السيد علي السيستاني المحترم، الحوزة الدينية بالنجف/العراق
تحية طيبة
بعد إسقاط الدكتاتورية البعثية الفاشية في العراق على أيدي قوات عسكرية أجنبية، عربية ودولية، بقيادة الولايات المتحدة واحتلال العراق سَلَّمت قوى الاحتلال الحكم في البلاد، وبمعرفة وموافقة تامتين من جنابكم، إلى قوى وأحزاب سياسية طائفية وأثنية بقيادة الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية. كما حظي الحكم الجديد بالتأييد والدعم الكبيرين من حوزتكم الدينية سياسياً وطائفياً. ثم أُقيم البيت الشيعي الطائفي بمعرفتكم ومباركتكم الشخصية أيضاً بمبادرة من الدكتور أحمد الجلبي. مرَّ الآن 18 عاماً على وجود هذه القوى والأحزاب على رأس الدولة والحكم في البلاد. فماذا جرى للعراق وبمعرفتكم الشخصية؟
لقد كانت عواقب الحروب التوسعية والعدوانية التي أشعلها أو تورط بها حزب البعث ودولته الفاشية من جهة، وسياسات البعث الدكتاتورية الداخلية من جهة ثانية، والحصار الدولي الذي فرضته الولايات المتحدة طيلة 13 عاماً من جهة ثالثة، كبيرة وكارثية جداً، إذ ألحقت بالعراق وشعبه دماراً وتخلفاً اقتصادياً واجتماعياً، وفكرياً وسياسياً وتدهوراً معيشياً وأخلاقياً هائلاً، كما أتت على حياة مئات الألاف من الناس الأبرياء بالموت، إضافة إلى أعدادٍ مماثلة من الجرحى والمصابين بأمراض وعلل كثيرة ومعاقين. وزاد الطين بلَّة النهج الطائفي والتمييز بين سكان العراق والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الخائبة والمدمرة والفساد المالي والإداري التي مارسها الحكم الطائفي الفاسد الجديد. فأصبح عراق اليوم كله، الغني بثرواته النفطية وموارده الأولية الأخرى وقواه البشرية وكوادره الفنية المهنية، بلداً متخلفاً اقتصادياً واجتماعياً، اقتصاداً ريعياً مشوهاً ومكشوفاً على الخارج وتابعاً له، ونسبة عالية جداً من فئات الشعب تعاني من الفقر والعوز والحرمان والرثاثة ونقص الخدمات وغياب كامل للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وزاد الأمر سوءاً: 1) خضوع سياسات العراق الداخلية والإقليمية والدولية للنهج والسياسات الإيرانية، لإيران، هذا الوطن الجار بشعوبه الطيبة، الذي ولدتم وترعرعتم فيه ثم انتقلتم إلى العراق حيث درستم في الحوزة الدينية في النجف وأصبحتم منذ سنوات المرجع الشيع الأعلى الذي له كلمته بين المؤمنين والمؤمنات من المسلمين والمسلمات الشيعة في العراق والعالم، و2) وساهمتم في تشكيل ما أطلق عليه بالحشد الشعبي من خلال اتفاقكم مع رئيس الحكومة الأسبق والمستبد بأمره نور المالكي آنذاك بإصدار فتوى الجهاد الكفائي، حيث اختلط المؤمنون الصادقون بالميليشياويين الطائفيين المسلحين التابعين لإيران والذين مارسوا عمليات إجرامية كثيرة وغادرة بحق الشعب والوطن، وهم ما زالوا يمارسون ذلك بحق الشعب العراقي وكادحيه واقتصاده وحياته السياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية، و3) كما لم تتخذوا الموقف الحازم والمطلوب من جنابكم إزاء قوى الدولة العميقة التي تهيمن مباشرة على قرارات الدولة العراقية الهشة والمهمشة بسلطاتها الثلاث والتي يقودها قادة في الأحزاب الإسلامية السياسية والحشد الشعبي والبيت الشيعي وبتوجيه مباشر ومعلن عنه من قبل قيادة فيلق القدس وقائده الفعلي المرشد الإيراني علي خامنئي. كم كان بودي منذ البدء أن لا قرنوا دوركم الديني المذهبي الشيعي بدور سياسي حوزي لكي لا يجبر المعارضون لهذا النظام المقيت أن يتحدثوا مع جنابكم بهذا الصدد ليشيروا إلى مدى الخراب الذي لحق بالعراق بسبب تلك القوى التي أيدتموها ومنحتموها الثقة، فأساءت لموقعكم الديني وشخصكم وللشعب العراقي، مما يجعل مسؤوليتكم كبيرة لكل ما حصل بالعراق منذ عام 2003 حتى الآن.
وكلاؤكم في النجف وكربلاء وغيرها يتحركون بين الفينة والأخرى وفي خطب الجمعة ليعلنوا عدم رضاهم عن هذا السلوك أو ذاك، لاسيما الفساد واستغلال المناصب. ولكنهم لم يدينوا النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد. كما أن شكوكاً كبيرة يتحدث بها الناس علناً، تشير إلى أن أغلب الوكلاء، لاسيما في النجف وكربلاء (الصدر والكربلائي)، متورط بعلاقات مصالح غير مشروعة مع الأحزاب الإسلامية السياسية ومع الميليشيات الطائفية المسلحة وهيئة الحشد الشعبي. فالوكلاء يتحركون ويتحدثون باسمكم، كما ترفع قوى ميليشيات هيئة الحشد الشعبي صور شيوخ الدين الإيرانيين وأحياناً صورتكم الشخصية أيضاً، أي أنهم يفعلون كل ذلك بحماية من حوزتكم الدينية في النجف وبمدينة قم و”ولي الفقيه!” خامنئي بطهران.
تحت قيادة الأحزاب الإسلامية السياسية وميليشياتها المسلحة مورست وما تزال تمارس سياسات وتتخذ إجراءات تمييز مفرطة ضد أتباع المذهب السني في العراق، وضد المسيحيين في الوسط والجنوب وبغداد والموصل وكركوك، وضد الإيزيديين في الموصل وعموم نينوى، وضد بقية اتباع الديانات والمذاهب، ومنهم أتباع البهائية والكاكائية والزرادشتية على نحو خاص. وخلال هذا الحكم الطائفي المقيت تعرض أتباع الديانة الإيزيدية إلى أكبر جريمة في تاريخ العراق، بعد تعرضهم مع بقية أبناء وبنات شعبهم الكردي لجرائم الإبادة الجماعية في عمليات الأنفال عام 1988 على أيد الدكتاتور صدام حسين، إلى إبادة جماعية في فترة اجتياح واحتلال واستباحة الموصل وعموم محافظة نينوى. ولم يخف عنكم عمليات نهب النفط الخام العراقي ونهب موارده المالية وأثاره التاريخية بشكل ممنهج وبسبق إصرار. إذ أصبح الجميع يعرف ويعلم علم اليقين الأموال العراقية بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية العراقية التي انسابت عبر طرق غير شرعية إلى إيران وحزب الله الإيراني في لبنان، والحكومة السورية دون ظهور أي احتجاج أو اعتراض من حوزتكم الدينية أو من جنابكم شخصياً.
ومصيبة الشعب العراقي الشاخصة والتي لا تخفى عن جنابكم هي أَن الشعب العراقي يواجه مقهوراً جرائم ترتكب بحقه من قوى الدولة العميقة المسيطرة على الدولة العراقية وميليشياتها المسلحة وبعض القوى العسكرية الرسمية بتوجه من إيران من جهة، وجرائم ما تزال ترتكب من تنظيم داعش الإرهابي، الذي يدعو للمذهب الوهابي السلفي العنفي التكفيري من جهة أخرى، كما يتعرض العراق لتدخل تركي عسكري فظ يومياً حيث تقصف مناطق ريفية وجبلية ومخيمات نازحين كرد من تركيا في العراق تسقط من جراء ذلك ضحايا كثيرة وخسائر مادية كبيرة من جهة ثالثة.
السيد علي السيستاني المحترم
أقدر تماماً بأنكم تعرفون تمام المعرفة ما يمارسه قادة الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية والسنية وبقية قادة الدولة بسلطاتها الثلاث في كل أنحاء العراق. فعراق اليوم أصبح:
- مرتعاً لقوى أجنبية غاصبة ومهيمنة، وبالتالي، فقد العراق استقلاله وسيادته الوطنية، سواء أكان المهيمن إيران أم الولايات المتحدة الأمريكية/ أم يتعرض يومياً لتدخل عسكري إجرامي ومدمر للدولة التركية الأردوغانية المتطلعة أن تكون إمبراطورية عثمانية جديدة، كطموح إيران لأن تكون إمبراطورية فارسية جديدة.
- مرتعاً لتقاسم السلطات الثلاث على أساس ديني طائفي محاصصيي (سني–شيعي) وأثني (عربي-كردي) بصورة أفقية وعمودية بما لا يسمح لأي مواطن ومواطنة من غير الأحزاب المشاركة أو موافقتها أن يحتل موقعاً في الحكم خلال الفترة المنصرمة أو الوصول إلى مواقع مهمة في الدولة.
- مرتعاً لقوى وتنظيمات الجريمة المنظمة المحلية والإقليمية والدولية المتشابكة بشكل عضوي وفاعل مع الميليشيات الطائفية المسلحة الولائية وغيرها وحشدها الشعبي. وهي تمارس النهب المالي بصيغ مريعة وغير شرعية، كما تتاجر بالمخدرات والكحوليات، وبالجنس الذكوري والأنثوي وأعضاء جسم الإنسان، وبالعقود والمقاولات وبيع العملة الصعبة وغسيل الأموال…إلخ.
- مرتعاً لاستخدام المال الفاسد والسلاح الحشدي وميليشياته لعمليات التهديد والابتزاز والتشهير والاختطاف والتعذيب والاعتقال الكيفي خارج القانون والاغتيال للناشطين والناشطات في الحراك المدني الاحتجاجي.
- مرتعاً للعمل على كسب العدد المتزايد من العاطلين عن العمل والذين يعانون من البؤس والفاقة والحرمان إلى تنظيماتهم المتطرفة والإجرامية ومعاداة مصالح الشعب والوطن.
- مرتعاً لانسياب أموال عراقية فاسدة من خلال قادة وكوارد الأحزاب وكبار مؤسسات إدارة الدولة وغيرهم إلى جيوب شيوخ دين وحسينيات وغيرها باعتبارها خمساً تدفع ليحللوا به المال الحرام.
أعرف تماماً بأنكم تعرفون كل ذلك ويعرفه من هم حولكم أيضاً، كما يعرفه الشعب، ولكنكم لم تتخذوا حتى اليوم الموقف الديني المسؤول الذي يمليه عليكم موقعكم الحساس. ولهذا أجد نفسي في موقع المطالب باسم الشعب المستباح بهؤلاء جميعاً أن تتخذوا المواقف المطلوبة منكم، كمرجعي ديني أعلى للمؤمنين والمؤمنات من تباع المذهب الشيعي وحيث تحضون بتقدير أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، من الوجود والنشاط الإجرامي لهيئة الحشد الشعبي والميليشيات الطائفية المسلحة كلها دون استثناء، سواء أكانت ولائية لإيران أم أخرى تدَّعي الولاء لجنابكم، وإدانة الأحزاب الإسلامية السياسية التي تمارس كل تلك الموبقات، سنية وشيعية، وكل القوى الأخرى التي تشارك في هذا الحكم الطائفي الفاسد، أطالبكم كإنسان عراقي بما يلي:
- التوقف عن تأييد ودعم القوى والأحزاب الإسلامية السياسية وإدانتها والمطالبة بعدم تشكيل أحزاب سياسية طائفية تقود إلى تفتيت النسيج الوطني للشعب، كما هو وارد في الدستور العراقي لعام 2005.
- الإفتاء بانتهاء مرحلة الجهاد الكفائي ودعوة الحكم والبرلمان إلى إنهاء وجود هيئة الحشد الشعبي والميليشيات القائمة كلها ونزع سلاحها وكل سلاح منفلت وأنهاء حالة وجود جيش (هيئة الحد الشعبي وأذرعه) داخل القوات المسلحة العراقية ووجود دولة عميقة داخل الدولة العراقية!
- تحريم التدخل الإيراني أو أي دولة أخرى بالانتخابات العراقية القادمة وفي عموم شؤون العراق الداخلية والدولية.
- تحريم ديني باستخدام الأموال في شراء الذمم والأصوات في الانتخابات القادمة.
- المطالبة مع الشعب في ملاحقة واعتقال كل المتهمين بقتل المتظاهرين وتقديمهم للمحاكمة.
- تأييد الشعب بمطالبه العادلة ومنها تعديل قانون الانتخابات بشكل منصف وديمقراطي وعادل، إضافة إلى اختيار قضاة نزيهين لعضوية المفوضية المستقلة للانتخابات.
- تأييد مطلب الشعب بمنع ترشيح من ساهم بالفساد والافساد والفتنة الطائفية والاغتيالات في الانتخابات القادمة.
- منع حمل صوركم وصور شيوخ الدين الإيرانيين في الساحات والشوارع العراقية وفي كل مكان من العراق، فالعراق ليس ساحة لإيران في حملات الداعية الدينية والمذهبية لقادتها.
إن الشعب العراقي ينتظر من جنابكم أن تتخذوا الموقف الديني الذي يفرضه عليكم الدين والموقع الذي أنتم فيه، فهي سيحصل ذلك؟ نأمل ذلك!
المواطن العراقي الدكتور كاظم حبيب