الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeاراءجذور بعض الكلمات الشائعة بين الايزيدية الحلقة السابعة :د.خليل جندي

جذور بعض الكلمات الشائعة بين الايزيدية الحلقة السابعة :د.خليل جندي

 

تظهر جذور بعض الأسماء ضمن حضارة ما يطلق عليه الهلال الخصيب والتي تشمل (الحضارة السورية والفينيقية في لبنان الحالية والكنعانية). وأغلب تلك الأسماء تعود جذورها لآلهة تلك الحضارات، حتى أن عبادات عدد من تلك الآلهة وصلت إلى مصر. نتوقف في حلقتنا هذه عند الاسم (رفو).

رفـــــــــــو:

يعد من بين أحد آلهة الحضارة السورية الفينيقية القديمة، ويظهر في الكتابات الأوغاريتية على شكل (رفو بعل)، كلمة (رفا) تعني الشفاء، و (بعل) الإله السوري الكبير الذي يقابل (إيل) إله الخلق الكنعاني. وجاء ذكره لأول مرة في كتابة فينيقية باسم الإله (شدرفا) تعود تاريخها إلى القرن الخامس قبل الميلاد، كما تذكره كتابات تدمر مرات عديدة. وتذكره كتابة عثر عليها في كيليكيا باسم (ساترافه) يعتقد أنه صيغة الاسم المدلع. ويشير اسم الإله (شدرفا) إلى وظيفته الطبية، فهو مؤلف من (شد) و (رفا) الذي يعني (شد الشافي). وقد وصلت عبادة هذا الإله إلى مصر خلال حكم الأسرة الثامنة عشرة ويشبه في مصر بأوزيريس المنقذ. (قاموس الآلهة والأساطير، ص 175)

عثر على ثلاث كسر من رقم طينية تتحدث عن كائنات تدعى (رفوم)، ويعتقد أن هذه الكائنات تمثل جنس العمالقة الذي ورد ذكرهم في اسفار العهد القديم باسم (رفائيم). (تكوين: 14/5، 15/20- تثنية: 2/11، 20، 3/11- يشوع: 17/15- سفر صموئيل الثاني: 21/16، 18، 20، 22). وتتحدث الكسر الطينية الثلاث عن حفل يقيمه الإله (إيل) ويحضره كل من بعل وعناة كضيفي شرف إلى جانب رفائيم، كما يظهر اسم (رفو بعل) و (رفو عناة) مع اللقب المقاتل في سبيل (بعل) والمقاتل في سبيل (عناة). ويعني الفعل (رفا) في نصوص العهد القديم (شفى) ويعبر عن الاخصاب بعد العقم. (تكوين: 20/17) كمياه أريحا التي شفت الياس من العقم والموت حسب الأسطورة.

يُفْهم أن رفائيم هي آلهة تمتلك خاصية الشفاء والخصب، ويقترح البعض المعنى المستخلص من جذر الكلمة في اللغة العربية (رفا يرفو رفوا) أي جمع الشئ إلى بعضه (أصلحه)، وبهذا المعنى تشمل كلمة رفائيم مجموع سكان العالم السفلي. (قاموس الآلهة والأساطير، ص 215). وحسب تصور الفينيقيين كانت الأرواح تعيش بعد فناء الجسد ويطلقون عليها اسم رفائيم. (نفس المصدر السابق، ص 226)

ماذا تعني (رفو) باللغة الكردية:
ڕەف ref = سرب من الطيور في حالة الطيران
ڕەڤ rev أو ڕەڤین revin =الهروب
ڕەڤا reva- ڕەڤاندن revandin= الخَطف – الاختطاف
ڕەڤۆ revo = قطيع

يلاحظ أن المعاني الكردية للاسم (رفو) لا تقترب من معاني (رفو) في الكتابات الأوغاريتية بمعنى (الشفاء)، ولا (رفوم) الوارد في الرُقَم الطينية والذي يعتقد أن المقصود به جنس العمالقة. إذا صح ما ذهب اليه المؤرخون وعلماء الآثار بأن الكائنات التي تتحدث عنها الرُقَم الطينية تمثل جنس العمالقة أو ما أطلق عليهم (الجبابرة) في التاريخ، فان ذلك يضع أمامنا أحد الدلائل التاريخية التي تقول ان آماليك (العماليق) ومنهم “بنو جرهم” هم (الهكسوس) الذين كانوا يسكنون مكة قبل مجئ العرب اليها. ويفسر اسم “مكة” القديم كما ورد في بطايموس الجغرافي وهو “ملكاى Malichae” أي موطن “أماليك” المذكور في التوراة، وأن الهكسوس أو الملوك الرُعاة عندما طُردوا من مصر استوطنوا الحجاز واتخذوا من مكة عاصمة لهم. وإذا كان اتجاه العلماء إلى تحديد مهد الهكسوس قبل هبوطهم على منطقة الشرق القديم ومصر بأنه جبال القوقاز ومنطقة بحر قزوين، وربما كان الكاسيون Kassites في العراق فرعاً منهم، فمن حقنا ان نستخلص أن لغتهم كانت لغة ميدية سكيذية Medo-Scythic وهي إحدى فروع المجموعة الهندوأوروبية. (دكتور لويس عوض، مقدمة في فقة اللغة العربية، ص56)

ويمضي نفس المصدر بالقول انه من الثابت إن القبائل الآسية Asianiques المنحدرة إلى الهلال الخصيب من القوقاز وما حول بحر قزوين والبحر الأسود، ومن منطقة الأناضول ومن هضبة إيران أياً كانت منبعها وأياً كان تكوينها الانثروبولوجي، كانت تتكلم لغة ميدية سكيذية وهي إحدى فروع المجموعة الهندية الأوروبية، وربما كانت موجات فيها نزلت في شبه الجزيرة العربية كما نزلت موجات منها في الهلال الخصيب. وفي هذه الحالة ليس هناك ما يمنع أن تكون الشعوب والقبائل الملقبة بالسامية، سواء في الهلال الخصيب أو شبه الجزيرة العربية، هي في حقيقتها موجات تعاقبت في عصور متعاقبة ومن مواقع متباينة من هذه المجموعة الآسيوية. (نفس المصدر السابق، ص 58).

ان ما حرّك فضولي وأنا أبحث في جذر الاسم (رفو) الوارد في الكتابات الأوغاريتية وفي كتاب العهد القديم، هو ترديد كلمة العمالقة في إحدى النصوص الدينية الايزيدية، يقول:

ئەو عەرد خۆش مەکانە /تلك الأرض الممتازة “المقدسة”
ل وی عەردی حەیران ددمامە/ ظلوا تائهين في تلك الأرض
ناڤێ وی “قەومی بن قامە” /يسمون بـ “العماليق”
(سَبَقه 34 من النص الديني كاو ماسى= الثور والسمك)
ژۆر بەرە و ژێر هەڤرازە /في الأعالي جبل ونور (نار)
تەورات دا دەستێ موسا /سلّم التوراة بيد موسى
لسەر گەلەک تشتا کر ئەساسە/ وجعلها أساساً لأشياء كثيرة!
(سَبَقه. 40 من النص الديني كاو ماسى)
هذا شبه تأكيد بأن النص الديني (كا و ماسى) يتحدث عن قصة خروج اليهود والهكسوس من مصر إلى جبل سيناء (ينظر بحثي: هل من علاقة بين النص الديني
(كاى وماسى Gay u Masȋ)
وسفر الخروج التوراتية؟ المقدم إلى مؤتمر بيليفيلد 2012) اليهود التوراتية؟

لماذا ومتى نظم النص الديني (قه ولى كاى و ماسى) بهذا الحدث؟

تكمن العلاقة في البحث عن تاريخ وأصل وموطن المجموعة التي انطلقت مع العبرانيين الى أرض مصر ومنها الى أرض كنعان وشبه الجزيرة، واقصد بشكل خاص (الهكسوس)! كل الدلائل التاريخية تشير ان هذه المجموعة تركت بصماتها على شبه الجزيرة قبل ظهور العرب والاسلام. كما تكمن العلاقة في تحليل بنية قصة إبراهيم الخليل وزوجته سارى مع الفرعون، وزواج ابراهيم من هاجر المصرية وهجره لها في منطقة ولدت فيها إسماعيل التي قيل ان ماء زمزم انفجر من تحت أقدامه! السؤال الآخر: كيف يمكن تحليل ما يرد في بعض النصوص الدينية الايزيدية (قول قره فرقان) مثالاً من كلمات (حشم/هاشم، قوريش/قريش)، أو قول العديد من رجال الدين الايزيدي الكبار أن “مكة” كانت لهم قبل الإسلام!!

هذه الإشارات التاريخية وغيرها الكثير التي لم أذكرها في هذا المقال، يجعلني أن أرجح كفة انتماء جذر الاسم (رفو) إلى لغة إحدى الأقوام الهندوأوروبية التي انتشرت قديماً في بلاد الرافدين والهلال الخصيب حتى وصلت مصر والحجاز قبل ظهور الإسلام.

تتبع الحلقة الثامنة

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular