحسب رأي أكثر من خبير اقتصادي عراقي أن إيران لم يعد أمامها من خيارات سوى الساحة العراقية التي تستطيع التنفس من خلالها، واعتبر ماجد الصوري الخبير الاقتصادي أن إيران “لم يعد أمامها سوى العراق كرئة اقتصادية تتنفس من خلالها وتحصل من أسواقه على الدولار الأمريكي بعد العقوبات” وأشار ماجد الصوري إلى محاولات إغراق السوق العراقية بالعملة الإيرانية المزورة لشراء الدولار إضافة إلى زيادة المتاجرة بالمخدرات بشكل واسع للحصول من خلالها على الدولار الأمريكي كل ذلك وغيرها من الأمور المضرة يجري بسبب عدم وجود حكومة منتخبة وبرلمان منتخب مما يجعل عمل القضاء ناقصاً وغير جدي في اتخاذ قرارات لتطبيق القوانين وملاحقة من يحاول الأضرار بالاقتصاد العراقي، وليس هذا فحسب فان الجانب الأمني شاهد خروقات أمنية كثيرة وفي مناطق متعددة من البلاد وهو أمر مرتبط بضرورة اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد كل من يحاول استغلال عدم انتخاب حكومة فعالة والقيام بأعمال إرهابية وإجرامية ضد المواطنين الأبرياء، لا بل حتى إلحاق الضرربالمنشآت الاقتصادية والكهرباء وكل ما هو مرتبط بالحياة المعيشية للمواطنين.
إن المحكمة الاتحادية التي تدرك جيداً معنى الفراغ السياسي أو فراغ السلطة قامت بتحديد المدد الدستورية لتشكيل الرئاسات الثلاث، وأكد اياس الساموك المتحدث باسم المحكمة الاتحادية أن “المدد الدستورية لتشكيل الرئاسات الثلاث ” رئاسة البرلمان والجمهورية ومجلس الوزراء تبدأ بعد الإعلان عن النتائج الأولية ومصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج وسهلت المحكمة الاتحادية عملية تقديم الطعون وحددت المدة بأسبوعين ستكون من تاريخ نشر النتائج في وسائل الإعلام، كل هذه المجموعة من التداعيات تبين مدى اتساع الهوة والتناقضات والصراعات حول تشكيل الحكومة العراقية الذي تنتظرها أكثرية الشعب العراقي أملاً أن تقوم بواجبها الوطني تجاه مصالح البلاد ومخلفات الفترات السابقة التي عوقتها المحاصصة الطائفية بجميع جوانبها، مع العلم أننا لسنا بالمخدوعين أو الحالمين ونعرف أن تشكيل الحكومة ليس هو العصا السحرية التي ستستطيع حل المشاكل التي تجتاح البلاد لكننا نعتقد أنها بداية المرحلة التي سوف تكشف الطريق والمنهج الذي سيتبع لقيادة البلاد ونضع نصب أعيننا إذا ما تخلى المدعين عن المحاصصة والطائفية وتظاهروا الوطنية لخداع وعي المواطنين لكنهم تراجعوا بمجرد تشكيل الحكومة وأصبح ضلعهم فيها أساسياً لتنفيذ ما خططوا لهم قبل تشكيلها، نحن مازلنا على اعتقادنا الراسخ بأن من طالب إلغاء الانتخابات تحت طائلة حجج كثيرة هو الذي يسعى لعدم تشكيل الحكومة على أسس وطنية ويصارع من اجل العودة إلى المحاصصة الطائفية والحزبية التي دمرت العراق وستبقى هي البلاء والداء الذي سيدمر العراق أكثر فأكثر.