نحن لا نستطيع تقريبًا عدم رؤية العالم من منظورنا الخاص وانطلاقًا من تجاربنا الشخصية في الحياة، وهي خاصية وطبيعة نشترك فيها كأشخاص عاديين مع العلماء والنوابغ.
بينما تساعد المنهجية العلمية على خفض التأثير الذاتي والشخصي للعالِم على نتائج التجارب التي يقوم بها، فإننا كبشر مازلنا نقرر بصورة ذاتية وشخصية الميدان الذي سنقوم بدراسته، كما نقرر ونختار الطريقة التي سنقوم وفقًا لها بتحليل نتائج تجاربنا.
لهذا نجد بأن التنوع أمر مهم للغاية، فعندما يعمل أشخاص من خلفيات مختلفة على إصدار قرارات مختلفة حول الطريقة التي يجب وفقًا لها التحقيق والبحث في العالم من حولهم، نحصل على صورة أكثر كمالًا وشمولاً عن هذا العالم.
في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، جمعنا لك عزيزي القارئ قائمة بخمسة علماء من مجتمع الميم الذين ساهموا في تغيير العالم من حولنا بطريقة إيجابية بفضل أعمالهم واكتشافاتهم وإنجازاتهم العلمية:
السير (فرانسيس بيكون) 1561-1626
على شاكلة الكثيرين من نظرائه آنذاك، كان السير (فرانسيس بيكون) عالمًا وباحثًا متعدد الميادين، كما كان محاميًا، ورجل دولة، وفيلسوفًا. وقد كان ما قاد به إلى الشهرة هو الفلسفة حينما ابتكر مفهوم المنهاج العلمي.
بينما تحتفي كتب العلوم بإنجازاته هذه، فإنها غالبًا ما تتغاضى عن كونه كان مثلي الميول الجنسية. كان أغلب المقيمين في منزله البالغ عددهم 75 ”خدمًا ذكورًا“، وكان (بيكون) يمنح الكثير منهم هدايا قيمة ويقوم بتعيينهم في وظائف مهمة.
كما أشارت إحدى الرسائل بين والدته وشقيقه بأنه اعتبر الكثير منهم أكثر من مجرد خدم له.
أصبح واحد منهم يدعى السير (توبي ماثيو)، الذي كان رجلا وسيمًا، مقربا جدا من (بيكون)، وهو الذي ألهمه لكتابة أشهر مؤلفاته بعنوان: ”عن الصداقة“.
لولا السير (فرانسيس بيكون) وعبقريته، لما كنا ربما نملك هذه النظرة الشاملة عن الكون اليوم.
(فلورينس نايتنغيل) 1820-1910
بينما اشتهرت (فلورينس ناينتنغيل) بكونها رائدة في مجال التمريض، فإنها كانت في نفس الوقت رياضياتية لامعة، حيث ساهمت قدرتها الرهيبة في التعامل مع الأرقام في إنقاذ الكثير من الأرواح. حتى أنها ساهمت بشكل كبير في ميدان مؤثرات عرض البيانات.
عرف عن (نايتنغيل) كونها حظيت بعلاقتين شغوفتين مع امرأتين خلال فترة حياتها، واحدة مع خالتها (ماي سميث)، التي اعتنت بها بعد إصابتها بمرض خطير وأصبحت وفقًا لها: ”حاميتها، ومترجمتها، ومستشارتها“، والأخرى هي علاقة افتتان من طرف واحد مع قريبة لها تدعى (ماريان نيكولسون)، التي كتبت فيها (نايتنغيل) قائلة: ”لم يسبق لي أن أحببت شخصًا بذلك الشغف في حياتي قطّ“.
(آلان هارت) 1890-1962
لن تعثر على (آلان هارت) في الكثير من الموسوعات أو الكتب العلمية، غير أنه مهم للغاية في قائمتنا هذه لأمرين: أولاً إنجازاته وثانيًا هويته.
زاول (آلان هارت) دراسته في تخصص الطب في جامعة (يال) وأصبح باحثًا في الميدان، ولاحقًا أصبح شخصية بارزة في الكفاح ضد مرض السل، الذي كان آنذاك سببا رئيسًا في الكثير من الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
كما كان في نفس الوقت واحدًا من أول المتحولين جنسيًا في الولايات المتحدة من امرأة إلى رجل بعد أن خضع لعملية استئصال الرحم وعاش لبقية حياته رجلًا.
بعد تخرجه من كلية الطب في جامعة (يال)، طلب المساعدة من واحد من أساتذته يدعى (آلان غيلبرت)، وفي نهاية المطاف طلب منه أن يجري عليه عملية التحول واستئصال الرحم.
كانت تلك العملية هي ما غير حياة (آلان هارت)، حيث منحته وفقًا لـ(غيلبرت): ”سببا جديدا للعيش وطموحات تليق برفعته العلمية“.
تزوج (هارت) مرتين، وكتب عدة روايات، وشغل منصب مدير لجنة الاستشفاء وإعادة التأهيل لمرضى السل في ولاية (كونيكتيكوت)، وهو المنصب الذي بقي يشغله إلى غاية وفاته.
(آلان تورينغ) 1912-1954
ربما تكون قصة (آلان تورينغ) هي الأشهر في تاريخ علماء مجتمع الميم في العالم كله، وأكثرها حزنًا وكآبة.
حتى لو كنت تجهل قصته، فأنت بدون شك على دراية بأعماله، التي أنت تستخدم واحدًا منها حاليًا، حيث يعتبر (آلان تورينغ) مخترع ما عرف باسم ”آلة تورينغ“ التي هي في الواقع أساس الحواسيب التي نستعملها اليوم، كما يعود له الفضل في فك الشفرة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وهي القصة التي تم تخليدها في فيلم بعنوان The Imitation Game الذي عرض سنة 2014.
بينما يبدو على مجتمعات بعض العلماء في قائمتنا هذه وكأنها تقبلت حقيقة كونهم مثليين ومتحولين جنسيًا، أو على الأقل غضوا النظر عن ذلك، فإن المثلية الجنسية في المملكة المتحدة كانت تعتبر زمن (آلان تورينغ) جرمًا يعاقب عليه القانون.
وعلى الرغم من ذلك، كان (تورينغ) صريحا ومباشرًا جدا عندما يتعلق الأمر بميوله الجنسية مع أصدقائه في جامعة الملك في كامبريدج، ولطالما دخل في علاقات مثلية مع رجال آخرين خارج دائرة الأمان.
تم اعتقاله سنة 1952 بتهمة الفعل الفاحش، واعترف بما فعله وعوقب بإخضاعه لحقنات هرمونية جعلته عاجزًا جنسيًا. بعد سنتين من ذلك، يعتقد أنه انتحر بواسطة تناول سم السيانيد.
ولم تبرئ المحكمة الإنجليزية ساحته إلا في سنة 2013، حينما منحته الحكومة عفوًا بعد الوفاة.
(سالي رايد) 1951-2012
في الثامن عشر من يونيو سنة 1983، أصبحت (سالي رايد) أول امرأة أمريكية تحلّق إلى الفضاء، حينما حلقت على متن المكوك الفضائي (تشالنجر).
أصبحت لاحقًا مديرة معهد الفضاء في جامعة كاليفورنيا (سان دييغو)، وأسست منظمتها غير الربحية (سالي رايد للعلوم) في سنة 2001 لإلهام الأطفال الصغار ليسعوا خلف تحقيق أحلامهم في أن يصبحوا علماء ورواد فضاء.
أسست (سالي رايد) هذه الشركة بمساعدة اثنين من أصدقائها وشريكة حياتها (تام أوشونيسي). كتبت شقيقتها (بير) بعد وفاتها جراء الإصابة بسرطان البنكرياس سنة 2012: ”لم يكن معظم الناس على دراية بأن (سالي) كانت في علاقة حب رائعة مع (تام أوشونيسي) التي دامت لمدة 27 سنة“، واستطردت بالقول: ”لم تخفِ (سالي) يومًا طبيعة علاقتها مع (تام). لقد كانتا شريكتين في الحياة والعمل، لقد ألفتا الكتب مع بعضهما البعض، بالطبع كان أصدقاء (سالي) المقربون يعلمون بأمر حبهما لبعضهما البعض. نحن نعتبر (تام) فردًا من العائلة“.
اليوم تكرم (تام أوشونيسي) ذكرى إرث شريكتها (سالي) من خلال بوابة شركتهما (سالي رايد للعلوم).