يبدو أن تنظيم داعش الإرهابي مُصر على العودة من جديد بعدما طرد من العراق، وذلك من خلال تفجيرات وثّقها بإصدارات مرئيّة حملت اسم “فلق الرؤوس”، في مناطق عدة بمحافظة نينوي شمالي العراق وهى شاهدة على بداية نشاط تنظيم القاعدة .
وأثارت العمليات التفجيرية والاغتيالات التي يقوم بها تنظيم داعش الفترة الأخيرة في نينوي تساؤلات عديدة حول احتمالية عودة التنظيم من جديد من المنطقة التي ظهر فيها تنظيم القاعدة عام 2004.
وكان رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، أعلن تحرير الموصل من تنظيم “داعش” في 10 حزيران 2017 ، وفي اب من نفس العام، أعلن تحرير محافظة نينوى بالكامل من قبضة التنظيم.
توثيق الهجمات
وظهر في الإصدار المرئيّ “فلق الرؤوس” أن عناصر “داعش” يستقلّون عجلات رباعية الدفع ومجهزون بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ويرتدون الزي العسكري للقوات الأمنية العراقية، وتطابق هذا الوصف مع رواية عدد من سكان مناطق غرب الموصل حول تحركات المسلحين.
وخلال الأشهر الماضية بدأت التحذيرات تؤكد بدء التنظيم استعادة نشاطه في بعض مناطق نينوى، وخصوصاً الحدودية مع سوريا، وهذا ما حذر منه عدد من أعضاء مجلس محافظة نينوى.
ولدى تنظيم داعش تحركات على الحدود العراقية السورية في مناطق البعاج والجزيرة، وهى منطقة تقع بين محافظتي نينوى والأنبار، المحاذيتين للحدود السورية، هي نفس المنطقة التي هاجم “داعش” منها مدينة الموصل وسيطر عليها عام 2014.
تمويه داعش
وتتميز هذه المنطقة الصحراوية بمساحتها الشاسعة، ومن يتمكّن من اجتيازها –وهذا الأمر احترفه عناصر التنظيم- فإنه يصل للمناطق الآهلة بالسكان في نينوى، أو مناطق ذات طبيعة جغرافية معقّدة في حوض نهر دجلة جنوبي الموصل، حيث توجد الكهوف والجزر الصغيرة المليئة بالأشجار، الأمر الذي سهل اختباء عناصر “داعش” بعد تحرير المدينة.
“داعش” يفضّل هذه المناطق بسبب تضاريسها الصعبة، فهي مناطق توفر له سهولة الإمدادات، لكونها مناطق تجمّع المياه، ولقربها من المدن، حيث ينقل المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والوقود.
ولم يعد عناصر التنظيم اليوم يرتدون الزي الذي عُرفوا به مثل “القندهاري”، بل حلقوا ذقونهم ويرتدون الجينز، ويستقلون سيارات مدنية في النهار، ويتجوّلون بشكل طبيعي، خصوصاً أنهم تمكنوا من الحصول على هويات مزوّرة.
عمليات مستمرة
وبين فترة وأخرى يعلن قائد عمليات نينوى، اللواء نجم الجبوري، تنفيذ عملية عسكرية لاستهداف ما يسميها أوكار “داعش” في هذه المناطق.
وقال الجبوري في تصريحات صحفية: “وفقاً للمعلومات الاستخبارية فإننا ننفذ عملية أمنية في عدد من المناطق من قبل قطعات عمليات نينوى وبإسناد الطائرات الحربية والمروحيات القتالية، منها الجزرات في نهر دجلة، أو كهوف في مناطق جنوب وغرب الموصل”.
وأضاف: “تتم تصفية عناصر من التنظيم، وكذلك العثور على أسلحة وعتاد في هذه العمليات”.
هشاشة أمنية
وتشهد بعض المناطق النائية في نينوى هشاشة أمنية لعدة أسباب؛ منها ضعف تعداد القوات الأمنية، وكذلك نشاط التنظيم على الحدود العراقية السورية في الفترة الأخيرة.
بدوره فقال المحلل السياسي العراقي الدكتور عبدالكريم الوزان، إن الوضع الأمني في العراق مازال مخترق بسبب الفساد والإهمال طوال السنوات الماضية، مشيراً إلى أنه ليس وليد هذه اللحظة وإنما هو إرث ثقيل.
وأضاف لـ”مصر العربية” أن هناك أمراض خبيثة تنخر في جسد السلطات الأمنية العراقية ربما تكون سبب رئيسي في عودة داعش من جديد وإن كان بشكل مختلف عن الشكل التقليدي الذي بدأ قبل 4سنوات.
وأوضح أن الحكومة العراقية الجديدة عليها أعباء ومهام كثيرة لابد أن يكون الأمن العراقي ضمن أولوياتها من خلال إعادة الهيكلة بالشكل المناسب وعدم الاعتماد على ما يسمى بالفصائل المسلحة والتي تعتمد على الطائفية بالدرجة الأولى وهذا من أخطر ما يكون في هذه المرحلة.
وأشار إلى أن الحكومة عليها أيضاً الاهتمام بالجانب الاقتصادي ولابد أن تقدم خطة انقاذ اقتصادية وهذا سيخدم على العملية الأمنية لأن الجماعات الإرهابية دائما تستخدم الفقر كبوابة للدخول من خلالها للمناطق التي تريد السيطرة عليها.
ذئاب منفردة
فيما قال المحلل السياسي العراقي أحمد الملاح، إن عودة داعش للعراق لن تكون بالشكل الذي شاهدناه في ٢٠١٤ لعدد من الأسباب أبرزها نفور المجتمع من تجربة حكم داعش، وتغير الظرف الإقليمي خاصة في سوريا والسعودية .
وأضاف في تصريحات صحفية أن داعش سيعود كخلايا نائمة تعمل كذئاب منفردة، وتعود عمليات الاغتيالات والعجلات المفخخة والإبتزاز المالي خاصة مع وجود مجتمعات هشة نتيجة الجهل والفقر خاصة إذا ما استمرت حالة عدم معالجة مشكلة النازحين وإعادتهم لمدنهم وترميم منازلهم.
وأوضح أن المشاكل الاجتماعية والسياسية التي خلقت داعش في العراق ما تزال موجودة لكن تجربة داعش بشكلها التقليدي لن تعود ولن تنطلي على أحد، وهذا لا يمنع من ظهور أشكال وتجارب تطرف أخرى قد تكون أشد فتك وخطورة من داعش في ظل استهتار الطبقة السياسية بمعاناة شعب مدنه مدمرة ويقطن بين خيام النازحين أو البيوت التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة.