شهدت المرحلة الأولى من انتخابات الاقاليم في فرنسا يوم الأحد20.06.2021 مقاطعة كبيرة وبشكل ملفت عند السياسيين والصحافة لكنها غير ملفته بل متوقعة عند من ينظر للواقع حيث وصلت هذه المرة الى 66.75% بالمقارنة مع ما حصل في انتخابات عام 2015 حيث كانت(50.09%) أي بزيادة هذه المرة بلغت(16.66%) من عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت و البالغ عددهم (47.9) مليون ناخب…هذه الزيادة كما عبرت عنها الصحافة وعبر عنها المراقبين و المحللين السياسيين ملفته ودفعت البعض على اعتبارها تهديداً كبير للديمقراطية في فرنسا والبعض طالب بأن يكون السن الانتخابي من عمر 16 سنة بدل 18 سنة لرفد الديمقراطية بدماء مشاركين جدد تجديداً لحياتها…لكن في الحقيقة ان الانتخابات الإقليمية رافقها دائماً تدني المشاركة لأسباب كثيرة…ونسبة المقاطعة هذا العام غير ملفته لو نُظِرَ اليها وفق ظروف هذا العام والذي قبله أي تأثير جائحة كورونا على الحياة السياسية و المجتمعية و الاقتصادية، على الافراد والأحزاب والاقاليم والدولة والعالم وقبلها الاضطرابات السياسية والاحتجاجات الجماهيرية. كانت نسبة المشاركة في الانتخابات حتى منتصف النها (12.22%) لترتفع في النهاية الى (33.25%) …وقيل عن عدم جودة خدمة الانتخابات حيث قيل ان(40) مركز انتخابي لم تفتح أبوابها في مرسيليا جنوب فرنسا وقيل ان هناك مراكز تأخر فتح أبوابها حتى منتصف النهار…شارك في هذه الانتخابات(15786) مرشح تنافسوا على (4108) مقعد وفي هذه الانتخابات حُرم الأوروبيين المقيم على التراب الفرنسي من التصويت بعكس السابقة حيث كان يحق لهم التصويت.
أهمية هذه الانتخابات عند السياسيين والغير المهمة كما يبدوا وهو ثابت عند الناخبين هي انهاء تأتي قبل عشرة أشهر من الاستحقاقات النيابية الرئاسة لذلك تم تسييس هذه الانتخابات المطلبية ان صح القول استعداداً للانتخابات الرئاسية فكل حزب اعتبرها تمهيد للانتخابات الرئاسية وظهر ذلك واضحاً من نشاط الرئيس ماكرون والذي تعرض خلال أحدها الى الصفع الذي ذَّكرنا بصفع الرئيس ساركوزي التي شتت مساعيه السياسية بالإضافة الى قضايا أخرى.
ماذا حصل:
أولاً: مقاطعة ثلثي عدد الناخبين حيث كانت 66.75% وهي اعلى نسبة مقاطعة في تاريخ الانتخابات الفرنسية: لكن لو تؤخذ بعموم الظروف نجد انها مقبولة حيث كانت في عام 2015 بحدود 50.09% والفارق 16.66%لا تعني شيء قياساً للوضع العام الصحي والاقتصادي والسياسي والنفسي العام للناخبين.
ماهي أسباب الامتناع او المقاطعة او العزوف عن المشاركة؟ الجواب كما أتصور هي:
1ـ عزوف النسبة العالية من الشباب حيث بلغت نسبة المنقطعين منهم كما قيل (84%) والسبب هو الانفتاح الاجتماعي الذي تلا الأغلاق الصحي الذي فرضته موجات كورونا… وانشغال الشباب الذي تعَّود على السهر والسفر والتنزه بعد اغلاق خَّلف حالات نفسية كبيرة وكثيرة في صفوفهم وفي المجتمع بشكل عام ومناسبة عيد الموسيقى الذي يكون في اول يوم من الصيف في 21حزيران من كل عام حيث النشاطات والاستعدادات على قلتها و بساطتها هذا العام قياساً للأعوام السابقة (ما قبل كورونا) تجري خلال أيام ما قبل العيد والذي وقع فيها يوم الانتخاب…رغم ان الاحتفالات لم تصل الى ذروتها لكثير من الأسباب منها عدم الاستعداد الجيد وعدم توفر الوقت الكافي والقلق من الحالة الصحية والبروتكول الصحي الذي يفرض قيود رغم الانفتاح.
2ـ صادفت الانتخابات مع الاستعدادات لموسم السفر والسياحة الذي اجبر الجميع على عدم التمتع بها في الموسم السابق ولضيق وقت الاستعدادات.
3ـ عزوف كبار السن عن المشاركة لأسباب كثيرة منها الخوف من احتمالات الإصابة ب (كورونا) رغم الاستعدادات والتطمينات الحكومية.
4ـ مثل هذه الانتخابات هي في الأصل يميزها عزوف الكثير من الناخبين. ففي السابقة منها كان العزوف أكثر من 50%
- قناعة الكثير الغالب من الناخبين من ان المسؤول القادم لا يختلف عن المسؤول الحالي مهما كان الحزب الذي ينتمي اليه فهو لا يقدم ولا يؤخر في استحقاقات المواطنين في الرعاية الصحية والاجتماعية والبيئية فلا برنامج لأحدهم يختلف عن برامج الاخرين لذلك كان تقدم كل الحاليين في المرحلةالأولىرغم تفاوت النسب (يعني المُجرب يُجرب مرة أخرى) و(التعرفه احسن من الماتعرفه).
- عزوف الفرنسيين من أصول أخرى عن المشاركة بشكل فعال فبالإضافة الى ما ورد أعلاه نستطيع ان نضع ما حصل من لغط ومناقشات حول الإسلام وبعض الاعمال الخارجة عن القانون والاعمال الإرهابية والهجمات الاعلامية حيث وجد الناخب نفسه في نفس الحالة رغم الاختلاف الحزبي لمسؤولي المناطق.
- حصول تقلبات مناخية من زوابع وامطار غزيرة أدت الى فيضانات وقطع طرق في أماكن كثيرة من فرنسا.
8ـ هناك أكثر من 200 ألف شخص من ضحايا كورونا (وفاة، إنعاش، عدم اكتمال الشفاء) اكيد جميعهم من الناخبين…يضاف الى ذلك ان عدد الإصابات (كوفيد 19) في فرنسا اقترب من (6) مليون شُفي منهم حوالي (5.8) مليون واكيد هذه الإصابة تركت اثار نفسية وصحية على البعض ممن شُفيَّ عرقلت مشاركته مع عدم مشاركة ال(200) ألف.
9ـ ضعف الحملات الانتخابية بسبب الاغلاق الصحي وتحديد التجمعات والتحركات.
10ـ لا يمكن نسيان الاحتجاجات الكبيرة والطويلة لأصحاب السترات الصفر واحتجاجات النقابات واحتجاجات أصحاب المهن التي تضررت بالأغلاق وشكوى الكثيرين منهم من عدم كفاية التعويضات وتعثرها.
11ـ حالة القلق والانغلاق الذي سببه طول فترة الاغلاق والحجر الصحي التي غيرت بعض الشيء في نمط الحياة الاجتماعية المعروف في فرنسا حيث تتعدد النشاطات الاجتماعية اليومية والأسبوعية والموسمية حيث يمكن ان يُقال عن فرنسا من انها بلد الجمعيات والمنظمات المجتمعية.
ثانياً: كان من المتوقع وفي ضوء ما جرى بعد إعادة الرسوم المسيئة وبعض الاعمال الإرهابية ورسالة شخصيات عسكرية بارزة متقاعدة محذرة من تشقق الدولة ان يتقد حزب اليمين المتطرف/ماري لوبين الذي غير اسمه الى (التجمع الوطني) على فرصة كبيرة لتحسين مواقعه…لكن الذي حصل غير ذلك. وكذلك كان من المتوقع ان يتجذر تجمع ماكرون (الجمهورية الى امام) كحزب سياسي مؤثر لكن الذي حصل انه بقي مجموعة افراد غير متجانسة فكرياً لا جذور سياسية ومجتمعية لها بحيث لم يظهر لها أي تأثير او تركيز في هذه الانتخابات… استطاع الحزب الاشتراكي الذي اُريد له التشقق ان يرد بعض مواقعه وعند تحالفه من أطراف اليسار الأخرى و الخضر ان يشكل الحركة السياسية الثانية بعد اليمين الجمهوري و الوسط الذي عزز مواقعه في هذه المرحلة وتصدر النتائج وربما سيكون احد مرشحيه الفائزين في اهم المقاطعات الأربعة التي ضمن الفوز بها في هذه المرحلة مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة وبقوة.
المتوقع في المرحة الثانية في 27.06.2021
لا أتوقع اختلاف في موضوع المقاطعة حيث ستكون الجولة الثانية من الانتخابات مع الوجبة الأولى من حركة السفر السياحية للفرنسيين حيث عطلة الصيف بعد أشهر طويلة من الإغلاق وحرمانهم من السياحة في العام السابق ومن المتوقع ان تنطلق قوافل السياح الفرنسيين باتجاهات أماكن حجوزاتهم يوم الجمعة 25 حزيران أي قبل المرحلة الثانية من الانتخابات بعد حرمانهم للعام الماضي من التمتع بسياحة الصيف والشمس… مع دوام الأسباب الأخرى للمقاطعة.
الذي سيحصل في المرحلة الثانية كما أتصور حيث سيكون التنافس بين المتقدمين في النتائج في كل منطقة والذي سيفوز منهم يعتمد على عدد من سيصوت له من جمهور القريبين اليه من الأحزاب الأخرى فعموم اليسار سيصوت لمرشح اليسار وعموم اليمين بما فيهم المتطرف(محدود جداً) سيصوت لليمين هذا اذا كان التنافس بين مرشح يميني واخر يساري اما اذا كان التنافس بين مرشحين من اليمين فسيصطف مصوتي اليسار مع الأقل يمينية أي اليمين الجمهوري ضد اليمين المتطرف كما يتصورون وسيحصل نفس ما حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة عندما تقابل ماكرون مشقق اليسار مع ماري لوبين ممثلة اليمين…اما اذا كان التنافس بين مرشحي اليسار فسيمتنع اليمين بكل اشكاله في الغالب من المشاركة…في كل الأحوال سيمتنع مصوتي اليمين المتطرف عن المشاركة اذا لم يكن لهم مرشح فيها ((هذا في الغالب) وكذلك حال البعض القليل من اليسار. وسيحصل ان ينسحب بعض مرشحي اليسار في حالة وجود منافسة قوية بين اليمين الجمهوري واليمين المتطرف لعدم التسبب بتشتت الأصوات التي سيستفيد منها اليمين المتطرف (التجمع الوطني). وقد حصل هذا فعلاً بعد انسحاب مرشح اليسار في احدى المقاطعات بعد ان حل ثالثاً ويحق له المنافسة في الدورة الثالثة لأن المرشح الأول من اليمين المتطرف والثاني من اليمين الجمهوري وذلك لفسح المجال اما فوز اليمين الجمهوري بانضمام أصوات اليسار الى الأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى.
نودعكم مؤقتاً بانتظار نتائج المرحلة الثانية في 27 حزيران 2021
عبد الرضا حمد جاسم