الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتإعادة النظر والمحافظة في السياسة الدولية بقلم أندريه تورين:ترجمة عادل حبه

إعادة النظر والمحافظة في السياسة الدولية بقلم أندريه تورين:ترجمة عادل حبه

إعادة النظر والمحافظة في السياسة الدولية 

بقلم أندريه تورين محرر مجلة الحياة الدولية الروسية*

المصدر: مجلة الحياة الدولية الروسية

ترجمة عادل حبه

أندريه إغوروفيتش تورين

في موقع نادي فالداي الدولي، جرت مناقشة تحت عنوان “قواعد من؟ هل هي قواعد إنصار إعادة النظر أم  المحافظون في السياسة الدولية “. لقد تم توقيت المناقشة لتتزامن مع صدور التقرير الجديد للنادي “إعادة النظر المؤسساتية في السياسة الدولية: هل هي نتاج طفرة أم وليدة انحدار أم أي شيء آخر؟”

لقد أجاب علماء روس وأجانب معروفون أثناء المناقشة على السؤال التالي: ما هو تأثير النزعات التحريفية على السياسة الدولية؟

يقترن الاتجاه الحالي في العلاقات الدولية، الذي تميز باشتداد التناقضات في الساحة العالمية، وباتهامات متبادلة بالتحريفية، ينخرط فيها الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من الجهة الأخرى. ولطالما تميزت سياسة واشنطن في السعي لإصلاح المؤسسات القائمة بما يتماشى مع مصالحها الخاصة. وبلغ هذا الطموح ذروته في عهد دونالد ترامب، عندما انسحبت واشنطن من الشراكة عبر

المحيط الهادئ، وراجعت شروط منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، وانتقدت منظمة التجارة العالمية (WTO)، وانسحبت من اتفاقيات الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى(INF). و يبدو أن فريق الرئيس الجديد للولايات المتحدة، جوزيف بايدن ، سيواصل بذل الجهود لتغيير المعايير والأنظمة الحالية.

من جانبها، تتخذ روسيا والصين موقفاً مختلفاً بعض الشيء. فإذا ما تتبنى موسكو خطاباً محافظاً، إلاّ أنها تُبدي عدم رضاها عن حالة هيكل الحوكمة العالمية، وتدعو جمهورية الصين الشعبية في الوقت نفسه إلى إصلاح نظام إدارة العلاقات الدولية، مع التزام الحذر في خطواتها العملية. وتواجه القيادة الصينية عدة خيارات هي: أما أن تظل ملتزمة بالهياكل الدولية القائمة أو تستخدم قدراتها الذاتية لتغيير النظام القائم لصالحها؟

عند افتتاح المناقشة، أشار مدير المناقشة ومدير برنامج نادي فالداي، أوليغ بارابانوف، إلى أن مصطلح “إعادة النظر” ليس جديداً، إذ تم استخدامه مراراً وتكراراً من الناحية النظرية في تاريخ العلاقات الدولية، وكان له دلالات سلبية. ومع ذلك ، فإن التفسير الحديث لا يرتبط بإعادة التوزيع الإقليمي للعالم، كما كان الأمر من قبل، ولكن يرتبط بحقيقة أن كل دولة تسعى إلى تعزيز مصالحها الوطنية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك فرق كبير بين “إعادة النظر بميزان القوى” الطبيعي في العلاقات الدولية – أي محاولات من قبل الدول لتغيير ميزان القوى الحالي، إذا كان لا يتوافق مع مصالحها الوطنية، وإعادة النظر بالمؤسسات والمعايير والقيم. الاتجاه الأول نموذجي بالنسبة لروسيا والصين، والثاني بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. 

ويشير كاتب التقرير إيغور إستومين، وهو أستاذ مشارك في قسم التحليل التطبيقي للمشكلات الدولية في وزارة الخارجية الروسية وكبير الباحثين في مركز ديفيس بجامعة هارفارد، إلى أن الدول الحديثة مرتبطة عضوياً بشبكة كاملة من المنظمات والقواعد الدولية، التي يحرس مصالحها جهاز بيروقراطي واسع … لذلك، إذا ما تنازع اللاعبون الكبار في وقت سابق على إعادة توزيع مجالات النفوذ، فإنهم يسعون الآن إلى فرض سيطرتهم على المؤسسات الدولية. إن أولئك القادرين على فرض قواعد مفيدة لهم، يحصلون في الوقت نفسه على مزايا في كل من مجال من مجالات ضمان أمنهم وفي السياسة الدولية بشكل عام.

وفقًا لإستومين، لدى الحكومات الحديثة أربعة خيارات للعمل على الساحة الدولية:

– التكيف مع المؤسسات الدولية القائمة؛

– تجاهل وجودها تماماً؛

– اللعب على التناقضات بين المشاركين؛

– محاولة تغيير المؤسسات القائمة من الداخل.

من وجهة النظر هذه، من الأهمية بمكان تقييم السلوك الدولي للقوى الثلاث الكبرى، الولايات المتحدة والصين وروسيا. فعلى سبيل المثال، تسعى جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي إلى تغيير ميزان القوى العالمي، لكنهما حذران كل الحذر بشأن فكرة إعادة النظر بالمؤسسات القائمة (علماً أن السياسيين الروس أكثر تحفظاً من الصينيين). ومن ناحية أخرى، تنتقد الولايات المتحدة بنشاط قواعد اللعبة الموجودة بالفعل، خاصة تلك القواعد التي نشأت دون تدخل مباشر من واشنطن. وفي الوقت نفسه، من المهم أن نفهم أن مثل هذا الموقف لواشنطن بدأ يتشكل قبل ظهور دونالد ترامب على المسرح السياسي ، الذي إعتبر في السنوات الأخيرة “المتنمر” الرئيس في الساحة الدولية.

يشير دانييل ويبستر أستاذ الإدارة العامة في كلية دارتموث ويليام والفورث إلى أن تقرير نادي فالداي الجديد لا يوضح بدقة التعريف الفعلي لإعادة النظر. وفي الوقت نفسه، يوافق على تأكيدات إستومين حول هذا المصطلح بأنه ينطبق تماماً على الولايات المتحدة، حيث أن السياسة التي اتبعتها واشنطن في الساحة الدولية خلال عقد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين هي مثال واضح على ذلك.

ويشير شيانغ لانغشين، الأستاذ في معهد جنيف للعلاقات الدولية والتنمية، ومدير مركز الحزام والطريق والأمن الأوروبي الآسيوي في المعهد الصيني لدراسات منظمة شنغهاي للتعاون، إلى أن عرض المفردات الغربية على سياسة بكين الخارجية يمكن أن يقود الخبراء إلى استنتاجات خاطئة عن عمد. إن نموذج تفكير جمهورية الصين الشعبية لا يتضمن تعريفاً دقيقاً لإعادة النظر، ولكنه ينظر إلى تداعيات كل حدث على المدى البعيد. فعلى مدى العقود الماضية، نمت الصين سياسياً واقتصادياً إلى حد كبير، وغالباً ما يخطئ المحللون الذين يقيّمون موقفها عند نقطة مهمة وهي: أن روسيا، على سبيل المثال، هي جزء من الحضارة الغربية، والصين لها مسارها الخاص بها.

ووفقاً لشيانغ لانغشين، “إن جمهورية الصين الشعبية  لم تشارك في المؤسسات الدولية حتى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، لكنها أدركت حاجتها لها تدريجياً. وبهذا المعنى، يمكن بالطبع إضفاء صفة التحريفية وإعادة النظر على الصين، وما مبادرة الحزام والطريق إلاّ تأكيد على ذلك. ولكن يجب أن نتذكر أن نظرتنا للشؤون الدولية تتميز بنهج ديناميكي وليس ميكانيكي “.

ويشير رفائيل مارجيتي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لويس جويدو كارلي في روما، إلى أنه “من أجل تكوين صورة موثقة علمياً وكاملة للدبلوماسية الحديثة، ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لأنشطة المنظمات غير الحكومية والأطراف الفاعلة غير الحكومية على العموم. وتُفرض أحياناً معايير تُستخدم من قبل المنظمات الدولية وتقنيات المعلومات، بما في ذلك الإنترنت. وعلاوة على ذلك، تحل بعض الهياكل محل اللوائح الحكومية، مثل شركات الأدوية. لذلك، يجدر التوضيح في التقرير: ما هي الحوكمة العالمية في العالم الحديث؟”.

ويشير مارجيتي إلى أنه خلال رئاسة دونالد ترامب ، تم تقييم دور الولايات المتحدة في الساحة الدولية على أنه عامل مزعزع للاستقرار إلى حد ما، وأن سلطة المؤسسات الدولية تراجعت بسرعة. وأشار الخبير إلى أن قدرة الولايات المتحدة على إعادة النظر بالقواعد العالمية للعبة محدودة بسبب ظهور مراكز قوى جديدة، والتي من الواضح أن البيت الأبيض لم يأخذها في الاعتبار.

من الممكن تقييم دور الصين وروسيا في السياسة العالمية بشكل مختلف نوعاً ما. وسيكون من المبالغة تسمية الاتحاد الروسي بدولة تحريفية. فبدلاً من ذلك، تهتم موسكو بتحقيق توازن أكبر لمصالح الدول الأعضاء في المؤسسات الدولية الحديثة مع الحفاظ على مواقع قوية لها إلى حد ما. أما بكين، فتعتبر بعض المؤسسات العالمية والإقليمية مصدراً لنموها. ونحن بحاجة إلى إيجاد حل وسط ومراعاة الفروق الدقيقة للتنمية في إطار العلاقات الثلاثية بين روسيا والصين والولايات المتحدة. وسيتيح لنا ذلك فهم الصورة الحقيقية للأمور بشكل أكثر مناسبة والاستجابة بمرونة أكبر للتحديات الجديدة في العلاقات الدولية. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*يعمل تورين أندريه إغوروفيتش صحفياً في مجلة العلاقات الدولية التي تصدرها وزارة الخارجية الروسية. خريج كلية الثقافات في أكاديمية الثقافة السلافية. أولى اهتمامه بموضوعة النزاعات الأثنية في أوربا المعاصرة وطرق حلها، يتحدث الروسية والانكليزية والصربية.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular