الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Homeمقالاتالجنس في الرواية الكوردية : د. محمود عباس

الجنس في الرواية الكوردية : د. محمود عباس

إدراج مقاطع عن العلاقات الجنسية وبوصف تفصيلي فاضح إلى حد الابتذال وبجرأة غريبة، ضمن سياقات النص الروائي، بدأت تطغى على أسلوب بعض الروائيين الكورد، إن كانت باللغة العربية أو الكوردية، إلى درجة تأثيرها على جمالية النص وهدم البنية الأدبية، ونحن هنا لا نتحدث عن الرواية الجنسية الجريئة، والتي لها كتابها، وبينهم عدد من الروائيين العرب، من الجنسين، بل نتحدث عن أحد أبنية الثالوث الذي يهدم أو يبني ثقافة مجتمعنا، حسب مدى الإبداعية في تناوله: الدين -السياسة -الجنس.

إن لم تخني المعرفة أن الكاتب (بافي نازي) في روايته (الجبال المروية بالدم) أول من كسر الطوق الهادئ أو المعقول حسب الثقافة الاجتماعية لشرقنا، جمالية روايته بالسرد الجنسي البانورامي ضمن النص، فيما لو عزلنا كتاب (سليم بركات) (الجندب الحديدي) والتي قدم فيها بعض الشذرات والتي تلذذت بقراءتها يوم كنت في الثانوية. أو عزلنا بعض الأغاني الغزلية الكوردية الكلاسيكية والتي لم تكن لها قيود، خاصة أثناء حفلات الرقص، على سبيل المثال، أغنية المغني المحبوب؛ المرحوم عبدو عالاني (لي- نعيمة) أو لوحات بعض الفنانين الكورد المبدعين الذين أصبحوا يجارون الفن العالمي، وتمكنوا من تجاوز قيود المجتمع الكوردي مع وبإبداع؛ أمثال فنانا القدير (خليل قادر).

ولربما (بافي نازي) سبق العديد من الروائيين العرب، الذين كتبوا في هذا المنحى، والتي اعتبر بعض النقاد العرب الرواية العربية في هذا البعد طفرة في الأدب العربي فتناولوها بنقد تداخل ما بين مؤيد ومحلل، ومحافظ مهاجم، ومكفر كنقاد المراكز الدينية كالأزهر. ولا أود هنا أن أتطرق إلى اسم معين من أدباءنا الكورد، فمن يقرأ رواياتهم أو قصصهم سينتبه حتما إلى ما نحن بصدده، وتكاد أن تكون كموجة تتشعب مع الزمن، إلى درجة أن بعض السرديات بلغت سويات الأفلام الإباحية، أو لنقل قطعة أدبية لمتعة لحظية، والتي تشبه وكأنها مقتطعة من روايات الأدب الإباحي أو كما يقال الإيروتيكية، حيث الإباحية تعطي الحياة للنص وليس العكس، وبها تم إعدام احتماليات الإبداع في الرواية، والتي يتجنب أغلبية مجتمعنا الكوردي الحديث فيه أو عنه، وعلينا هنا أن ندرك أن الأدب لا يعالج الإشكاليات الجنسية.

عندما حاولت أن أضع هذا الأسلوب في سياق الانفتاح الثقافي أو على أنها طفرة أدبية أكثر من أن تكون متطلبات سياق الرواية، لم أنجح فيها، لأن التفاصيل الدقيقة إلى حد الابتذال، والتي لا داعي لها تطغى على البعد الحضاري أو جمالية السرد، كما وأنني وجدت أن حذف تلك المقاطع لم تؤثر على سلسلة التواصل ما بين حوادث الرواية، ولا على الأحداث، بل أضافت عليها نوع من الوقار الأدبي، وعند إعادتها أخرجت النص من جماليتها إلى الجغرافية المبتذلة إلى حد الإزعاج.

وعلى الأغلب أن الروائيين الكورد وقبلهم العرب لا ينتبهون أو لا يعيرون أهمية إلى البنية الهيكلية للمرتكزات الثقافية التي قامت عليها الشعوب، فكما للحضارة الأوروبية قيمها كذلك للشعب الكوردي أيضا، ولا تعني هذا أننا أوصياء على نوعية الكتابة وحريتها، لكن العبقرية أو النجاح لا يحتاج إلى هذا التهافت على الجنس، والرواية أو القصة الناجحة لا تحتاج إلى الإفراط في التفاصيل أي كان، الجنس أو غيره، لأنها تفقدهم والنص جماليته ودلاليته، بل قيمتها الأدبية ويحل محلها جاذبية مشابهة للأفلام الإباحية، فكما نعلم لكل نوع كتابها.

لا شك أن الأديان وخاصة الإبراهيمية وفي مقدمتهم الإسلام، تعرضت إلى بعض التفاصيل عن العلاقات الجنسية، أما الأحاديث فقد بحثت فيها بشكل أدق وأعمق، وفي مقدمة الرواة أم المؤمنين عائشة (رضي) عن الرسول الكريم، لكن ظلت الغاية ضمن جدلية الفقه والإرشاد. كما وكتب العديد من كتاب التراث الإسلامي أمثال التيفاشي والسيوطي وغيرهم مؤلفات في مواضيع الجنس في الإسلام، وقد تعمق في هذه الدراسة الناقد والكاتب الغني عن التعريف (إبراهيم محمود). ومعظم مؤلفات كتاب التراث المذكورين تنتهج التعاليم الدينية والفقه وتأويلات النص، على أبعاد مقولة (لا حرج في الدين).

لا شك العديد من الكتاب الأوروبيين وغيرهم يتناولونها عند الضرورة، وهنا لا نتحدث عن (ماركيز دي ساد، ولا هنري ميلر) وأمثالهما من الأدباء، بل عن الذين كتبوا الرواية الناجحة والتي تنطق الثقافة الاجتماعية المتراكمة على مدى القرون الماضية، وكمقارنة ما بين خلفياتهم الثقافية وما يرتكز عليه كتابنا الكورد أو ما بني عليها مجتمعنا، نجد كتابنا دونهم بمسافات أدبية وفكرية، ومثلها في جمالية عرض النص وعدم التكلف فيه.

لذلك لا نتوقع النجاح للرواية الكوردية فيما لو ظلت هذه المنهجية، كما نجحت الأوروبية، وفيما لو لم يتمكن أدباؤنا من التحكم بالجدلية المقارنة ما بين نص الرواية والبعض الذي بلغه أو أستخدمه بدون تحفظ، خاصة وأن معظم بدايات الروايات تبحث عن هدف وغاية، ولكن القارئ بعد مسيرة في النص يلاحظ أن كتابنا يسقطون في إشكاليا، منها منهجية لا علاقة لها بالرواية، إلى درجة تاه البعض ما بين الكتابة الموضوعية والمقاطع المبتذلة عن الجنس.

لم يقدم الروائيون الكورد حتى اللحظة طفرات إبداعية كالتي أعطت للروايات التي حصلت على شهرة؛ علما أن بعضها تتضمن شيئا من هذا البعد الأدبي (الجنس) بل وبعضها توسعت فيه، أو انهم لم يتخطوا بأسلوبهم المساحة الأدبية التي قطعها الكتاب الأوربيون في هذا المجال، وجلهم لا يزالون في مراحل تقليدهم، وتكرار تجربتهم، لكنهم تناسوا بعدهم الحضاري والثقافي، وتخلوا عن دراسة الواقع الذي ينطلقون منه حتى عندما يكتبون فيه وعليه، ولا يبالون بنوعية قرائهم، وعليه فجلهم يطبقون النسخة الأوروبية على مجتمع لا يزال يعيش المجتمع الأخلاقي المحافظ، أو لنقل يقدمون كتابات بثيمات غريبة لأبناء ثقافات حضارات مختلفة، وإن استمروا على هذه المنهجية دون تمحيصها، سيخسرون حتى ولو حصلوا على نجاح مؤقت.

لا شك هذا الأسلوب خلق لدي الكثير من الأسئلة منها:

1-    هل كتابنا يعانون نفسيا من تراكمات الماضي الاجتماعي المعاش وحيث الكبت الجنسي، وهم يحاولون التحرر منها بهذا البوح، والقضاء على الصور النمطية المترسخة في اللاشعور؟

2-    هل ينظرون إلى الكتابة عن الجنس بدون تحفظ، على أنه نوع من التفتح وباب من أبواب ولوج الثقافة الحضارية؟

3-    هل هم يودون القول إن التراكمات الأخلاقية على مدى القرون الطويلة من بناء العادات والقيم والتقاليد يجب أن تعدل، وأن الماضي غارق في الأخطاء، والتحفظ واحدة منها؟

4-    هل هو اختراق للثقافة القديمة وطفرة نحو الثقافة الحديثة أو الانترنيتية والتي قضت على كل الحواجز؟

5-     هل هو اكتشاف لعالمه وتعبير لشهواته المستهام، ويريدون هدم التابو في الذات قبل الأدب الكوردي؟

6-    هل هي دعاية رخيصة للرواية، كنوع من أنواع صدم وإثارة القراء، ورافعة لتحقيق الشهرة؟

ما ذكرته، وأسئلتي، لا تعني أنني أعيش عالم الجمود الفكري وأرفض طفرات التفتح، فكما تعلمون ولجت الحضارات بعد العشرين من العمر، وانصدمت إلى أن أصبحت الركيزة الأساسية لثقافتي، بل أعني، بأنه على أدباءنا البحث عن مخرجات تنويرية إبداعية لإنجاح الرواية الكوردية، ومن ثم الحصول على ذاتية خاصة في عالم الأدب العالمي.

وبالتأكيد أرفض بدأ من نفسي ومن يتناول القضايا الأدبية والثقافية الكوردية بالنقد والتحليل، التأييد أو الاقتراب من التجارب المصرية البائسة والغارقة في الجهالة، كالحكم الذي أطلق على الكاتب أحمد ناجي على خلفية لغة إحدى رواياته! أو يوم كفرت جامعة الأزهر الشاعر المصري أحمد الشهاوي وتم مصادرة ديوانه (الوصايا في عشق النساء) وغيرها من الحوادث التي عكست مدى سيطرة أصحاب الانحطاط الفكري الثقافي على شرقنا.

ما رأي القراء الذين لهم إطلاع على روايات كتابنا الكورد؟

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

14/6/2021م

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular