كان تراجع فرص العيش الكريم، وانعدام الأمن الذي يعيشه العراقيون منذ سنوات، من بين أكثر الأسباب التي أثارت الشارع، وعجلت بسقوط حكومة عادل عبد المهدي (أكتوبر 2018- نوفمبر 2019).
فهل استطاعت حكومة الكاظمي تلبية مطالب المحتجين؟ وكيف هي حالة الاقتصاد العراقي في ظل قيادته؟
في مقال تحليلي مشترك، نُشر على موقع معهد السلام الأميركي، تناول كل من سرهنك حمه سعيد، وهو مدير برامج الشرق الأوسط في المعهد، وإيلي أبو عون، مدير برامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المركز الإقليمي لمعهد السلام الأميركي في تونس، أبرز النتائج التي حققها الكاظمي خلال أول سنة من عهدته الحكومية.
وجاء في مستهل المقال أنه “على الرغم من أن الكاظمي وعد بتلبية العديد من مطالب المحتجين، إلا أنه لم يحقق الكثير من النتائج الملموسة، “على الرغم من بذله جهودا جديرة بالثناء”.
لكن كاتبا المقال استدركا بالقول: “مع ذلك، نظرا لطبيعة المطالب، فمن غير الواقعي توقع تلبية أي حكومة لها في غضون عام أو عامين فقط”.
وكتب أبو عون “طالب المحتجون الكثير من الأشياء، التي يحتاج تحقيقها نهجا طويل الأمد وموارد واسعة النطاق”.
وقال إنه يمكن تصنيف تلك المجموعة الواسعة من المطالب ضمن الإصلاح السياسي مثل نظام تقاسم السلطة والانتخابات العادلة، والإصلاح الاقتصادي القائم على معالجة الأزمات المالية وخلق المزيد من فرص العمل، وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة والتعليم، ومكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين في استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين.
النتائج السياسية
من المقرر إجراء الانتخابات في أكتوبر 2021، لكن هناك شكوك حول مدى إمكانية إجرائها في ظل شروط النزاهة والشفافية.
وتشمل أسباب ذلك، وفق التحليل الذي قدمه معهد السلام الأميركي، استمرار الأحزاب السياسية نفسها في استخدام مجموعاتها المسلحة؛ كما أن الفساد لا يزال يعيق أجهزة إنفاذ القانون، وما يسببه ذلك من عدم استقرار للبلاد.
التحليل أشار أيضا إلى أن مرتكبي الاغتيالات السياسية التي شهدها العراق خلال السنة الأخيرة لايزالون بلا عقاب، مما يفتح الباب لمزيد من عدم استتباب الأمن.
سرهنك حمه سعيد قال في هذا الصدد إن الكاظمي حاول لملمة الشتات السياسي بخطاب جامع منذ تنصيبه، لكن فعاليات كثيرة في العراق رفضت الانخراط في مسار الائتلاف الذي تشترطه أي نقلة سياسية أو اقتصادية.
وضرب مثلا بخطابه خلال الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق، والذي أعقبه قتل متظاهرين في الشوارع العراقية بينما تمكنت جماعات مسلحة من تنفيذ هجمات مميتة ما جعل “وجهات النظر السلبية تتقدم المشهد في العراق” على حد وصفه.
الاقتصاد
على الصعيد الاقتصادي، حاولت حكومة الكاظمي إدخال إصلاحات مهمة من خلال “الورقة البيضاء”، التي تضمنت أفكارا راسخة وموضوعية، لكنها تتطلب عدة سنوات للتحقيق على أرض الواقع، بالإضافة إلى أنها تحتاج لإرادة سياسية قوية.
وكل ذلك مرهون، بحسب التحليل، بالمشاركة الاجتماعية المؤدية للانخراط في إصلاحات هيكلية قد تكون مؤلمة على الصعيد الاجتماعي، لأن عدم القدرة على إطلاق الإصلاح الاقتصادي يعيق خلق فرص العمل وتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء.
الجانب الأمني والوضع الإقليمي
وعلى الرغم من محاولات الحكومة إعطاء الأولوية للتحقيق في حوادث إطلاق النار التي أسفرت عن مقتل المئات وإصابة الآلاف من المتظاهرين منذ أكتوبر 2019، لم يتم اتخاذ أي إجراءات جادة لتحديد الجناة أو القبض عليهم أو مقاضاتهم.
وعزا المحللان هذا الفشل، إلى غياب قضاء فعال وشفاف بالإضافة إلى عدم وجود وكالات أمنية فعالة تعمل على تكريس الإرادة السياسية التي أبداها الكاظمي.
وعندما تولى الكاظمي منصبه، كانت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في أوجها، فكيف اجتاز الكاظمي هذه التوترات وأين يقف الآن؟
استغل الكاظمي الفرصة التي أتاحها نهج إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تجاه إيران، وحاول كبح نفوذ الجماعات المسلحة الموالية لها في العراق.
وقام الكاظمي إثر ذلك، بتحسين سيطرة الحكومة على المعابر الحدودية المتعددة في العراق، حيث تسببت هذه الخطوة في توفير 60 مليون دولار أميركي لخزينة الدولة، وحرمت الجماعات المسلحة وعصابات إجرامية أخرى، كانت تسيطر على هذه المعابر، من الوصول لملايين الدولارات.
قام الكاظمي كذلك بتعيين قادة جدد في بعض أكثر المناصب الأمنية حساسية، وتهميش تلك التي تعتبر موالية لإيران.
وانخرط في التواصل المكثف مع الدول العربية، وتحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعمل على اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف مع الأردن ومصر وغيرهما.
وفي حين أن هذه المكاسب ليست ضئيلة، إلا أن جهود الكاظمي لتقليص النفوذ الإيراني أصابت جدارا صامدا، في أكثر من مناسبة.
للتذكير فقط، كان الكاظمي قد اضطر إلى إطلاق سراح عناصر الحشد الشعبي اعتقلتهم قوات الأمن بتهمة إطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء، وهو ما يراه المحللان دليل على عثرته في هذا الملف.
ووفق المقال “لن يتمكن الكاظمي أو حتى خليفته من كبح جماح إيران في العراق، إلا إذا مارس المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، ضغوطا شديدة حتى توافق إيران على إعادة النظر في طبيعة وحجم أنشطتها الإقليمية.
وبدون مثل هذا الجهد “من المحتمل جدا أن تستخدم إيران بعض مليارات الدولارات المتاحة من رفع أو تخفيف العقوبات لتعزيز دعمها لحلفائها في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغزة وأماكن أخرى”.
وفي شهر أكتوبر 2019، اندلعت احتجاجات عارمة في بغداد وأغلب محافظات جنوب العراق، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة.
كما ندد المتظاهرون أيضا بالتدخل الإيراني في العراق وتم حرق العلم الإيراني في عدة أماكن، حيث احتدمت المواجهات بين المتظاهرين ورجال الأمن.
وواجهت القوات الأمنية هذه المظاهرات بعنف شديد واستعملت قوات الأمن صنف القناصة واستُهدِف المتظاهرون بالرصاص الحي، مما تسبب بمقتل نحو 600 وإصابة أكثر من 20 ألف شخص.
وأجبرت تلك الاحتجاجات رئيس الوزراء وقتها، عادل عبد المهدي، على الاستقالة وجميع طاقمه الحكومي.