رغم تأخرها بالالتحاق عن المدرسة خمس سنوات، لم يمنع الشابة الايزيدية شكرية خلف من اكمال دراستها في قريتها خانصور التابعة لقضاء سنجار، على واقع حياة بسيطة مكنتها من ممارسة هواية الرسم، وافتتاح صالون الحلاقة النسائية الخاص بها.
هذه الشابة (تولد 1991) انقلبت حياتها راسا على عقب بعد اجتياح تنظيم الدولة “داعش” في عام 2014، فنزحت إلى زاخو، لكن ظروف النزوح “الصعبة” لم تتمكن من احباط عزيمتها، فاكملت المرحلة الاعدادية ثم “الدبلوم في الصيدلة” لتعود موخرا إلى سنجار وتقدم خدماتها الطبية هناك.
شكرية دخلت الصف الاول الابتدائي في السن 13 من العمر، رغم ذلك لم يمنعها من اكمال تعليمها.
عندما وصلت إلى المرحلة الدراسية المتوسطة طردت من المدرسة بسبب كبر سني
لكن فرق العمر مع نظيراتها الطالبات ولد بعض المشاكل؛ مثلاً عندما وصلت إلى المرحلة الدراسية المتوسطة “طردت من المدرسة” بسبب كبر سنها، وهذا لم يشكل عائقاً لشكرية حيث قدمت اورقها على النظام الدراسي “الخارجي” واكملت مسيرتها.
وعندما وصلت إلى المرحلة الثانوية افتتحت صالون حلاقة نسائية في قريتها، وبنفس الوقت كنت تعزز موهبتها بالرسم من خلال التدريب المستمر في كل مساء عند رجوعها الى البيت.
واستطاعت في عام 2012، افتتاح معرضها الأول في قرية خانصور، وعرضت فيه 50 لوحة من نتاجاتها الفنية التي لاقت اعجاب الجمهور.
داعش يقلب الموازين
“صحيح كنت اتعب لكن ما كنت اشعر به، كنا نعيش بأمان وهدوء، وحياتنا كانت حلوة وبسيطة، لغاية ما ظهرت تنظيم داعش ودمرا كل شيء جميل” تقول شكرية.
في منتصف ليلة 3 اب 2014، هجم تنظيم داعش على مجمع اليرموك (بورك) حيث كانت شكرية وعائلتها تسكن بأقرب منه.
“فجأة بدأ صوت إطلاق النار وكأنه السماء تمطر رصاص وبدأ الخوف على الوجوه، كانوا يقولون لنا اهربوا إلى اي مكان، المهم تبتعدون عن إطلاق النار”، تصف شكرية لحظات هجوم داعش.
هربت مع عائلتها إلى جبل سنجار، وقضوا أسبوع تحت حصار التنظيم وأمضت هناك “أصعب” ايام حياتها، لتنتقل إلى الأراضي السورية، من ثم الى مدينة زاخو التابعة لمحافظة دهوك.
لسنتين، عاشت شكرية مع عائلتها المكونة من ثمانية افراد في غرفة واحدة قرب قضاء زاخو، هناك عادت لتخطط لأكمل دراستها.
لم أستطع الدوام بالمدرسة ولو ليوم واحد بسبب الظروف المادية الصعبة التي مررت بها
“خلال النزوح لم أستطع الدوام بالمدرسة ولو ليوم واحد بسبب الظروف المادية الصعبة التي مررت بها، درست في الصف الخامس الإعدادي في مخيم بيرسفي والسادس في مخيم جم مشكو”، تقول شكرية.
واستطاعت بالرغم من ظروف النزوح من اجتياز الامتحان الوزاري مما أهلها للقبول بمعهد الصيدلة في محافظة دهوك.
وبعد ما كملت متطلبات المعهد وحصولها على شهادة “الدبلوم في الصيدلة”، عادت لوحدها إلى ناحية سنوني بقضاء سنجار وتركت عائلتها في المخيم.
العودة إلى سنجار
“التحقت بالعائدين إلى سنجار الذين قرروا النهوض بمنطقتهم، وتحديت الصعوبات وبدات ببناء حياتي في منطقتي وبين اهلي، وفي كل خطوة كنت أوجه الصعوبات والمشاكل، ولكني كنت اقوى منها، فالحياة مستمرة ويجب علينا الاستمرار معها” تقول شكرية.
عملت في أحد صيدليات في ناحية سنوني، وتمكنت خلال عامين من “الادخّار” من فتح صيدليتها الخاصة، واستطاعت من الحصول على تعيين في مستشفى سنوني العام.
في فترة دراستها في إقليم كوردستان، كانت تعمل مع المنظمات المحلية والدولية كمتطوعة، وبعد عودتها إلى سنجار لم تترك عملها الطوعي وركزت على فئة ذوي الاحتياجات الخاصة لأنهم “مهملين من قبل الحكومة والمنظمات المجتمع المدني” حسب كلامها.
“المرأة الايزيدية أثبتت بصمتها على العالم اجمع وليس في العراق فقط” تقول شكرية، ونصحتها بأن “تثق بنفسها وبقدراتها وبقرارتها وان لا تقف امام الصعوبات”.
ودعتها إلى ان “تخطط لنفسها وترسم مستقبلها وان لا تسمح للاخرين باستغلالها”، ونصحت الاهالي بأن يكونوا سند لبناتهم لأن “النجاح يبدأ من العائلة ثم يزدهر بالصبر والامل والإرادة”.
بعد كل ما واجهت شكرية من تحديات عديدة، الا انها لم تترك دراستها وتعليمها، وحققت احلامها وطموحها، وحاليا تساهم في خدمة مجتمعها الذي عانى ويلات الحرب والنزوح.
عمار عزيز – نينوى