ينوه أفلاطون في جمهوريته، أن الدولة تؤمن الحرية للفرد لا ليتمتع بإرادة حرة فقط، بل بما ستساعده على أداء الخدمات المطلوبة منه. وأحزابنا الكوردية ليست فقط عاجزة عن أداء واجباتها للقضية، بل تحد كلية الحركة من أداء الخدمات المطلوبة منه للمجتمع، وبما أن معظمها دون سويات تقبل النقد، فمن غير المنطقي معاتبتها على سوية ممثلين للشعب:
أولا: لأنها مجموعات لا حول لها ولا قوة، ضعيفة وهشة، من جميع النواحي، التنظيمية، والفكرية، والمادية، والسياسية. تعيش منطق السيادة والموالي، تابعة للقوى الكوردستانية أو متسلطة عليها القوى المحتلة لكوردستان. مشتتة على خلفيات أما شخصية أو مفروضة عليها أن تكون كذلك، وبالتالي مهاجمتها ومطالبتها لحل مشاكل الأمة سذاجة، فهي ليست متقاعسة بقدر ما هي معدومة الإمكانيات. فمحاكمة الضعيف لضعفه جهالة، ومن الحكمة محاكمة الأحزاب على أسباب ضعفهم، وخلفياتها، وتقبلهم التشتت، وعرض ذاتهم كممثلين لشريحة من الشعب، في الوقت الذي لا وزن لهم، ولا قدرات، ووجودهم على الساحة تضر بتابعيهم والشعب وبالحراك الكوردي وبعدة طرق.
لهذا على جميع الأحزاب الهزيلة، والقوية التي لا تقدم سوى الخلافات على الساحة الكوردية حل ذاتها، وليس البحث عن الوحدة أو الدمج، لأنها تزيد من التفريخ، ومن نقمة الشعب على الحراك بشكل عام، ويرسخون عدمية الثقة بين الشعب، وبالتالي كل حزب مر عليه عقد من الزمن ولم يتمكن من خلق مؤسسة اجتماعية بسيطة عليه حل ذاته، وإلا فيجب أن يحاكم إلى درجة خيانة الحراك، وليست خيانة الوطن فمعظمهم شخصيات وطنية نزيهة مضحين ومحبين لقومتيهم ولا جدال على هذا، وعن الأخطاء فلا معصوم إلا الله.
معظمنا ومن كل الأجيال، كنا شهوداً على محاولات الوحدات الإندماجية بين أطراف من الحراك الكوردي في غرب كوردستان، وجل تلك التجارب إما انتهت بولادة طرف حزبي ثالث أو أكثر، أو تراجع في نشاطات المتكون الجديد، وأدت إلى ما عليه حراكنا السياسي والثقافي أيضاً.
والأغرب هي التحليلات، وتأويلات المشاركين في مسيرات ومؤتمرات الوحدة أو بناء المرجعيات، مثلها مثل لغة مذكرات بعض الحزبيين الكورد، الذين يضخمون الأنا ويغطون على الانتهازية وعلاقاتهم المريبة كما يقال، للتغطية على أسباب الفشل.
فكل فرد أو جماعة ينظر إلى محاولات الوحدة، بسلبياتها وإيجابياتها من زاويته الحزبية، مع غياب الرؤى السياسية والحكمة، إلى جانب لغة التغطية على: المواقف الانتهازية والخدع الحزبية، وضحالة التراكم المعرفي للمتصدرين للمشهد، والإملاءات الخارجية، وغيرها من الإشكاليات التي لا تزال مهيمنة على ساحة حراكنا، وبالتالي فمعظم القراءات تصدر ناقصة، لا تختلف عن الثغور المعتمة ضمن المذكرات، وتنتهي بنتائج فضفاضة، يتعذر ليس فقط عدم الاستفادة منها، بل تعمق التخوف من الإقدام على تجارب من أجل التقارب أو التوحيد أو تشكيل مرجعية، إلى درجة أصبح يرفق مع أي مطلب في هذا الاتجاه سيل من التهكم أو الريبة.
فما هي أسباب مسيرة الفشل التي غطت قرابة نصف قرن من الزمن:
هل هي الضحالة المعرفية؟
أم نتيجة خبرة حزبية، وسذاجة في السياسية؟
أم انتهازية المواقف؟
أم قدرات القوى المحتلة لكوردستان؟
أم أن التبجح بالوطنية والتفاني القومي، لا تتجاوز البعد النظري، وفي الواقع العملي لا تزال المصالح الذاتية والحزبية تفرض ذاتها.
بالمناسبة هذه السمات متضخمة في الشريحة المترٍأسة قيادة الحراك، دون عامة الشعب والشارع الكوردي، ومواقف المجتمع والقاعدة الحزبية، هي نتيجة الإملاءات القادمة من المتحكمين بالأحزاب.
بالتأكيد لسنا علماء نفس، ولا حكماء، لكن التمعن في أحكام الشارع الكوردي، والنابعة من تجارب تخص الأمة وبتجرد، تمهد لدروب قد توصلنا إلى ما نأمله.
لا الوحدات ولا المرجعيات ولا الحوارات نجحت، وسوف لا ينجحون ما دامت الخلافات الحزبية تتقدم السياسة الوطنية، أحزاب دون سويات حمل القضية بتشتتهم، في الحوارات الحالية؛ مفاهيم طوباوية تجابه مطالب حزبية ذاتية، وخلافات شخصية وإملاءات خارجية وضحالة معرفية سادت جميع محاولات التوحيد الماضية، أنهم ليسوا فقط يضعفون ذاتهم، بل يسحبون الحراك الكوردي معهم إلى الضياع، وفي أفضل حالاته إلى التبعية للقوى الإقليمية، لأن الدول الكبرى المعنية سوف تيأس منهم، ولن تحتاج إليهم وتوافقاتهم بعدما تنتهي مهماتها في المنطقة.
لذا نرى أن أبواب السؤال يجب أن تظل مفتوحة، لأجوبة علها تقنعهم، وقد تكون مفيدة ليومنا وقادم أمتنا. لا يعني ما قدمناه أننا نرفض كليا مسيرات الوحدة أو تشكيل مرجعيات، بل ننوه إلى أن العمل بالأساليب الكلاسيكية مدمرة، فقد خلقت من السلبيات في المجتمع بلغت حد الوباء، أنشطر من الحزب الواحد العشرات، وولدت العشرات غيرهم، وفي الواقع العملي ظل الشعب دون حراك سياسي متمكن يمثلهم. مع ذلك لا زلنا نؤمن بمبدأ التنافس والاتفاق على نقاط التقاطع الوطني، ونأمل بنجاح الأصوب وليس الأحنك حزبياً.
ومعها نكرر، على كل حزب تابع أو تم تشكيله بإملاءات، ولا قدرة على تأسيس مؤسسة مدنية، ويجد في ذاته الوطنية الصادقة حل ذاته، لننتظر من سيكون المثل لغيره؟ لأن الإقدام على الحوارات من مبدأ تجميع القوى الحزبية، أثبتت وعلى مدى العقود الماضية فشلها، والإتحاد مع الأحزاب المسيطرة لم ولن تنجح، مثلما سيطرة الأحزاب الكبرى لا تعني الانتصار، ولا التنازل للوطن والشعب وحل الحزب يعني الفشل أو الهزيمة. يتطلب منا جميعا البحث عن أليات جديدة، وأساليب مختلفة، لخلق قوة وطنية كردية تكون على سوية حمل القضية ومشاكل الأمة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
15/5/2021م