لا تجمعنا ومغتصبي عفرين، أية قرابة، لا الدم، ولا الانتماء الوطني، ولا العرق، ولا الإنسانية، ولا الدين، ولا القبس الإلهي. قادة منظمات تتاجر بالضمير، لا قيم لها، ولا تبالي بالأخلاق. حثالات بشرية خارج الزمن، مرتزقة باعوا الوطن لمصالح ذاتية، يتاجرون بالزيتون لنزعات لا أخلاقية، بينهم مجموعات تدمر وتسرق وتنهب لإرضاء سيدهم، وأخرى تعاني من أمراض نفسية، بعضها جراء الحرب الممتدة على مدى عقد من الزمن.
كانت هناك معارضة سورية، ومطالب وطنية، حلت مكانها المنظمات الفاسدة كالتي تغتصب عفرين اليوم، وشرائح من الانتهازيين والمرتزقة، ساهموا مع سلطة بشار الأسد في تحويل سوريا إلى مرتع لكل الطامعين بجغرافيتها وخيراتها، خلفت وبعد عقد من الزمن حثالة العمشات، وجماعة السلطان سليمان شاه، ومراد شاه، والحمزات، وما يسمون بأمر من أردوغان بالجيش الوطني، الذين اجتاحوا الباب وجرابلس تحت شعار الجهاد، ودمروا عفرين وغيرها من المناطق الكوردية، تحت منطق التحرير.
شردوا قرابة نصف مليون من الشعب الكوردي، أبناء عفرين، ينفذون مسيرة التغيير الديمغرافي، بخطط مشابهة لأساليب البعث ونظام الأسدين، بنوا مستوطنات للعرب من أبناء الداخل، والفلسطينيين، كمستوطنات الغمريين، بلغت نسبتهم قرابة 400 ألف مستوطن، سيملكونهم لاحقاً مزارع الزيتون. تجاري كل ذلك التغيير الثقافي والاجتماعي والتدمير الاقتصادي، وعمليات الخطف والاعتقالات والاغتصاب، بحق أبناء المنطقة والتي بلغت سويات جرائم بحق الإنسانية، لا شك أنهم ليسوا بتلك القوة لولا عرابهم أردوغان، وصبي قطر.
قبل أربعة عشر قرن، تم سبي كوردستان بغزوات مماثلة لما يجري اليوم في منطقة عفرين وغيرها، دمرت الحضارة الساسانية وقضيت على الأديان التوحيدية، الزرادشتية والمانوية والمزدكية، ومثلها المسيحية واليهودية، شوهوا وعلى مر التاريخ روحانياتهم ومفاهيمهم، وألصقت بهم الموبقات، غطوا على الدمار بمنطق الفتوحات، المصطلح الذي أثاره ياقوت الحموي (1179-1229م) بعد قرابة خمسة قرون من عصر الغزوات، وتبارز الفقهاء المسلمون من بعده على تطويره وتلاعبوا بالمفهوم، لتجميل الغزوات التي خرجت عن منطق جهاد الدفع، الجدلية التي تبنتها المنظمات التكفيرية الإرهابية على مر التاريخ، وأخرها منظمة داعش والمعارضة العربية السورية (يستثنى منهم أبناء الثورة والمعارضة الوطنية) الذين استخدموها منهجية الجهاد للتغطية على جرائمهم ويبرروا بشائعهم في شنكال وعفرين وغيرها من المناطق الكوردية المحتلة.
سوف يبرز دعاة، يقولون إن القائل لا يميز بين الغزوات والفتوحات، وأخر سيقول لا يفرق بين الإيمان والكفر، لكنهم سيتناسون أو لن يدركوا أن التنظيمات المعنية وقادتها مرفوضة في المجتمع الإسلامي الصادق والتي هي فرقة مقابل 72 فرقة ضالة، بين الضالين والمنافقين مغتصبي عفرين، أعمالهم لا تمثل الوطن ولا منهجية الجهاد. ما نطرحه هنا؛ مقارنة دقيقة، حتى ولو كانت على أبعاد مجازية؛ تختلف حسب الظروف وحملة المفاهيم والقناعات، لكن يبقى المنطق؛ هو أننا أمام تنظيمات تدعي، الوطنية والسلفية، تعبث بعفرين وأبناءها الكورد، ولم تقف في وجههم أية منظمة إسلامية اعتبارية، بل وبالعكس جلها دعمتهم إما بالصمت أو التأييد اللا مباشر، إلى جانب قوى سياسية إسلامية قدمت لهم الكثير من الدعم والتأييد.
وكرد على منهجيتهم نقول إن الغزو العربي-الإسلامي لم يكن فتحا، وأن الإيمان والكفر مفاهيم نسبية تختلف حسب الأديان ومعتنقيها، وأن هؤلاء الحثالات عبثت ولم تكفر، بل دعمت من قبل تركيا الأردوغانية وقطر، وبعضها الأخر دعمت من ولاة أئمة الفقيه الإيرانية، وهو ما أدى بشعوب المنطقة وخاصة الشعب الكوردي وخاصة الإيزيديين والمسيحيين منهم، اللجوء إلى المنظمات الإنسانية العالمية وليست الإسلامية الخانعة والراضية على الجرائم، وكأنه الجهاد.
بمنطقهم هذا، كان على المؤرخين تسمية الحروب الصليبية بالفتوحات المسيحية، واكتشاف أمريكا بالفتوحات الأوروبية، وهناك الفتوحات العربية-الإسلامية، وبالتالي فكل حروب البشرية فتوحات، ومن بينها غزوات المغول والتتار والبرابرة.
كثيرا ما ينعت الفقهاء المسلمين، المؤرخون الذين يوصفون الفتوحات بسماتها الحقيقة، الغزوات والاحتلال، بأبشع الكلمات، علما أنها تأويلاتهم التاريخية لا علاقة للنص أو الدين بها. خاصة الذين يؤمنون بجهاد الطلب، أي جهاد العنف والسيف، وتوسعوا في التلاعب بالمصطلحات التاريخية، إلى أن فرضوا منطق الفتوحات على الشعوب التي عانت من السبي والتدمير والقتل، ولم تحدهم تكرار السؤال الأبدي، كيف يمكن إدراج غزو المناطق والجغرافيات والشعوب والأديان، وتدمير المدن وسبي وتشريد الملايين من النساء والأطفال، تحت منطق الفتوحات؟ مثلما يدرجون اليوم اغتصاب عفرين وسبيها تحت منطق التحرير.
لا شك غاية معظم الغزاة أو الفاتحون (جدلاً) كان النهب والسبي، استخدموا لأجلها كل أنواع الجرائم، بشعت فيها القبائل الجاهلية المعانية من شظف العيش، أنه منطق الغزاة في التاريخ، غلفوا حروبهم بالأغطية الأخلاقية وبرروها بطرق متنوعة. ولا شك أن السلب والنهب والتدمير والسبي كانت مأرب الجنود، والاحتلال والسيطرة غاية قادتهم، ولم تحيد عن هذا المنطق القبائل العربية-الإسلامية وقادتهم، وإلا فكيف أصبح للصحابي عبد الله بن الزبير أبن العوام قرابة ألف إمة وسبيه، ومثله كثيرون من الصحابة، ولم يبقى عربي دون سبية أو موالي، أو أموال منهوبة من الغزوات، حتى أولئك الذين لم يغزوا، إلى درجة أصبح عدد السبايا والإمات والجواري أكثر من أبناء المدينة ومكة؟ وفي هذا توجد العشرات من المصادر والكتابات التاريخية من العصر ذاته.
فما جرى ويجري في عفرين وشنكال، من السبي والتدمير والنهب، غزو بكل أبعاده، وما تنشره المنظمات الإجرامية على الإعلام على أنهم حرروا المناطق الكوردية، انحطاط خلقي، فهم مرتزقة القوى الإقليمية وأدوات رخيصة تستخدم لتنفيذ الأجندات التركية، لا حدود لدونيتهم؛ لأنهم قدموا أجزاء من الوطن لأعداء الأمتين العربية والكوردية. فمن مَن تم تحرير هذه المناطق؟ ومن هم المحررون؟ ولمن هي انتمائهم؟ لأوطانهم، سوريا والعراق، أم لتركيا وإيران؟
المرتزقة التكفيريون الذين يحتلون اليوم شنكال وعفرين والمناطق الكوردية الأخرى، هم نسخة من القبائل التي لم تكن تفهم أبعاد الدين الجديد، مثلهم لا يميزون بين جهاد الطلب وجهاد الدفع، فيفرضون منطق أهل الذمة على الكورد المسلمين وأهل الكفر على الإيزيديين والمسيحيين، مع ذلك فهم دون القبائل العربية الغازية عزة وكرامة، وقيم، أولئك كانوا يغزون من أجل الذات، لكن هؤلاء خدمة لأسيادهم الترك والفرس، وصبي قطر، رسالتهم عهر أمام رسالة القبائل العربية الإسلامية، رغم بشاعات ما جرى حينه.
قادة المنظمات المغتصبة لعفرين، يكفرون الفقهاء المسلمون الذين يعيدون النظر في تاريخ الجهاد، أمثالهم هاجموا شيخ الأزهر الأسبق (محمود شلتوت) الذي أنكر الفتوحات في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) وعندما ذكر أن جهاد الطلب باطل، كأنما يقول الأن أن منطق تحرير عفرين من قبل المنظمات التكفيرية عهر وباطل، فعلى هذه المنهجية يكفرون من يرفضهم، ويخونون من لا يعتبر الاحتلال التركي منقذاً، ويسلبون وينهبون من لا يدفع لهم الجزية، يطبقون بحق كورد منطقة عفرين مبدأ الغزو، فيشردون الأهالي من بيوتهم، ويفرضون الأتاوات على المزارع والمحلات وغيرها من الجرائم.
سقطت كل الأقنعة الوطنية في شوارع عفرين وشنكال، وفي حقول الزيتون والتين، فكما نعلم أن الصراع الداخلي العامل الأول لتقسيم الوطن، نعلم أيضاً أن الولاء لمحتلي أرض الوطن عامل الخيانة الكبرى، فالخائن لوطنه كافر بمنهجية النص الإلهي، تعرت أعلى سويات وطنية المنظمات التابعة لتركيا وقطر، يوم نهبوا عفرين وسكتوا على سبي الإيزيديات من شنكال، ويوم تم تدمير المزارات والكنائس في منطقة عفرين، وحولت إلى مساجد، وهجرت الألاف، وقطعت مزارع الزيتون، ونهبت وسرقت أملاك المواطنين، وبنيت المستوطنات.
نعم قتلوا منطق الوطن، وأثبتوا على ذاتهم خيانته، وحكموا على نفسهم لعنة التاريخ والشعوب السورية، أنهم في خانة المجرم بشار الأسد وحاشيته، كلاهما وجهين لصفحة من أبشع صفحات التاريخ السوري. ستظهر العدالة يوما ما مهما طال الزمن، وهؤلاء أن كانوا أحياء أو في الرفات، ستلعنهم شعوبنا والأجيال القادمة على ما فعلوه، ويفعلونه.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
5/6/2021م