:
رغم الاحتجاج العراقي المتواصل، تستمر تركيا في قصف المتمردين الأكراد المتواجدين في شمال العراق وبالتحديد في إقليم كردستان، ما أدى إلى اتهام أنقرة بأن هناك أهدافا أخرى من العمليات العسكرية التي تعدت التدخل الجوي.
وتقصف تركيا، التي نشرت نحو عشر قواعد عسكرية منذ 25 سنة في كردستان العراق، بانتظام المواقع الخلفية لحزب العمال الكردستاني في المناطق الجبلية في شمال العراق.
وأطلق حزب العمال منذ 1984 تمردا داميا على الأراضي التركية أسفر عن أكثر من 40 ألف قتيل.
في الأثناء، تشنّ أنقرة، منذ 23 أبريل الماضي، عملية عسكرية لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل العراقية المحاذية لتركيا مراكز له لشنّ هجمات ضد الدولة التركية.
وقصفت تركيا، في الخامس من الشهر الجاري، مخيم مخمور للاجئين، الذي يقع على بعد 250 كلم من الحدود بين العراق وتركيا، إثر تحذيرات من الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بـ”تنظيفه”، في هجوم قتل فيه ثلاثة أشخاص، بينهم قيادي كبير في حزب العمال بحسب إردوغان، بينما قال مسؤولون أكراد في المخيم إنه قتل ثلاثة مدنيين.
ويرى المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، في حديثه مع موقع “الحرة” أن أنقرة تهدف إلى إنهاء شن عمليات إرهابية من خلال المتمردين الأكراد سواء في شمال العراق أو شمال سوريا.
لكن الكاتب والمحلل السياسي، رستم محمود، يشير إلى أن التدخل العسكري التركي وإن كان تحت ادعاء “مكافحة الإرهاب”، فإنه “يمتد لتكون سياسة استراتيجية توسّعية في جميع الجوانب التي تسعى تركيا أن تطبقها في محيطها الإقليمي”.
“أهداف أخرى”
ويقول محمود في حديثه لموقع “الحرة” إن “طريقة تنفيذ المَحْق العسكري التركي لمواجهة التمرد المسلح الذي عمره نحو 40 عاما تطمح دون شك إلى ثلاثة أهداف رئيسية”.
وأوضح أن “تركيا تريد أن يكون هناك خنق تركي لكل أشكال الوجود القومي الكردي في هذه المنطقة، كما تريد أن تشغل مساحات من إقليم كردستان العراق وأن تشكل ضغطا على حالة الإقليم سواء في المناطق الجبلية أو في سنجار أو في غيرها من المناطق”.
المسألة الثانية من وجهة نظر محمود أن تركيا تريد من خلال عملياتها شمالي العراق أن “تعزز من النزعة القومية الهوياتية في الداخل التركي لتقوية وجود النظام حتى يستطيع أن يتجاوز الكثير من المعضلات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية”.
أما الهدف الثالث من هذه العمليات، أن تركيا تريد أن “تخلق نوعا من التوازن العسكري مع إيران ضمن العراق، مشيرا إلى وجود “تنسيق بين أنقرة وطهران في هذه القضية”.
وأضاف أن “تركيا عندما تكون حاضرة عسكريا في العراق سواء في كردستان أو الموصل، فهذا يعني نفوذاً سياسياً، والذي يترجم ببساطة إلى نفوذ اقتصادي، فتركيا هي من أهم الشركاء التجاريين للعراق وهي منفذ لتصدير النفط العراقي، وهذه كذلك صاحبة تأثير ثقافي خاصة على العرب السنة”.
في المقابل لا يعتقد أوغلو أن هناك “تنسيقا” تركيا إيرانيا، “بل بالعكس، هناك امتعاض إيراني من التدخل التركي في شمال العراق، كما أن “جبال قنديل يقع جزء منها في إيران”.
يقول أوغلو لموقع “الحرة” إن “العمليات التي يشنها الجيش التركي، المستمرة منذ عام تقريبا، أعتقد أنها وصلت إلى مراحلها الأخيرة، خاصة أن الهدف الأكبر لتركيا حاليا هو جبال قنديل والذي هو مركز عناصر حزب العمال الكردستاني وقياداته”.
وأضاف أن “الأهداف تتلخص في القضاء على عناصر هذه المنظمة وقطع الأوصال، خاصة إن كانت في سنجار أو جبال قنديل. والأهم لاحظنا أنه خلال الأشهر الأخيرة كانت هناك عمليات تشن من شمال العراق وأخرى من الشمال السوري، وبالتالي الجيش التركي يريد قطع الأوصال ما بين شمال العراق والفرع في الشمال السوري”.
نهاية غامضة
لكن صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني ونهايته “من الصعب جدا التنبؤ به”، بحسب أوغلو، مشيرا إلى وجود “تفرعات إيرانية”، وقال: “لأن جزءا من جبال قنديل موجودة في إيران، ويمكن أن تدخل بعض عناصر الحزب إلى الأراضي الإيرانية من خلال جبال قنديل، وهذا سوف يصعّب الأمور على تركيا”.
لكن في النهاية لا يرى أوغلو أن هناك أهدافا لبلاده في البقاء وبسط النفوذ “خاصة أن العلاقات التركية العراقية وصلت إلى أعلى مستوى سواء كانت سياسيا واقتصاديا وحتى تجاريا، لكن العقدة الأساسية هي عقدة الأمن المتلخّصة في حزب العمال الكردستاني وهو ما عكر الأجواء بين البلدين خلال الفترة الأخيرة الماضية”.
وتحتج بغداد باستمرار على القصف التركي، لكن أنقرة تؤكد أنها “ستتولى أمر” حزب العمال الكردستاني في هذه المناطق في حال “لم تكن بغداد قادرة على ذلك”.
“مشكلة سياسية”
ويرى محمود أن وجود المقاتلين الأكراد في هذه المنطقة هو “نتيجة لمجموعة سياسات تراكمية اتخذتها تركيا أدى إلى وجود المسألة الكردية”.
وفي حين تشن تركيا عملياتها في العراق تحت مسمى “الحرب على الإرهاب”، يقول محمود: “كيف يتم وصفهم بالإرهابيين من قبل أنقرة التي قامت بالتفاوض معهم أكثر من مرة وبوساطات متعددة وتدعي أنها قدمت تنازلات وساومت مع حزب العمال الكردستاني في أكثر من مناسبة وأكثر من فرصة”.
وأضاف “هذا دليل على أن هناك مشكلة سياسية جوهرها عدم اعتراف تركيا بوجود الشعب الكردي، وهؤلاء المقاتلون هم نتيجة هذه السياسات”.
في المقابل يقول أوغلو إن المشكلة ليست مع الأكراد، وحتى أنه كان في 2013 حوار تركي كردي وسمحت المخابرات التركية لزعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، بإلقاء خطاب وصف بالتاريخي.
وفي الثاني من مارس 2013، دعا أوجلان في خطابه المتمردين الأكراد إلى “إلقاء السلاح” والانسحاب من الأراضي التركية في إطار عملية سياسية أحيت الآمال في إنهاء الصراع الدموي بين الطرفين.
وجرى احترام وقف إطلاق النار في ذلك الوقت، حيث أعلن الحزب بعد شهرين من ذلك التاريخ بداية انسحاب مقاتليه إلى العراق. لكنه علق هذه المبادرة بعيد ذلك متهما أنقرة بعدم الوفاء بالتزاماتها.
وفي مارس 2015، أعلن الجيش التركي، أنه بدأ عملية واسعة في جنوب شرق تركيا ضد أهداف لمتمردي حزب العمال الكردستاني بعد ثلاثة أيام من رسالة جديدة وجهها أوجلان من سجنه إلى حركته لإلقاء السلاح.
ويقول أوغلو: “هناك فئة من الأكراد وأقصد حزب العمال الكردستاني حاولت قلب الطاولة من خلال العمليات الإرهابية التي شنتها في الداخل التركي وتم نسف هذا المسار السياسي الذي تم نسجه خلال عامي 2013 إلى 2014، حيث عادت العمليات الإرهابية، لذا اعتقد أن أنقرة سمحت ووضعت بعض الفرص لكن لم يتم الاستفادة منها حتى من قبل الأحزاب الكردية المتواجدة في البرلمان التركي”.