بسم الله الرحمن الرحيم
وَقُل رَبِ زِدْ نيِ عِلْماً
إنًماَ يَخْشىَ اْلَلَه منْ عِبَادِهِ اَلْعُلَمَاء
يَرْفِعَ اللَهُ اَلِذًينَ أمنوا مِنكُمْ وَاْلًذِينَ أُوتُواْ اْلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
(صدق الله العظيم)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين أما وبعد:
(كيف نربي أبناءنا تربية صالحة)
إن الجواب على هذا السؤال وما يتفرع عنه له أهمية بالغة في ميدان التربية والتعليم فتربية الأبناء تربية صالحة هي الأساس المتين في إعداد الفرد الصالح والأسرة السليمة والمجتمع الفاضل.
وتربية الأبناء اليوم تتعرض لمخاطر كثيرة:
- منها تقصير الأبوين المكلفين قبل غيرهما في تربية أبنائهما.
- ومنها قصور التعليم الحالي الذي أغفل جوانب مهمة في تربية الأولاد ولم يحط الإحاطة الشاملة التي تلبي حاجة الإنسان الروحية والفكرية والخلقية والجسدية.
- ومنها ترك المجال أمام دعاة الغزو الفكري والأخلاقي لبث سمومهم.
- وترويج أفكارهم ليعملوا على هدم أخلاق الناشئين وتحطيم قيم أبناء الجيل.
- ومنها تقليد بعض المربين للمناهج الغربية والأخذ بكل نظرياتها من غير تمحيص ولا تحقيق في الوقت الذي أثبتت دراسات المحققين والنقاد قصور المناهج الغربية وتناقضها وخوائها الروحي وحاجتها الماسة إلى الإصلاح والتعديل.
- ومنها الغفلة عن مصادر المنهج الإسلامي في التربية والذي يولي تربية الأولاد أهمية بالغة – ويمتاز عن غيره من النظريات بالشمول والتوازن والواقعية ووحدة التلقي.
هذه الأسباب وغيرها أدت ولا تزال تؤدي دورها في إضاعة عقول أبنائنا وإبعادهم عن قيمهم وأخلاقهم وثقافتهم وتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم.
(وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا(أحمد شوقي)([1])
إن البعد عن مصادر ثقافتنا وهجر أساليب تربيتنا والانسياق وراء النظريات المستوردة سيورث أبناءنا ضعف الإرادة وفراغ العقل وخواء الروح.
إن العودة إلى معين التربية الدينية وعودة الأبوين والأسرة لتولي مسؤوليتهما تجاه أبنائهم وعودة المربين الصالحين للأخذ بأساليب التربية الدينية الصحيحة التي تعني بتربية النفوس عنايتها بتربية العقول والأجسام هو الطريق الصحيح الذي يصنع الجيل الصاعد والمجتمع الفاضل والأمة الخيرة([2]).
وإن الإنسان – أي إنسان لا يمكن أن يحيا بدون دين، وحرية الفكر والأمة– أي أمة – لا يمكن أن تعيش بدون عقيدة ، وتعاليم تحكم تصرفاتها– فلم يذكر التاريخ أناساً عاشوا على هذه البسيطة دون أن يتدينوا بدين- أو يتحاكموا إلى تعاليم- ولا أدل على ذلك من هذه العقائد المتعددة – والعبادات المتشعبة- والتعاليم الكثيرة – ليس في البلاد أجمع – بل في البلد الواحد – وليس في الأديان جميعاً – بل في الدين الواحد.
وكما قال الأستاذ محمد على عوني في ترجمته لكتاب خلاصة تاريخ كرد وكوردستان (الجزء الأول):
(وأما من رأى رُقْيٍ شعبهِ في تأخرِ الشعوبِ الأُخْرَى – فقد غمرتهُ الأوهامُ وجهل أنَّ البيتَ بأفرادِه – والمدينةُ بأسرها – والإسلامُ بشعوبه – وأينَ للإسلامِ – أن ينهضْ – من دونِ أنْ تنهضَ شعوبه)([3]).
صلاح الدين هذا الرجل الذي ظهر وبشكل قوي في الشرق والغرب وبين أحضان العالم الإسلامي خاصة في أواخر القرن السادس للهجرة – الثاني عشر الميلادي أي قبل ما يقارب /900/ سنة– هذا النسر الذي انطلق من بين أحضان شعبه الكوردي وخاصة من بين الأسرة الأيوبية، هذا القائد العبقري في السياسة وأكبر عالم بمخططات الحروب آنذاك– حفر اسمه وجبروته وأخلاقه لعقيدته الإسلامية وانتمائه الكوردي على كل لسان ــ فقد حاول البعض وخاصة من أبناء جلدته بتشويه سمعته في القرن العشرين– وهذا لم يؤثر به بقدر ريشة من جناحه الممتد ما من الشرق إلى الغرب – ومن الشمال إلى الجنوب.
وأصبح واحداً من أعظم الرجال في الغرب والشرق ومن بين مماليك أسرته – ولم يشعروا به إلا بعد حين – واشتهر في عصر أصابت النكبات ديار العرب وضنَّت عليهم بالأبطال أمثال صلاح الدين في فلسطين – فأصبح هذا الكوردي المسلم رمزاً لهم في زمن سابق سرعان ما نسوا أحفاده، وتنكروا لحقوقهم المشروعة سماوياً وقانونياً هذه الحقوق التي شرعها العلماء والمفكرين في كافة أصقاع العالم الإنساني– فكيف تمجد يا أخي العربي المسلم بهذا الرجل وقد نُكرت وشوهت تاريخه وتاريخ أحفاده على أرضهم وفي عقر ديارهم.
ولا حاجة من أي فرد أن يوصف هذا الرمز الكوردي الزرزاري– ومهما وصفوه لا أحد يمكن أن يحل اليوم محله ولا في الغد إلا الأنبياءُ.
فصلاح الدين ليس بشخصية أسطورية مسرحية نحاكمها اليوم في القرن العشرين – ولكن كان شخصية تاريخية في زمانه ومن الصعب أن نلومه بتقصيره بشيء ما، فهو لم يقصر في ذاك الزمان– لأنه ابن عصره – وتصرف بقدر اجتهاده وبقدر مفهومه للسياسة والدين الإسلامي بذاك العصر.
لذا عيب على الذين يعبثون اليوم بحقدهم على الماضي– ليأتوا اليوم ويقولوا: إنه أخطأ في كذا وكذا.
ألم يسمعوا ما قاله عنه عظماء الغرب وهم أعدائه لقد مدحوه وهو العدو الأوحد لهم أما سمعتم بهؤلاء مثل– بوليفار– وجان دارك– وسان مارتين– وويلنغتون – وتشرشل– ونابليون– وبطرس الأكبر.
فتأتون اليوم وتقولون بمجرد أنكم سمعتم من غوغائي أو قرأتم كتاباً يقول إنه أخطأ ومن دون تحليل عقلاني يستند إلى العلم والمعرفة– ويا للأسف من هذه الأقاويل المُطَلْقةِ في الهواء– نعم في الماضي حاول ابن الآثير أن يدُسَ السمَ في أقواله وأفعاله ولكن الأحرار المخلصين من الكورد والعرب وقفوا بالمرصاد له وكشفوا عن دسائسهِ– وبيَّنوا أنها كانت بسبب ولائه لابن الزنكي وابن أبي طي لتعصبه المذهبي.
أما يسأل هؤلاء الناس أنفسهم لماذا يهاجمون رمزاً من رموز التاريخ لأمته الكوردية ودينه الإسلامي– فيأتوا اليوم ليهدموه بأيديهم – فهل سيرتاح ضميرهم وترتاح إنسانيتهم إن هدموا هذا التاريخ الذي انطلق من بين صفوف أبناء جلدته وأجداده الذين شاركوا بتلك الحروب– فهل يريد هؤلاء الناس اليوم أن ينكروا أصل صلاح الدين وتاريخهُ في نصرة الأخوة في ذاك العصر الذهبي للأمة الكوردية بشخصيته وشخصية أمرائه الكورد.
ماذا قدمتَم أنتَم في هذا العصر واليوم، سُجِلَّت لكم بطولةٌ في التاريخ الذي تعيشون فيه غير التشتيت لشعب شُتَتَ من قِبَل إمبراطوريتين في التاريخ– انهضوا من غفلتكم، الأعداء متربصون بكم وبنا، وبالمخلصين لأنفسكم ولشعبكم ولتاريخكم يا ناكري الوجودْ لعظيم من عظماء الكورد– هل ليكونوا لقمة سائغة بين أيديهم من دون جهد أو عناء.
أليس من الواجب علينا نحن أحفاد صلاح الدين أن نحافظ على مكانة هذا القائد العظيم صلاح الدين بتاريخه الإنساني كله كونه إنسان سياسي وقائد استراتيجي
وبطل إسلامي– ورجل من خيرة رجال أبناء الكورد في عصره وزمانه.
كيف يمكن للشجرة غير المثمرة تعطي ثماراً ؟ وهل لقصار القامة أن يتطاولوا على العمالقة ؟ لذا على المرء أن يقول الحقيقة في كل زمان ومكان، وأن يستفيد من تجارب الغير، وأن لا يخطو خطوة في الظلمة.
هل أيقنتم أن الحروب الصليبية كانت من أجل أن نهب اقتصادكم بشكل خاص واقتصاد المنطقة بشكل عام ؟ وأن الصليبين كانوا يستترونُ وراء الدين والكنيسة – هل التمستم ماذا فعل الغرب بكم وبغيركم من الشعوب الشرقية ؟ أما تقاسموا البلاد ونهبوا الخيرات ودسوا الدسائس وشوهوا عقيدة الديانة الإسلامية وحتى المسيحية والأيزيدية، ألم تفكروا يوماً بالمستقبل؟ ألم تدركوا يوماً بأن الشرارة الأولى أُطْلِقتْ كوردستان في ولاية الموصل بحكامها رغم أن بغداد كانت مركزاً للخلافة العباسية ومنارة علمية واقتصادية وليست مدينة حرب فقط كما قال عنها كُتاب كثر لذا تحولت الأنظار إلى ولاية الموصل لأنه كان يوجد فيها محاربين وتعتبر المركز الاقتصادي وصلة الوصل بين بلاد فارس ومنطقة المتوسط والعالم الغربي ومن أهم المحاربين سنقر البرسقي الذي اغتيل على أيدي الإسماعليين لأنه نكر في حلب سنة 518هـ لوقف مهاجمة الصليبين عن حلب.
فانطلقت هذه الفكرة من تكريت ثم الموصل إلى حلب ثم دمشق وصارت الموصل مركزاً استراتيجياً ثم استؤنفت هذه الانطلاقة من دمشق إلى القاهرة على يد صلاح الدين لتحرير القدس بعد معركة حطين.
وامتد نفوذه من ليبيا إلى اليمن والشام، واستطاع صلاح الدين أن يقف في وجه كل الحملات الصليبية وتصدى كذلك للخطر المغولي القادم من الشرق أيام الظاهر بيبرس وقلاوون وابنه خليل، ومنذ غياب صلاح الدين وحتى أيامنا هذه نرى بأم أعييننا نتيجة الدمار(المعنوي– والمادي)الذي حلَّ بنا يا من تحقدون على أعظم رجل سطر اسمه بأحرف من ذهب في صفحات التاريخ العالمي وهو كوردي خدم الشعب الإسلامي من عرب وعجم، ولم ينسى يوماً أنه من أبناء الكورد.
هذا هو صلاح الدين الذي وصفه الخليفة الناصر: (بأنه جمال الأمة وفخر الملة وصفوة الخلافة وتاج الملوك والسلاطين، قامع الكفرة والمتمردين، قاهر الخوارج والمشركين، فخر المجاهدين، ألب غازي بك أبو يعقوب يوسف بن أيوب، أدام الله علوه على هذه السجايا مقبلاً)([4]).
وقد عرف في كتب التاريخ المدونة في الشرق والغرب بأنه فارس نبيل وبطل شجاع وقائد محنك، وهو من أفضل من عرفتهم البشرية وشهد على أخلاقه أعداؤه من الصليبيين قبل أصدقائه وكتبوا سيرته، إنه النموذج الأمثل لشخصية عملاقة من صنع الكورد ودينه الإسلام إنه البطل صلاح الدين الأيوبي محرر القدس من الصليبيين وبطل معركة حطين، الذي استطاع في أواخر حكمه توسيع رقعة الدولة الأيوبية الكوردية فشملت كل من سوريا ولبنان وفلسطين ومصر والسودان واليمن وقسم من ليبيا غرباً والإمارات الكوردية في كل من إيران وتركيا وشمال العراق شرقاً مع حفاظها على حكمها الذاتي.
(إذا كان هناك أفراد من الكورد يعتبرون أنفسهم مثقفين ومؤرخين إلا أنهم غير مطلعين على حقائق تاريخهم ولا التاريخ الشرقي ولا الغربي، وهم متحاملون وحاقدون على صلاح الدين وغير مدركين لحقيقة موقف كل المتعصبين من العرب والعجم من فرس وترك الذين استغلوا الدين في عداء قضيتنا المضطهدة أسألهم: هل سيتبرأ الكوردي من رموز كورديته عندما يرى البعض يقطعون آذان إخوتهم ويرهبون الكورد باسم القضية الكوردية).؟
ولكن هناك من تصدى لكتابة التاريخ لا بقصد تدوين التاريخ بل لطمس فضائل واختراع فضائل، خدمة لبعض الحكماء والطامسين للتاريخ القديم ولإظهار تاريخهم أمعنوا في التجاهل وإكثار المظالم– ورفعوا شأن من يشاديهم في العلى وحطموا العارفين في علوم التاريخ وغيرها.
ولما ضعفت الخلافة في أواخر القرن السادس من الهجرة وكانت في ملك العبيديين خلفاء القاهرة من الشيعة واختل أمرهم- زحف الفرنجة إلى بيت المقدس فملكوه وملكوا معه عامة ثغور الشام، وبنوا على الصخرة المقدسة كنيسة افتخروا ببنائها حتى قيَض الله للإسلام صلاح الدين الأيوبي فجاهد الفرنجة وطردهم من تلك المنطقة حوالي سنة 580 من الهجرة، وهدم الكنيسة، وأظهر الصخرة وبنى المسجد على النحو الذي هو عليه اليوم.
المصادر:
1 – الكتاب : موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .جمعها وقدم لها ورتبها الباحث في
القرآن والسنة.علي بن نايف الشحود.ج4ص174.
2– الكتاب : كيف نربي أبناءنا تربية صالحة.ج1ص2.
3 – خلاصة تاريخ كرد وكردستان – العلامة محمد أمين زكي بك ، ج1،ص 15.
4 – مآثر الإنافة في معالم الخلافة.المؤلف / أحمد بن عبد الله القلقشندي.دار النشر / مطبعة حكومة. الكويت – الكويت – 1985.الطبعة : الثانية.عدد الأجزاء / 3.تحقيق : عبد الستار أحمد فراج. ج1ص387. + تاريخ الإسلام للإمام الذهبي. ج59 ص 60.