اتفقت القوى الحاكمة والأحزاب المعارضة في تركيا على قبول سحب الشرعية السياسية والقانونية من حزب الشعوب الديمقراطي، كي يستفردوا بأصوات القاعدة الشعبية للحزب تبعًا لحساباتهم السلطوية؟ أمام هذا التحدي، كيف بمقدورقاعدة حزب الشعوب الديمقراطي أن لا تقع فريسة المفاضلة بين أهون الشرين ” الحكومة أو المعارضة” في ظل الاستقطاب السياسي القائم في البلاد؟ خاصة أن لعبة المتاجرة بالكرد في الحقل الانتخابي التركي تبدأ من خلال حرمان الكرد من الوضعية القانونية والسياسية عبر الحرب والاقصاء والسجون، ومن ثم يجري التلاعب بأصوات القاعدة الشعبية المحرومة من التمثيل السياسي بغية مضاعفة النفوذ داخل السلطة.
هل هذه المقاربة من قبل السلطة، قادرة أن تأتي بثمارها في هذا التوقيت الحرج؟ يجيب الرئيس السابق والمشترك لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دمرتاش بالرفض، وذلك من سجنه في مقابلة مع صحيفة (بولتيك يول)، ويشدد بأن هذا «الزمن قد ولى»، كما ينتقص دمرتاش من أهمية عنصر الصدمة من تصريحات سادات بكر، لدى الرأي العام الكردي، لأن ذاكرة الشعب الكردي حافلة بويلات ” دولة المافيا” من خلال حرق ثلاثة آلاف قرية تاريخياً، علاوة على حرق المدنيين الابرياء مؤخراً وهم أحياء في مدينة جزرة، كما قتلوا المدنيين بصورة ممنهجة في المناطق الكردية المختلفة على حد تعبيره.
لم ينقص مكوث دميرتاش في السجن منذ فترة طويلة، من عزيمته للمساهمة في الحياة السياسة التركية بمقالاته ومقابلاته. فهو يراهن على السلام الاجتماعي الحقيقي في مواجهة حسابات سلطوية رخيصة من قبل الاحزاب الحاكمة، كما أنه يشدد على مفهوم المواطنة بعيداً عن مقياس الأحزاب الحاكمة، إذ يؤكد بأن مناصري الشعوب الديمقراطي « ليسوا أعداء تركيا، بل هم مواطنون يتمتعون بالوطنية والإصالة المتجذرة».
يشار أن صلاح الدين دميرتاش، الرئيس السابق والمشترك للحزب الشعوب الديمقراطي، اعتقل في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 لأسباب سياسية بحتة، عقب التحالف اليميني المتطرف بين الحزب الحاكم وحزب الحركة القومية. وعلى الرغم من قرارات المحاكم المحلية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان القاضية ببراءته ووجوب إطلاق سراحه، إلا أن تلك الدعوات لم تلقى آذاناً صاغية من قبل التحالف القائم.
فيما يلي نص المقابلة:
زعيم المافيا سادات بكر كان في قلب الحدث السياسي في الآونة الأخيرة. ماذا تقولون عنه في نطاق متابعتكم له؟
اعتقد، حتى قبل أن يبدأ سادات بكر بالحديث، كانت المافيا المحور الذي يحدد السياسة في تركيا. ما هو الفرق بين المافيا والذهنية التي تعلن صراحة وبإصرار أنها لا تعترف ولن تنفذ الدستور والقوانين وقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الدستورية؟
الاختلاف الوحيد هنا بين سادات بكر والحكومة هو أن الأول يعترف بصدق بأنه مافيا. انطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن ما كشف عنه سادات معروف. ولم يشكل صدمة لي.
علاوة على ذلك، ما تم الكشف عنه هو قمة جبل الجليد الصغيرة. عندما يتم الكشف عن جميع الحقائق، ستواجه تركيا صدمة حقيقية، وللأسف سيقع الذين دعموا هذه الحكومة بحرج كبير. سنعيش ونرى معاً.
ماذا تعني لك إفشاءات سادات بكر عن “كوتلو أدالي” و “سافاش بولدان” ورجال الأعمال الأكراد ومقتل أوغور مومجو؟ هل هو تأكيد للمعلوم أم أنه شيء مختلف؟
أعتقد أن كل عاقل يدرك ماهية جرائم القتل هذه، دون الحاجة إلى إفشاءات بكر المحدودة. ومع ذلك، فإن اعترافات شخص من الداخل (المنظومة) تخلق مصداقية معينة في المجتمع.
لم تكن تصريحات بكر مفاجأة لسكان المنطقة( المنطقة الكردية). لماذا برأيكم؟
ما السبب الذي يجعل ذلك مفاجئاً للشعب الكردي، الذي يدرك جيداً حدود قمع الدولة؟ الطبيعي أن تشكّل (التصريحات) مفاجئة للذين يعتقدون أن الدولة منزّهة، ولا يصدّقون أبدا ارتكاب الحكام للجرائم، ويشتركون بصمتهم في هذه الجرائم. أولئك الذين لا يصدقون أن مسؤولي الدولة قاموا بإحراق ثلاثة آلاف قرية كردية، وحرق مدنيين أبرياء وهم أحياء أو قتلوا في “جزرة” أو “سور” في الماضي القريب، عندما يتم الكشف عن كل الأسرار، سوف يصاب هؤلاء الناس بالذهول مجدداً.
الجميع يبحث عن مدع عام شجاع. هل ستتمكن تركيا من العثور على ذلك المدعي العام؟
لا وجود لمدع عام أو قاض، غالبيتهم العظمى، موظفون نشطاء في الحزب (الحاكم). في ظل هذه الظروف، لا يمكن أن يكون هناك مطلباً أكثر عبثية من دعوة القضاء لأداء واجبه. أعتقد أنه يجب أن يكون هناك مطلب واحد فقط؛ انتخابات فورية. بخلاف ذلك، فالوضع سيكون أشبه بالثرثرة غير المجدية.
ما هو تأثير كل هذه الاعترافات على السياسة؟
سوف يتسبب ذلك في تحول تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية المنهك بالفعل إلى وصمة عار. إذا توحّدت المعارضة حول برنامج الديمقراطية ووسعت المعارضة الاجتماعية من خلال خلق رؤية مشتركة للمستقبل، ستذهب تركيا إلى الانتخابات في أقرب وقت وتعود إلى المسار الصحيح. بخلاف ذلك، ستزداد البلاد دماراً مع مرور الأيام وسيبلغ الضرر بعداً لا يمكن السيطرة عليه.
خلقت تصريحات سادات حركة داخل حزب العدالة والتنمية والأحزاب التي انفصلت عنه، وأجبرتهم على الإدلاء بتصريحات تخص الماضي. هل سيؤدي ذلك إلى مواجهة داخل حزب العدالة والتنمية ذاته؟
لا أعتقد أنه سيكون هناك مصارحة ومصالحة واسعة النطاق مع الماضي. أرى أن أحزاب المعارضة الجديدة تحاول تقوية مواقفها ببعض التصريحات البراغماتية، لا أكثر. تحاول هذه الأحزاب تبرئة نفسها من خلال اجراء مراجعات في ماضيها ببيانات خجولة للغاية. لا أتذكر أنني سمعت نقداً ذاتياً. لا أعتقد أنه من الممكن بالنسبة لهم إثبات نضجهم بهذا الموقف. إنهم بحاجة إلى تطوير نهج أحدث وأكثر جرأة.
المعارضة تريد انتخابات مبكرة، بينما تعتبرها الحكومة مجهوداً سياسياً إضافياً. هل تعتقد أن البلد بحاجة إلى انتخابات مبكرة؟ ولماذا؟
بالطبع، يجب أن تكون هناك انتخابات مبكرة. لأن كل يوم تأخير يسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه ويزداد الدمار.
برز اسم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو مؤخراً في صدارة المرشحين المحتملين للرئاسة. ما هو رأيكم؟
لن يكون من الصواب التعليق على الأسماء. مع ذلك، كأي شخص آخر، من حق كيليجدار أوغلو أن يكون مرشح حزبه.
حاولت السلطة أولاً إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي، وعندما فشلت في تحقيق أي نتائج حاولت هذه المرة خنق المعارضة باتهامها “بتسليم البلاد لحزب الشعوب الديمقراطي”. ما معنى ذلك برأيكم؟
من يستبعد حزب الشعوب الديمقراطي سيخسر. هذا واضح. من مصلحة تركيا أن تجري جميع الفئات حواراً مع حزب الشعوب الديمقراطي دون الوقوع في فخ المستفزين. حزب الشعوب الديمقراطي منفتح على الحوار.
الآن، شرعوا التلويح بسيف الإغلاق ضد حزب الشعوب الديمقراطي مرة أخرى. هذه حملة سياسية مكشوفة للغاية. محاولة الإغلاق لا علاقة لها بالقانون، بل دعوى قضائية مدفوعة بضغوطات حزب الحركة القومية وموافقة حزب العدالة والتنمية. يجب ألا تكون المحكمة الدستورية أداة لمثل هذه الحملات السياسية الخطيرة. أود أيضاً أن أوصي حزب العدالة والتنمية بإعادة النظر في حساباته السياسية جيداً.
وماذا عن دعوى الإغلاق؟
ننتظر من كل الفئات التي تؤمن بالمساواة والتعايش والحياة الحرة والديمقراطية أن تعارض الإغلاق دون تردد. كما أوضح الرؤساء المشاركون (لحزبنا)، لن نتخلى عن السياسة الديمقراطية، بغض النظر عن نتيجة قضية الإغلاق. ومع ذلك، لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن أصوات حزب الشعوب الديمقراطي هي تحت الطلب وأن بإمكانه إضافتها تلقائياً لهذا التحالف أو ذاك، والحصول على نتائج مرضية. موقف حزب الشعوب الديمقراطي جاد للغاية في إعلانه بأنه ليس ولن يكون في أي تحالف انتخابي في ظل هذه الظروف. من المفيد للجميع اتخاذ خطوات من خلال استخلاص النتائج من هذه التفسيرات.
لا يمكن لأي سياسي أن يحل المشاكل المتراكمة منذ قرن من الزمان في البلد، بالتحدث من موقعه. إذا لم نتمكن من الجلوس حول طاولة ومناقشة مشاكلنا والحلول بطريقة حضارية، فلا فائدة من ممارسة السياسة إذا لم نتمكن من الوثوق ببعضنا والعمل معاً لتصحيح مسار تركيا.
ماذا تنتظرون من المعارضة في هذه المرحلة؟
عندما يقوم حزب العدالة والتنمية من أجل مصالحه الخاصة، بالجلوس على الطاولة مع حزب العمال الكردستاني (والحوار دائماً أفضل من الصراع) تتجنب المعارضة الحوار مع حزب الشعوب الديمقراطي الشرعي، فهناك خطأ ما. حزب الشعوب الديمقراطي لا يريد مناصباً أو وظائفاً أو امتيازات من أحد. إنه يحاول إحلال السلام والديمقراطية في البلاد. عندما يحاول البعض رسم طريق حزب الشعوب الديمقراطي وتقديم المشورة له دون القيام بأي عمل فعلي في وقت يقبع الآلاف من أنصار الحزب في السجن من أجل تحقيق الأهداف التي ذكرتها، وعشرات الآلاف يقاومون في الخارج، فهذا يعني أن هناك خطأ ما.
ما هي رؤيتكم المفاضلة بين أهون الشرين؟
يجب أن يكون معلوماً بأننا لا ندفع هذا الثمن حتى يتم استبدال عقلية القوة الحالية بأخرى مماثلة. لن نسمح لأحد أن يجبرنا على المفاضلة بين أهون الشرين. لا يمكن لأولئك الذين لا يستطيعون الدفاع عن الديمقراطية الحقيقية والسلام الحقيقي ولا يؤمنون بها بكل إخلاص أن يكون لهم رأياً في مستقبل تركيا، على الأقل لا يمكننا دعمهم.
لهذا السبب، من الأفضل أن يجتمع الجميع حول مبادئ الديمقراطية والاتفاق على رؤية مشتركة للمستقبل. حتى لو كان هناك من يعارضها، فالأفضل أن نعرفهم (معارضي ذلك) اليوم. التعاون في الانتخابات خطوة لاحقة. يمكن مناقشتها مع الدخول في فترة الانتخابات. إن بيانات الرؤساء المشاركين لحزب الشعوب الديمقراطي في هذا الصدد واضحة للغاية. يجب على الجميع الاستماع إلى هذه البيانات بجدية.
أعتقد أن إدارة حزب الشعوب الديمقراطي ستطور حركة سياسية جديدة وموقفاً سياسياً وفقاً للقرارات المحتمل صدورها من المحكمة الدستورية …
كل شيء سيتضح في الأشهر القليلة القادمة، سنتابع ونرى. ستكون هذه العملية بمثابة ورقة اختبار ليس فقط لحزب الشعوب الديمقراطي، بل للأطراف الأخرى أيضاً. سنرى من الذي يؤيد الديمقراطية والحل السلمي للمشكلة الكردية ومن الذي يؤيد استمرار التوتر والصراع.
ستكون اعين سبعة ملايين ناخب من حزب الشعوب الديمقراطي على هذه الجهات. أتمنى أن يكون أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي وقوى الديمقراطية في وضعية هادئة. لقد قاتلوا بقوة من أجل الديمقراطية، ودفعوا أثماناً باهظة، ولا زالوا يدفعون. دعونا نرى معاً ما الذي ستفعله الأحزاب الأخرى من أجل الديمقراطية، وما حدود المخاطرة التي يمكن أن تتخذها من أجلها، لأن عصر الضحك على اللحى والمتاجرة بالكرد سياسياً قد ولّى. إما أننا نؤيد الديمقراطية سوياً وإلا فلن يتنازل حزب الشعوب الديمقراطي عن موقفه ونضاله، حتى ولو ترك وحيداً.
أعلنتم عدم الدخول في محاصصات وزارية
نعم، أوضح الرؤساء المشاركون لحزب الشعوب الديمقراطي أنهم لا يتفاوضون من أجل أي وزارة، وأنهم لا يتعاملون مع هذه القضية بثمن بخس. بالطبع، يجب على الجميع أن يدرك أن منع حزب الشعوب الديمقراطي من المشاركة في الحكومة والحصول على وزارات، بمثابة مقاربة عنصرية وعدائية صريحة، إذا كان أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي يدفعون الضرائب ويؤدون خدمتهم العسكرية ويشاركون في الانتخابات، فيمكنهم أن يصبحوا وزراء أو رؤوساء. علاوة على ذلك، ينبغي النظر إلى خيار حزب الشعوب الديمقراطي كجزء من سلام اجتماعي كبير، ومصالحة، وإرساء الديمقراطية، وحل دائم للعنف. ومن المؤكد أنه سيسهم بشكل كبير في مستقبل تركيا المشترك.
باختصار ، بدلاً من حصر القضية في أولويات رخيصة مثل الصفقة الوزارية، يجب النظر إليها من منظور النضج ومنح الأفضلية للقدرة على إدارة تركيا معاً لحل مشاكلنا من أجل السلام، من أجل تطوير البلاد وتنميتها، من خلال التعاون على مبادئ الديمقراطية. لا ينبغي أن ننسى أن أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي ليسوا أعداء لتركيا، فهم مواطنون يتمتعون بالوطنية والاصالة المتجذرة. على الجميع قياس واستخدام كلماته وفقاً لذلك.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات