_” يمكن اكو بلابل ويانا بالقطار!”
ما ان انهى حسين هذه الجملة التي اطلقها على شكل لغز، حتى سحَبهُ بعض الرجال بالزي المدني مع زوجته وامه وبناته الاثنين. يعاني حسين كحال والدته من مرض الصرع ، ولأجله تحضر هو وعائلته للذهاب من النجف الى كربلاء ومنها وبواسطة القطار الى بغداد، ليسافروا بعدها الى فرنسا للعلاج، الا ان لرجال الامن رايٌ اخر، اذ جعلوا الحجية ام حسين وزوجة ابنها، وحفيداتها ينامون بالقرب من اطفالي في هذه القاعة الرطبة الباردة.
الحجية النجفية حنونة للغاية، لذا فهي بمثابة الام لنا جميعاً ونتألم عندما تأتيها نوبات الصرع دون ايجاد حلولٍ ممكنة لها سوى الدعاء والبكاء لحين زوال المرض .عجزنا من كثر الاستجداء من حارس السجن “المفوض محسن” الذي لا يصدق ادعائتنا بالقول: انها تمثل ليصدقها مسوؤلي السجن. المفوض محسن الذي يدعي انه من عائلة ” العجيل “المعروفة هو خير مثال لشخص قبلي يمتلك سلطة اكبر من حجمه، وفي زمانٍ ومكانٍ خاطىء، فالحاجة الى قليل من الماء الساخن لعمل شاي، او غلي حليبٍ للأطفال الرضع تكون من اصعب المهمات، واقساها بالنسبة لنا، فالرجل حاقدٌ على كل شيء، ولا مكان افضل من السجن لأظهار عقده الاجتماعية وعجزه وضعفه في تصرفاته معنا كسجيناتٍ لاتعرفن شيئا عن مصيرهن.
اُقتيد الينا في احد الصباحات طالبة من جامعة الموصل مشتبه بها_ بالخطأ كما تدعي_ بنشاطها السياسي داخل الحرم الجامعي، واصبحت وفي وقت قصير صديقة الجميع لحيويتها وفطنتها وروح الفكاهة التي تمتلكها .
كان قد مر عدة اشهر على حجز الحجية وعائلتها دون زيارة، او معلومة من احد لمحاولة اخراجهم من هذا المأزق، كذلك لا تعلم شيئا عن مصير ابنها المريض حسين _والد الصغيرتان اسراء وحوراء_، كتبت ام حوراء رسالة سرية صغيرة، ولفتها بطريقة يصعبُ على الحراسِ اكتشافها، بعدما ان اخفتها الطالبة الجامعية بين ملابسها الداخلية، اذ هي على وشك الخروج من السجن، لتوصلها هي بطريقتها للمدعو “محمد”، احد اقارب العائلة الذي يداوم هو الاخر في جامعة الموصل. كانت الحجية وعائلتها قد فرشنَ، وبالصدفة مناماتهن قبالة باب الزنزانة الوحيد، والذي يحتوي على فتحة في اعلاه على شكل شباكٍ صغير، يمكن من خلالها تخيل ظلالٍ اشخاصٍ قادمين الى الممر الواصل الى قاعتنا الكبيرة والتي تحوي على المئات من حكايات الظلم العجيبة .
ما ان مرت ايام قليلة حتى رات الحجية وعائلتها وجه ذلك الشاب بصحبة الشرطي من خلال فتحة الباب تلك، و صرخنَ جميعهن من الفرح، انه محمد الذي استلم الرسالة وجاء لنجدتهن. تقول الحجية على لسان محمد انهم عجزوا من كثر البحث عنهن في سجون بغداد والنجف، لكن دون جدوى ولم يخطر على بال الانس والجن ان يجدوهن هنا، وبهذا البعد والبؤس.
سـُفرت الحجية مع عائلتها بعدها بفترة وجيزة وانقطعت اخبارها عنا لنبقى مع الباقين ننتظر اي انسان او جني يخرجنا من هنا.
*”حسين ” اسم افتراضي بعد نسيان الاسم الحقيقي للشخص