.
تصاعدت الدعوات في العراق ، إلى إعادة هيكلة وتنظيم هيئة الحشد الشعبي، وإزاحة الفصائل المتشبثة بها، وتحويلها إلى قوة نظامية، خاصة بعد الانتشار العسكري الأخير، لبعض الفصائل في المنطقة الخضراء، احتجاجاً على اعتقال القيادي في ميليشيات الحشد قاسم مصلح.
ومصلح هو أحد قيادات ميليشيات الحشد الشعبي ، ويحظى بعلاقة وطيدة مع الحرس الثوري الإيراني، حيث اعتقلته قوة أمنية عراقية، بسبب اتهامه باغتيال الناشط في الاحتجاجات الشعبية، إيهاب الوزني.
وحظيت إجراءات حكومة الكاظمي، بتأييد دولي، ومحلي واسع، فيما يتعلق بتطويق أزمة انتشار الفصائل، وإنهاء الاستعراض العسكري بطرق سلمية، مع الإبقاء على مصلح رهن الاعتقال لحين إكمال التحقيقات.
تلك الأحداث، دفعت قيادات سياسية، إلى المطالبة بإعادة هيكلة قوات الحشد الشعبي، وترتيب أوضاعها، ودمجها في القوات الأمنية.
خطة أولية
مصادر عراقية، قالت إن الحكومة تدرس خطة مبدئية لإعادة تنظيم هيئة الحشد الشعبي، بالاتفاق مع أطراف سياسية، لاستحصال المساندة في الخطة الأولية.
وذكر مصدر عراقي، مطلع على طبيعة الحوارات، إن “لجنة سرية مصغرة تشكلت خلال الأيام القليلة الماضية، من عدة شخصيات، أبرزهم مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، ورئيس جهاز الأمن الوطني، عبدالغني الأسدي، مع رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وآخرين، حيث تهدف إلى وضع خطة واضحة، لإعادة ترتيب أوراق هيئة الحشد الشعبي، وتنظيم علاقته مع الحكومة، ليكون ضمن السياق الرسمي، ويأتمر بأمر القيادة العسكرية”.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لـ(باسنيوز) : أن “جملة أهداف وراء الخطة الجديدة ، أبرزها فرز الفصائل التي ستنضوي داخل الهيئة، من الأخرى الرافضة، مع إجراء تعديل على طبيعة دمج المجموعات ضمن جسد الهيئة، وهو ما يحظى بأهمية كبيرة، داخل الخطة، إذ من المتوقع، إعادة تنظيم العناصر، وتفكيك بعض التكتلات الموجودة، وإبعاد قيادات غير عسكرية، لا تمتلك رتباً، وتحويلها إلى المجال الإداري ، واقتصار القيادة الميدانية على الضباط فقط، خاصة مع تخرج وجبات جديدة تابعة للحشد من الكليات العسكرية، ستكون جاهزة في حال تنفيذ الخطة”.
ولفت المصدر ، إلى أن “حراكاً سياسياً يجري الآن ، بموافقة ضمنية من رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس تحالف الفتح، هادي العامري، وآخرين، مع إشراف رئيس الحكومة مطصفى الكاظمي، الذي أجرى لقاءات سياسية خلال الأيام الماضية بهذا الصدد”.
تاريخ من المحاولات
تعود محاولات تنظيم فصائل ميليشيات الحشد الشعبي، ودمجها في المؤسسة العسكرية العراقية، لتصبح قوة نظامية، إلى حقبة رئيس الحكومة الأسبق، حيدر العبادي، الذي أصدر الأمر الديواني، رقم (57) الخاص بترتيب أوضاع المقاتلين في تلك المجموعات.
لكن العلاقة بين العبادي، وهيئة الحشد، اتسمت بالتوتر، بسبب الكشف عن وجود آلاف المنتسبين الوهميين (الفضائيين) في صفوف الهيئة، وهو ما رفضته قيادات في ميليشيات الحشد.
كما سعى رئيس الحكومة السابق، عادل عبدالمهدي، إلى إنهاء ملف هذه الميليشيات ، وتنظيم وضعه القانوني ، عبر إصدار الأمر الديواني المرقم (331)، والذي صادق فيه على الهيكلية التنظيمية الخاصة بالهيئة، وأيضا إلغاء جميع العناوين والمناصب التي تتعارض مع العناوين الواردة في الهيكلية ، كذلك منح رئيس هيئة الحشد الشعبي صلاحية التعيين بالوكالة للمناصب والمديرين في الهيئة ، وعرضها على رئاسة مجلس الوزراء لغرض الموافقة من عدمها.
لكن على رغم ذلك، بقيت هيئة الحشد الشعبي، تعاني خللاً في مسألة دمج افرادها، حيث انضموا إليها على شكل تكتلات مسلحة، قادمين من الميليشيات السابقة، التي كانوا يقاتلون في صفوفها، حيث تم دمج تلك المجموعات بشكل كامل.
ويحاول الكاظمي استثمار الزخم الإيجابي الداعم لبسط سلطة الدولة، وتقليص قوة المجموعات المسلحة، على خلفية اعتقال القيادي البارز في الحشد الشعبي قاسم مصلح لتورطه في جرائم إرهابية وجنائية.
وأجرى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، مباحثات مع رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، خلال الفترة الماضية، تضمنت مختلف المجالات.
وذكر مكتب المالكي في بيان، أن “رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي استقبل رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، وجرى خلال اللقاء مناقشة مستجدات الاوضاع السياسية والامنية، حيث شدد المالكي على اهمية حفظ الامن وهيبة الدولة وتهيئة المناخ والبيئة الامنة لاجراء انتخابات حرة ونزيهة”.
وأثار اللقاء تكهنات بشأن طبيعة الحراك السياسي الدائر، حول فصائل الحشد الشعبي، وفيما إذا كان يهدف لاستحصال دعم سياسي، وضمان عدم إثارة الأوضاع، خاصة مع أنباء عن لقاء آخر حصل بين أحد أعضاء اللجنة المصغرة، وهادي العامري، الأب الروحي لفصائل الحشد .
كما تحدث كذلك زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، عن ضرورة الانضباط، وعدم استغلال القتال ضد داعش، للحصول على مكاسب سياسية، فيما أعادت صفحة تابعة لمرجعية النجف، وصايا السيستاني، بشأن أخذ العبرة من الآخرين، وعدم الاغترار بالقوة، وهو ما قرأته أوساط سياسية، على أنه رسالة إلى ميليشيات الحشد، ودعم لمحاولات فرض سلطة القانون.
أجواء مناسبة
الخبير في الشأن الأمني العراقي، ميثاق القيسي، يقول إن “الحراك الحكومي جاء بالتزامن مع الأنباء الواردة بشأن نية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التدخل في مسألة وجود المجموعات المسلحة، عبر استهدافها، وهو ما جعل الحراك العراقي، يستبق ذلك، في مسعى لاحتواء أي أزمة قد تنتج عن تحركات غير محسوبة، بدقة من قبل الولايات المتحدة في المرحلة الراهنة”.
وأضاف الخبير العراقي لـ(باسنيوز) أن “الأجواء المحلية والإقليمية، مناسبة لإطلاق هذا المشروع، الذي سيحتاج إلى أكثر من سنة أو سنتين، لكنه ربما أيضاً بحاجة إلى تنسيق مع الجهات الإيرانية، لضمان عدم تحريك أي فصائل عسكرية، رافضة لتوظيب أوضاع هيئة الحشد”.
من جانبه كان الخبير في العلاقات العراقية – الامريكية كاتو سعدالله ، أكد يوم السبت ، ان الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يفضل الخيار العسكري او شن الحروب ولهذا السبب لم ترد أمريكا حتى الآن على هجمات الميليشيات في العراق بشكل مباشر ولكن اعلان الخارجية الامريكية عن مكافأة مقابل معلومات عن المشاركين في الهجمات ، غير قواعد اللعبة.
وأوضح سعدالله لـ(باسنيوز)، ان ” هناك ضغوط من القوات الامريكية وكذلك الكونغرس الأمريكي ومجلس الشيوخ على بايدن للرد على الميليشيات في العراق والقيام بخطوات رادعة لحماية الجنود الامريكيين المنتشرين هناك”، مبيناً بان “أمريكا تعرف جيداً الجهات المسؤولة عن تلك الهجمات ولكنها تريد معلومات إضافية تفصيلية عن الأشخاص المشاركين بها لكي تبدأ عملية مطاردتهم ميدانياً بناءً على القانون الأمريكي الذي يتيح ملاحقة الأشخاص الذين يستهدفون الامريكيين في جميع انحاء العالم”.
ولفت الخبير في العلاقات العراقية – الامريكية ، الى ان ” امريكا تدرك جيداً بان الحكومة العراقية ضعيفة امام تلك الميليشيات وهي لا تستطيع فعل شيء لهم”.