تحاول دولة الإحتلال الإسرائيلية تحريف القضية الفلسطينية عن مسارها، وتحويلها إلى قضية عقارية بحتة، بات حلها في المحاكم الإسرائيلية، التي تصدر أحكاماً بناء على القوانين الإسرائيلية التي جردت الفلسطينيين من حقوقهم، وأضفت الصبغة القانونية على شرعنة عملية الإستيلاء عبر مسوغات قانونية عنصرية صممت خصيصا لهذه الغاية، أولها قانون أملاك الغائبين عام 1951.
لا تختلف قضية حي سلوان في القدس المحتلة عن قضية حي الشيخ جراح، من حيث التفاصيل التي تتعلق برفع الدعاوى من قبل الجمعيات الإستيطانية التي تبذل جهودا للسيطرة على المزيد من العقارات، على أهالي أحياء القدس، وتعتبر مدينة سلوان من القرى الكبيرة في فلسطين، الملاصقة لأسوار وأبواب القدس القديمة من الناحية الجنوبية الشرقية المحاذية للمسجد الأقصى، وتمتلك جزء كبير من أراضي المشاع الواقعة بين القدس والبحر الميت، وتبلغ مساحة أراضي القرية 5640 دونم، تتألف من 12 حي، ويسكنها 55 ألف نسمة، تواجه 6 أحياء منها خطر هدم منازلها أو الإستيلاء عليها وهي: وادي حلوة (6000 نسمة)، البستان (1500 نسمة)، بطن الهوى (726 نسمة)، وادي الربابة (1000 نسمة)، وادي ياصول (1000 نسمة)، وعين اللوزة (500 نسمة).
صادرت دولة الإحتلال الإسرائيلية ما يزيد عن 73 ألف دونم لإقامة المستوطنات عليها بشكل غير شرعي، ومخالف للقانون الدولي، وتحاول أيضا من خلال إستيلاء الجمعيات الإستيطانية كجمعية “عتيرت” و”العاد” تهجير سكان القرية الأصليين وتحويلها إلى مدينة “داوود التوراتية” مكانها، وبمعنى آخر، محاولة تهويد مدينة القدس.
رفعت الجمعيات الإستيطانية عشرات الدعاوى ضد 700 فلسطيني يسكنون في “بطن الهوى” التي تبلغ مساحتها 5 دونمات، منذ الإنتداب الإنجليزي مرورا بحكم الأردن حتى عام 1967، حتى اليوم، تمثلت الإدعاءات التي تقدمت بها الجمعيات الإستيطانية أمام المحكمة، أن ملكية الأرض في “بطن الهوى” تعود إلى أبناء الطائفة اليهودية في فترة الحكم العثماني وفق مستندات تاريخية مفبركة، مستغلة الضعف النسبي للمواطنين في مواجهة هذه المحاولات لتفوقها السياسي والإقتصادي، صادرة عن الحاخامين الرئيسيين في مدينة القدس المحتلة، لإدارة الوقف لمصلحة أبناء الطائفة اليهودية، بقرار صادر عن المحكمة الإسرائيلية يخولها بإدارته عام 2001.
وبحجة أن الملكية التاريخية لحي “بطن الهوى”، وبدون الخوض في الحيثيات القانونية الدقيقة، نجزم أنه لو لم يكن هناك تعاون بين المؤسسات الحكومية الإسرائيلية بما فيها المحاكم الإسرائيلية، لم يكن بمقدور هذه الجمعيات الحصول على هذه المستندات التي أهلتها لرفع الدعاوى، بإعتبار أن قرار تعيين الجمعيات الإستيطانية لإدارة الوقف مشبوه، أولا كون الجهة التي تقدمت به هي الجمعية الإستيطانية ذاتها، وكون نقل إدارة الوقف من الحاخامين إلى الجمعية منافية للشروط التي يعتمدونها، ثانيا وهو الأهم أن الملكية التي يدعون أنها تعود إليهم، تخرج من صلاحيتهم كونها تعود إلى إدارة أملاك الغائبين وفق قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي.
الأمر الذي يعتبر بغاية الخطورة، هو ربط أملاك الفلسطينيين في وقف القدس المحتلة، وإخضاعهم للسيطرة الإسرائيلية، كونه لا يوجد في منطقة القدس تسجيل أراضي لعدم إستكمال عملية تسوية الأراضي، ما أدى إلى هدر حقوق الفلسطينيين في تسجيل وتثبيت ملكيتهم، الأمر الآخر، وهو رفض “إسرائيل” الإعتراف بإعادة الممتلكات والعقارات الفلسطينية.
يواجه اليوم أكثر من 1550 فلسطينيا التهجير القسري، بسبب خطر التهديم الفوري للمباني التي يسكنونها، بعد أن تقدمت بلدية القدس إلى محكمة الشؤون المحلية مخطط تحت عنوان “إخلاء وبناء”، وبسبب ما أشرنا له سابقا، إعتبرت المباني الفلسطينية غير شرعية، ولابد من تهجير العائلات الفلسطينية في حي “بطن الهوى” من “مدينة سلوان” في القدس المحتلة.
ما يحدث في القدس هي عملية تطهير عرقي، وتهجير قسري للشعب الفلسطيني، بخطة ممنهجة في إطار مخططات تهويد القدس وتوسيع الإستيطان غير الشرعي، بدعم من الأجهزة الحكومية الإسرائيلية المختلفة، بعد أن نجحت الحركة الصهيونية عام 1948 ببسط سيطرتها على أجزاء من مدينة القدس، وطمست أغلب معالمها، عن طريق إستعمال القوة والسلاح وإرتكاب أفظع الجرائم، فهي تتكلل اليوم في طرد الفلسطينيين من بيوتهم وتشريدهم مرة أخرى، ولكن هذه المرة بطريقة الحرب الناعمة، وبطريقة إستيلاء وسرقة مشروعة، بهدف قلب الميزان الديمغرافي، تمهيدا لبناء القدس اليهودية الموحدة لإسرائيل.
لا بدّ من تفسير مصطلح النقل في المادة 8/2/ب/8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أنه قد جاء مطلقاً وكقاعدة عامة، فإن المطلق يجري على إطلاقه، كل ذلك يجعل المستوطنات بأساليبها غير مشروعة، على عكس ما يدعي به الطرف الآخر، أو من خلال بيع الاراضي الفلسطينية إلى الإسرائيليين في هذه المادة، وبما أن حكومة إسرائيل قد قامت بنقل مباشر وغير مباشر من خلال التسهيلات القانونية والمادية والإمتيازات التي تمنحها لسكانها الذين يسكنون المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يثبت مسؤوليتها الجنائية بدءاً من قانون القومية اليهودية وقانون تنظيم الاستيطان في “يهودا والسامرة” أي الضفة الفلسطينية رقم 5777 والذي أقره الكنيست الإسرائيلي عام 2016.
لذلك، لابد من المجتمع الدولي التحرك فوراً لوقف سياسة التطهير العرقي التي تنتهجها دولة الإحتلال الإسرائيلية، وعلى السلطة الفلسطينية متابعة ملف الإستيطان المقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لوضع حد للجرائم التي ترتكبها دولة الإحتلال الإسرائيلية بكل أنواعها، الإنسانية التي تتمثل بجريمتي الإضهاد والفصل العنصري (الأبارتهايد)، وجرائم الحرب الإستيطان، الأسرى، تهويد القدس..
الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين