بقلم : الأديب والإعلامي أحمد لفته علي – بغداد
الأدب الشعر رسالة إنسانية إبداعية ،يلمس شغاف القلب ويوقظ الألباب ويحرك الإحساس ويصور الواقع مع خطوب الذات التي تكون في محراب التأمل والهبات الفكرية مهما كانت الأزمات والمنايا ،ومنها الفساد والجهل والفقر والعدالة الاجتماعية المجروحة والحرب والاغتيال والقتل اليوم في كل لحظة وطرف وغمضة عين بلا سبب من أجل مصلحة ما ،والمعاناة والمكابدات والعقبات مستمرة ومن هنا كان الأدب الشعر مرآة واضحة للخطوب ،همنجواي الروائي الصحفي الذي مر بظروف قاسية فشل في الحب ونال جائزة نوبل وكتبه ما زالت تترجم بمعظم لغات العالم وداعا للسلاح وتشرق الشمس وعشرات الروايات وقيل انتحر في فرنسا وكتبت عن موضوع انتحاره عشرات الكتب والمقالات قسم صدق انتحاره وآخرون قالوا مثل ارنست لا ينتحر وكذبوه ،الشيخ والبحر من أجمل ما كتب ،الرواية فيها تفاسير عديدة تمثل حياة همنجواي البطل في الحرب في اسبانيا كمراسل صحفي حربي وأحب وحبيبته تركته لتتزوج طبيبا ثم رجعت إلى همنجواي ورفضها ارنست ،الحياة مراحل وألوان وشقاء وعذاب ومسرات قليلة مثل بحر أمامنا لابد من قطع مشوار العبور إلى ضفافها مهما كانت المقادير حلوة أو مرة علينا السباحة أو السير، من هذا الاستهلال أحب أن أدنو من الأديب الشاعر عصمت شاهين دوسكي الذي يعاني ما يعانيه في غربة روحية وضنك العيش وما زال الحب منهجه الإنساني تتراء صوره في قصيدة ” شهيد الحب ” فالفرق كبير وواسع بين من يزرع الورد في أرض ولد عليها وأحبها فأراد أن يجعلها جنة تليق بحبه وهو مستعد أن يدفع روحه ثمنا لبقاء أرضه طاهرة من الطغاة وبين من يزرع الخراب والدمار والفرقة والفساد والأسلاك الشائكة ليجعل من وطنه سجنا يتحكم بالعباد ومن يحب وطنه يفديه بروحه لا يمكن أن يخونه ويهلل للمحتل والفاسد من اجل مصالح شخصية ونفاق وشقاق وحقد وحسد ويظهر كأنه بطل زمانه تضحية ظاهرية صورية إعلانية مليئة بالنفاق والرياء ويعميه مال الدنيا عن قداسة تراب الوطن ونبل الوفاء والتضحية الحقيقية والإنسانية.
( أوقدت الشوق يا شهيد الحب
فصار الشوق أكبر من عشق النهار
فضاع بعدك الحب والأمان
والحلم هرب إلى بلاد غريبة المدار
كأن الليل رقدة أبدية
والفجر بلا يقظة ، بلا أسحار
كل صباح بلا لون
لا لذة في كل مساء يثار
مُلأت الجيوب
وترك الإحساس بين خراب الديار ) .
لا يمكن أن يعيش الإنسان بلا أحلام فالحلم الخطوة الأولى لبناء وطن يكون جنة لأطفالنا القادمون ،الم يكن مخترع الكهرباء حالما وكذلك الهاتف وكل ما يرتقى بالإنسان يبدأ بالحلم خطوة فخطوة من كان يتصور أن تتحرك السيارة بدون البترول نعم اليوم يعوضون البترول بالطاقة الكهربائية … وتسير الدراجة والسيارة بالطاقة الكهربائية الذي كان حلم الإنسان يوما ما ولابد تأيدا لكلامكم كي نبنى أجمل الأوطان وأرقى المدارس والجامعات فبالمعرفةً والعلم والثقافة والأدب والمسرح والسينما تبنى الأوطان لابد أن نحلم ونبنى ونخطط للقادم من الأيام وباللجوء إلى كلام القرآن في سورة يوسف الذي خطط من سنين الرخاء إلى سنين القحط والمجاعة فارشد يوسف الملك ” بالاحتياط والتخطيط ” فالتخطيط يبنى على التصور في وضع البرامج والخطط .. فاحلم سيدي الكريم وذكر إن نفعت الذكرى لمن لا يسمع !!؟ ولمن لا يرى ..؟ ولمن مات إحساسه وضميره .. أنت تحلم دائما للسمو والارتقاء ومن أجل الإنسانية أنت الحلم الطائر في بساتين وسماء الجمال بأطياف الألوان وفي ضمير الناس .!!!!
والحلم يتجلى في معظم قصائدك ومنها قصيدة ” ماذا تبيع يا ولدي ” التي اعتبرها نقاط وأسس وصور إنسانية محددة لمعالجة الواقع وتناقضات المجتمع فالفقير رغم أحلامه البسيطة فهو سعيد بها الحياة بذاتها حلم ، والبحث عن كسرة خبز حلم والعيش بكرامة حلم وعدم مد اليد للآخر حلم والاكتفاء والرضا البسيط حلم .
( ماذا تبيع يا ولدي …؟
الجبابرة باعوا كل شيء
حتى العشق باعوه بلا ماعون
ماذا تبيع يا ولدي
في زاوية الدار …؟
فالفقر يجري فينا كمس مجنون
ماذا تبيع يا ولدي
في ( صينية ) الزاد …؟
ألم يبقى طعام في البيت ليأكلون ..؟
ماذا تبيع يا ولدي
لم يبقى شيء في البلاد لم يباع
حتى الضمير المكنون …؟ ) .
روح الجمال وعرش العروش كلماتكم ورنينها تنعش القلب وتحيي الذاكرة ،الشاعر الشاهيني في سموات الإبداع ترنم في محراب الشوق والحنين بتراتيل إنسانية وتطرق الأبواب دقات منعشة دافئة وتوقظ الذاكرة وتنشطها بالعزف على أوتار القلب ..تتأمل في الأبراج وتكشف الطالع مرة وأخرى تقرأ في فنجان البخت وترنو الطوالع..تجيد العزف بالكلمات على أوتار العواطف الخاملة وتمنحها الروح …وبضاعتكم الكلمات والرسم بأجمل الألوان ويبقى للصورة أثرها في النفس وهبكم الله الريشة والدفق في العواطف النقية والكلمات الرحمانية…تحمل في الليالي المظلمة فوانيس الضياء للتائه والحائر والفقير في الدروب وترشده إلى مرافئ الشواطئ الآمنة وبشراع الكلمات ..انه درب الرسل وسلوك الصالحين في المنعطفات الوعرة .. للإنسان للحياة..
المتسلطون على الفقراء والبسطاء جاؤوا بقوة غاشمة وفرض سلطتهم الغاشمة والباطلة على الناس ونهب الأموال والمناصب وقضاء شهواتهم الحيوانية بقوة المال والظلم والتعدي على أعراض الناس الأبرياء وهو ديدن الطغاة في كل العصور وبصريح آيات القرآن ” إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34 سورة النمل( ليس من عندي من عند الله ، ورأينا ماذا حدث في مدن الرمادي وتكريت والموصل وسنجار وعفرين ومناطق أخرى من تخريب ودمار وهتك الأعراض وبيع النساء واغتصاب الصبايا وبيع أعضاء البشر وتشريد وتهجير وقتل بلا واعز من ضمير وتحت رداء الدين والدين منهم براء ، في هذه الصور الواقعية الإنسانية المؤلمة ومثلما كتب الشاعر عصمت الدوسكي عن الموصل وسنجار وكارثة العبارة وغيرها من المآسي قصيدة ” عفرين ” السورية التي عانت مثل سابقاتها من ظلم وطاغوت كبير . عفرين تجسد إنسانية الشاعر فهو لا يفرق بين التضاريس المكانية فقد كتب عن طنجة وتطوان ومليلة وغيرها فالأرض كلها أرض إلهية سخرت للإنسان لكي يعمر فيها لا يخرب ويدمر ما عليها .
( عفرين
أصبح للكلاب حقوق
وللقطط بيوت من لبلاب
وللحمير جواز مرور
وللقرود عرس وسرور
بين لألئ وموز وأطياب
وما زال الإنسان
يدمر ، يشرد ، يغتصب
يهجر الروح فوق السحاب
ما زال الإنسان يسلخ جلده
تابعا بلا جلد
ويشعل ترابا فوق التراب ) .
تحية للشاعرية الملهمة والإحساس النقي والحلم الراقي ل عصمت شاهين الدوسكى ولصوته الحزين المؤلم المحمل بشحنات الصدق والشفافية وتكاد تشاركه حزنه انه فنان تشكيلي يرسم بالكلمات أجمل العبارات والمواقف والمناظر …من يضاهيه شاعرية وإحساسا انه شاعر المرحلة يترجم أدق الأحاسيس بكلمات بسيطة عميقة نفاذه إلى دقائق النفس ويجبرك أن تشاركه بكل آهة أو تأوه أو زفرة ألم….ومع كل هذا الإحساس المبارك يعانى العوز والفقر والفاقة والحرمان ولكن لا يقف متفرجا ،ليس أنانيا أن يعطى من العدم ويقسم رغيف الإنسانية بلا حدود بلا منًه ويعطى من العدم كل ما يملك صدقا ونظافة قلب…هكذا هم العظماء دوما في مسرح الحياة المليء بالتناقضات ….في واقع متمزق بين حروب وجوع ونزوح وتهجير والسكن في خيم محترقة حينا ويغزوها الفيضان حينا آخر والأوجاع والأمراض والفقر يفتك بالإنسان بلا رحمة أو عطف ،عصمت الدوسكى روح الإحساس والرقى والعطاء الفكري الإنساني لا بد من إعطاء إشارة انه معطاء بدون طلب أو مد اليد انه سجية الإنسان الذي جبل على رسم البسمة والمشاركة الوجدانية مع الآخر بين حلم وصوت فقير وواقع وعدالة مجروحة .
*********************
احمد لفته علي
ولد فى مدينة الحبانية
– حاصل على شهادة البكالوريوس في الإدارة العامة من جامعة بغداد عام \ 1969
– عمل في جريدة التأخى محررا من عام 2005 /2010
عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين
_ عضو عامل / نقابة صحفيي كوردستان
نشر لأول كتاباته في مجلة المجالس المصورة الكويتية ومنها بدا ينشر كتاباته في مختلف الصحف والمجلات ومنذ العام 1980 وما بعدها ومازال يواصل الكتابة
– صدر له كتاب نقدي ” القلم وبناء فكر الإنسان 2019 م – دهوك “