كثر اللغط في اليومين الأخيرين حول قرار إدارة جو بايدن رفع الحصانة والغطاء القانوني عن شركة النفط الأمريكية (دلتا كريسنت إينرجي) وبالتالي قد يطبق عليها قانون قيصر، وهو ما سيؤدي إلى فسخ عقدها مع قوات سوريا الديمقراطية، فيما لو لم تنجح محاولاتها الدبلوماسية للحصول على الحصانة.
فتركزت تحليلات المراقبين على القضايا الشكلية للقرار:
1- إدارة جو بايدن بينت للعالم على أن الولايات المتحدة الأمريكية متواجدة في المنطقة الكوردية ليست من أجل النفط، كما قالها ترمب يوم تراجع عن سحب القوات الأمريكية من المنطقة، ودرجت الكلمة للتغطية على الخدعة التي حبكت ما بينه وبين روسيا وتركيا، أو كما قيل كان تمويها للخطأ الذي تم فيه السماح لتركيا باحتلال ما بين سري كانيه وكرية سبي.
2- تدرج ضمن سياسة إلغاء جميع الصفقات، والعقود التجارية، والحد من أعمال الشركات المشبوهة التي تكونت في عهد ترمب، والتي أقدم عليها، أو أسسوها أقطاب من الحزب الجمهوري، كرد جميل لهم على خلفية دعمهم لسياسة دونالد ترمب المتناقضة مع إستراتيجية أمريكا كإمبراطورية متكاملة وليست اقتصادية ربحية فقط.
وهناك من القضايا التي لا يتم البحث فيها، ومنها:
1- تصحيح مسار التعامل الأمريكي مع الإدارة الذاتية على المبدأ السياسي والإنساني، وليس الربحي-الاقتصادي. وعليه تم إعفاء الشركة من الحصانة، دون إجراءات مماثلة على الإدارة الذاتية على خلفية علاقاتها الاقتصادية مع السلطة، وهي دلالة على الخصوصية المتمتعة بها مقابل ما يتم بحق سلطة بشار الأسد من العقوبات والحصار، وعليه تظل الأبواب مفتوحة للإدارة لإقامة علاقات اقتصادية تجارية مع الخارج، الأمريكي أو غيرها من دول التحالف المتعاملة مع الإدارة الذاتية.
2- على مدى سنة كاملة لم تنجز الشركة أكثر من بعض الخطوات الثانوية، وجميع موظفيها في المنطقة لم يتجاوزوا 15 شخصا، ولم تقدم خطوات عملية لتصريف جزء من النفط المنتج والمرسل كثيره إلى الداخل، علما قيل إنها اتفقت مع شركتين أمريكيتين لشراء نفط المنطقة بقيمة قرابة مليارين ونصف المليار دولار، مع مخطط لبناء مصفاة في المنطقة لتأمين احتياجاتها وتنقية البيئة.
مع ذلك أخطأ العديد من المحللين عندما وجدوا أن القرار بداية تراجع في الدعم الأمريكي لقسد والإدارة الذاتية، وعرضوا على أثرها تأويلات حول الاحتماليات البديلة، ومنها إن أمريكا تتجه إلى نقل النفط عبر تركيا كخطوة لتقريب العلاقات، المتوقعة في حال تم عرضها عليها؛ أن ترفضها على خلفيتين:
الأولى، لئلا تعيد تجربة العراق ونفط الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، وهي الأن أمام احتمالية محكمة، قد تطلب منها حكومة بغداد تعويضاً تبلغ قرابة 26 مليار دولار.
والثانية، أنها لن تعيد الخطأ الذي دخلته يوم تهاونت مع إقامة فيدرالية جنوب كوردستان وهنا قد يساهم هذا القبول على تقوية الإدارة الذاتية لتتحول إلى فيدرالية مشابهة، وهي مدرجة عندها ضمن قائمة الإرهاب، وتعمل لإقناع أمريكا بوجهة نظرها.
جل ما نشر؛ تحليلات منطقية، حتى ولو كانت بعضها عدائية، لكنها مؤكدة، لأن المصادر موثوقة، وبعضها علنية، مثل: خلفيات الشركة، والفترة التي تكونت فيها، وكيف خرجت من حضن الشركة النفطية المعروفة (گلف ساندز بتروليوم-Gulfsadns Petroleum PLC)، وبمساهمة أقطاب من الحزب الجمهوري، للحصول على أرباح شخصية في ظل إدارة ترمب.
لكن الأبعاد الإستراتيجية لإدارة بايدن، أو توجهاتها السياسية حول المنطقة، ومآلات القرار، شبه واضحة، إن كانت بالنسبة للإدارة الذاتية أو لقوات سوريا الديمقراطية، أو ما ترسمه لمستقبل المنطقة الكوردية ووجودها هناك، والتي من المحتمل أن تتحول إلى إحدى مناطقها الإستراتيجية في الشرق الأوسط، خاصة بعد انسحابها من أفغانستان وتخفيف قواتها في العراق.
كمقارنة، القرار في إطاره العام وخارج دوافع إعادة ترتيب ما عبث به إدارة ترمب، يتناقض مع ما يجري على أرض الواقع في البعد السياسي، وتحركات مبعوثي الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي ترتفع سوياتها شهر بعد أخر، وهي واضحة من خلال الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تعرض على قيادات الإدارة الذاتية كمقترحات، ومنها:
1- تعديل وتوضيح موقفها، من إدارات سلطة بشار الأسد المتواجدة في المنطقة (وجود المحافظ، ومدراء المناطق والنواحي، المربعات الأمنية) وعدم مساعدة أو التعامل مع سلطة بشار الأسد، اقتصاديا، وقد تدرج هذه مستقبلا ضمن قرار قيصر للحصار.
2- التعامل مع الحركة الكوردية المعارضة بأسلوب ديمقراطي، ومشاركتهم في بعض المجالات الإدارية.
3- الفصل ما بين قوات سوريا الديمقراطية كقوة عسكرية وتدخلاتها في السياسية الداخلية والخارجية. وكنا قد نوهنا إلى أن هذه الصفقة مع شركة دلتا النفطية غير قانونية رغم موافقة إدارة ترمب لها، ومن أحد نقاط ضعف الاتفاقية هي أنها مع القوة العسكرية، والقابلة حتى لإرسالها إلى المحاكمة ضمن أمريكا.
في الواقع القانوني، لا يحق لقوات سوريا الديمقراطية تجاوز الإدارة المدنية السياسية وعقد مثل هذه الصفقات التجارية مع الشركات الخارجية، كالتي تمت مع المركز الإستراتيجي للعلاقات الدبلوماسية، وهي شركة ربحية صرفه، يحصل رئيس الشركة، على راتب شهري قدره 6000 دولار شهرياً من قوات سوريا الديمقراطية، وهو أيضا من الحزب الجمهوري، ولا يستبعد أن يظهر قراراً مماثلا هنا مثلما حصل لاتفاقيتها مع شركة دلتا.
في الواقع السياسي، وحسب العلاقات الدولية، مرفوض للقوات العسكرية عقد صفقات تجارية خارج إطار العقود العسكرية. فمع وجود ممثل عن مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، يتوجب على الإدارة الذاتية التحكم بمثل هذه الاتفاقيات، والحد من تجاوزات قيادة قسد في العلاقات الخارجية، وإن تم يجب أن تكون عن طريق ممثلي الإدارة الذاتية، في واشنطن أو غيرها من الدول، أو توسيع مهام ممثلية مسد.
لا تحتاج الإدارة الذاتية إلى الكثير، للحصول على مستقبل ناجح مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي تظهر حتى الأن أنها تتجه إلى دعمها لتتحول إلى كيان سياسي معتبر، وتصبح مشاركة في تحديد مستقبل سوريا، بحيث يتم تكوين نظام فيدرالي لا مركزي. فإلى جانب الواقع الداخلي، وتعاملها مع الأطراف الكوردية، ومواقفها من السلطة والمعارضة العربية، والتي بحثنا فيها ضمن مقالات سابقة، لا بد من العمل على تحسين الظروف المعيشية للمجتمع، وتصليح البنية التحتية للمنطقة، وغيرها من الخدمات التي لا بد منها، لخلق نوع من الاستقرار، والحد من نزعة الهجرة، والتي ستؤثر إيجابياُ على مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة.
وفي المعادلة الخارجية، لا بد من التخصص عند عقد الصفقات، وهو ما بدأت تركز عليه إدارة جو بايدن، تتوضح من خلال سوية ونوعية مبعوثيها ما بين الممثلين عن وزارة الخارجية ووزارة الدفاع (البنتاغون) وممثلي الشركات الاقتصادية والمراكز الثقافية، ومن المفروض على الإدارة السياسية الذاتية التركيز على توجهها نحو الفيدرالية للمنطقة والسلطة اللا مركزية لسوريا، دونها صفقات أو علاقات تجارية يجب أن تخصص لها هيئات أكاديمية.
وعليه لا بد من تجاوز مرحلة الدمج العسكري السياسي، التي تمر بها معظم حركات التحرر العالمية، فدول التحالف، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية الجديدة، بدأت تدرس المنطقة الكوردية وإدارتها الذاتية ككيان سياسي، وجزء فيدرالي ضمن سوريا، حتى ولو كانت تعرف بالإدارة الذاتية، وللأسف لا يتم العمل على هذا المنحى حتى اللحظة، وهذا المنطق هو ذاته المؤثر بشكل سلبي على علاقات قيادتها مع الأطراف الأخرى من الحراك الكوردي، فكما نلاحظ أن الحوارات تتحكم بها خليط من الجهتين العسكرية والحزبية ضمن الإدارة الذاتية، وبالتالي تبرز التناقضات في الأحكام، مثلما تؤثر الإملاءات الخارجية والقرارات الذاتية على مواقف المجلس الوطني الكوردي.
وهذين الطرفين وواقعهم هو الذي يدفع بهما إلى التفرد بالحوارات وعدم إشراك الأطراف الأخرى في الحوارات، تحت حجة احتمالية توسع الخلافات، ولا نستبعد أن تؤثر استمرارية الخلافات سلبا على موقف إدارة جو بايدن، وتحرجها أو تضعفها أمام الدول المعنية بالقضية السورية والمعادية للكورد.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
30/5/2021م