أكثر من أيّ وقت مضى، يتفق كثيرون في الأوساط السياسية والإعلامية في ألمانيا على أن نجم أنغيلا ميركل بدأ بالأفول. في المقابل يحذر آخرون من المطالبة برحيل ميركل قائلين إن ألمانيا وأوروبا مازالتا بحاجة للمستشارة.
بعد يومين فقط من حل أزمة كادت تعصف بالائتلاف الحكومي في ألمانيا، وهي إزاحة رئيس هيئة الاستخبارات الداخلية من منصبه بعد إثارة الشبهات حوله بـ”التغاضي عن يمينيين متطرفين”، تلقّت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل “صفعة” أخرى، على حد تعبير بعض الصحف، بخسارة فولكر كاودر، المقرب منها، زعامة أكبر كتلة في البرلمان الألماني لصالح شخص لم يكن معروفاً على المستوى الشعبي.
فبعد 13 عاماً من تولي زعامة كتلة تحالفها المسيحي، خسر كاودر منصبه لصالح مرشح مغمور هو رالف برينكهاوس، وهو ما اعتبره سياسيون وإعلاميون بداية أفول عهد المرأة المتربعة على عرش المستشارية الألمانية منذ 13 عاماً، والتي تحكم أقوى اقتصاد أوروبي وتلعب دوراً فعالاً في قيادة دفة الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن ميركل، التي صنفتها مجلة فوربس كـ “أقوى امرأة في العالم” للعام السابع على التوالي في 2017، دعت كتلة حزبها للتصويت لكادور مرة أخرى، إلا أن برينكهاوس فاز بالمنصب، ما اعتُبر “هزيمة” شخصية لها وهي أقرت بذلك.
“فك تبعية الكتلة البرلمانية للمستشارة“
ورغم تأكييد برينكهاوس بعد فوزه على أنه يدعم المستشارة، إلا أن عدة وسائل إعلام ألمانية وعالمية اعتبرت عدم احتفاظ كاودر -المقرب منها- بالمنصب “انتفاضة ضد ميركل“.
وأشارت مجلة “دير شبيغل” الألمانية إلى أن تطمينات برينكهاوس بأنه متفق مع المستشارة ليست سوى تصريحات معروفة في السياسة، مؤكّدة على أن “مجرّد انتخابه بخلاف رغبة المستشارة يعتبر إعادة السيادة لبرلمانيي حزبها وفك تبعيّتهم لمكتب المستشارة”، في إشارة إشارة إلى أهمية دور الكتل البرلمانية في صياغة وتمرير القوانين. فقد كان الرئيس السابق للكتلة البرلمانية يؤيّد ميركل في كل ما تقوم به، إلا أن الرئيس الجديد “له نظرة نقدية فيما يتعلق بسياسة الميزانية وإصلاحات منطقة اليورو” بحسب “دير شبيغل”.
واعتبر الموقع الإلكتروني للمجلة الألمانية ذائعة الصيت أن “سقوط” كاودر يعتبر “توديعاً للسلطة” من قبل المستشارة. من جانبها وصفت صحيفة “بيلد” عدم فوز مرشح المستشارة بـ “الزلزال”، متسائلة فيما إذا كانت “نهاية عهد المستشارة قد بدأت”. أما صحيفة “التايمز” البريطانية فرأت أن خسارة ميركل لـ”يدها اليمنى” (في إشارة إلى كاودر) هي بمثابة “انتفاضة من حزبها عليها”، مشيرة إلى أن “المعارضة تعتبر ذلك بداية أفول نجم ميركل“.
“تصويت على الثقة“
وبعد خسارة كاودر، المقرب من ميركل، منصبه رئيساً للكتلة النيابية لتحالفها المحافظ في البرلمان، تعالت بعض الأصوات المطالبة بضرورة أن تقترح المستشارة تصويتاً على الثقة في البرلمان، والذي قد يدفعها إلى الاستقالة إن لم يكن التصويت لصالحها. واعتبر رئيس الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) كريستيان ليندنر أن المستشارة لم تعد تحظى بدعم كتلة حزبها في البرلمان بعد خسارة كاودر، مطالباً إياها باقتراح تصويت على الثقة في البوندستاغ.
وهو ما دعت إليه صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” أيضاً، حيث كتبت الصحيفة: “ميركل لن تستقيل (مباشرة). لكن يجب عليها أن تفكر باقتراح تصويت على الثقة في كتلة حزبها أو في البوندستاغ”، مؤكّدة على أن “المستشارة لن تستطيع بعد الآن من أن تكون واثقة من دعم القريبين منها”.
“البطة العرجاء تجهز خليفتها”
وشبهت الصحيفة المستشارة الألمانية بـ”البطة العرجاء”، مشيرة إلى أن نهايتها بدأت منذ أن تمّ استدعاء أنغريت كرامب-كارنباور إلى برلين بعد الانتخابات الأخيرة، وتنصيبها أميناً عاماً للحزب لتهيئتها كخليفة لميركل.
ويرى بعض السياسيين داخل حزبها الحاجة لشخص يملك الكفاءة للتأليف بين مختلف الأجنحة والتيارات داخله، خصوصاً أن خسارة الحزب المحافظ لأصواته في الانتخابات الأخيرة أثار نقاشاً حول ضرورة إعادة تموضعه السياسي من جديد، بعد أن جعلته ميركل يتموضع في وسط الطيف السياسي.
لكن نائب ميركل في الحزب ورئيس حكومة ولاية شمال الراين-ويستفاليا، آرمين لاشيت، أكّد أن الرئيس الجديد لكتلة التحالف المسيحي في البرلمان، برينكهاوس، ليس ممن يطالبون بتغيير الاتجاه السياسي داخل الحزب.
وتعتبر صحيفة “فرانكفورتر روندشاو” خسارة كاودر، انتصاراً للجناح اليميني في الحزب، مشيرة إلى أن “الطريق نحو اليمين أصبح أخيراً سالكاً بسهولة”. وكتبت الصحيفة: “بأكثرية التصويت لبرينكهاوس فإن آخرين أيضاً، غير الذين يدعمون خطا متشددا ضد اللاجئين، وغير الذين لديهم تضامن أوروبي أقل… يعبّرون عن أنفسهم”.
التحذير من “نهاية ميركل”
في المقابل يحذّر بعض الساسة من الحديث عن نهاية ميركل، حيث أكّد وزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غابرييل أنه لا تزال هناك حاجة على المستوى الدولي إلى ميركل، وأضاف أن ألمانيا “لا تزال بحاجة إلى حكومة فعالة ليس فقط من أجل المواطنين هنا في هذا البلد، بل لأن استقرار أوروبا كلها يتوقف علينا”.
أزمة اللاجئين وتصاعد اليمين؟
وكان التحالف المحافظ، الذي تقوده المستشارة الألمانية قد سجل خسارة تاريخية في الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل عام. وفي المقابل دخل اليمين الشعبوي متمثلاً بحزب “البديل من أجل ألمانيا” البرلمان الألماني لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد غضب شعبي من السياسة التي انتهجتها المستشارة تجاه اللاجئين، والتي أدت إلى وصول أكثر من مليون شخص إلى ألمانيا منذ عام 2015.
ويستغل حزب “البديل” الشعبوي كل مناسبة ليؤكد على ضرورة رحيل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ففي كل المظاهرات التي يخرج فيها مناصروه تطغى شعارات “ميركل يجب أن ترحل”. وهذا أحد الشعارات التي رُفعت في مدينة كيمنتس التي شهدت اعتداءات ضد لاجئين ومهاجرين بعد الاشتباه بمقتل ألماني على أيدي لاجئين. وهي نفس المدينة التي ستزورها المستشارة منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، في محاولة لتخفيف الغضب الشعبي هناك.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو فيما إذا كانت ميركل قادرة على الاحتفاظ بعرش المستشارية حتى نهاية ولايتها الرابعة، أم أنها تدرك أن عليها الإسراع في تهيئة خليفتها سريعاً، لينتهي بذلك عهد “أقوى امرأة في العالم”.
محيي الدين حسين