.
برز ملف الطاقة الكهربائية في العراق خلال الأيام القليلة الماضية، إلى الواجهة، مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، والاستهداف المتكرر لأبراج الطاقة في المناطق النائية، فيما تحدثت مصادر أمنية، وسياسيون عراقيون، عن جهات وأشخاص يقفون خلف تلك الحوادث، لتحقيق مكاسب مالية.
وشهدت محافظات عراقية، مؤخراً، موجة “غير مسبوقة” من عمليات استهداف أبراج نقل الكهرباء، بين المدن، خاصة تلك الواقعة، في مناطق بعيدة، وغير مأهولة بالسكان، ما يصعب حمايتها، ومنع تلك الحوادث، وهو ما دعا القوات الأمنية، إلى التحرك سريعاً، لمواجهة هذا المأزق، في ظل النقص الحاصل بتجهيزات المراقبة، والمعدات الخاصة كالمناطيد والطائرات المسيرة.
وتحملت محافظات صلاح الدين، وكركوك، وأجزاء من ديالى، النسبة الأكبر من هذه الاستهدافات، التي تتم غالباً بالعبوات الناسفة، وتفجيرها عن بعد، وهو ما يدعو القوات الأمنية، والمجتمعات المحلية، إلى الاعتقاد بأن تنظيم داعش الارهابي هو المتورط بتلك الأعمال، خاصة وأنها تقع في مناطق تشهد غالباً نشاطاً للتنظيم المتطرف.
غير أن مصادر أمنية، ونواباً في البرلمان، تحدثوا مؤخراً، عن وجود جهات وشخصيات متنفذة، تقف خلف هذه الحوادث، لتحقيق مكاسب مالية، وتحديداً من مسائل استبدال الأبراج المتضررة، وكذلك وقود المولدات الأهلية، التي تمثل بديلاً في بعض الأوقات عن امدادات الطاقة الوطنية، في كل محافظات البلاد.
جهات مستفيدة
النائب في البرلمان العراقي، عن محافظة صلاح الدين جاسم الجبارة، قال إن “جهات مستفيدة تقف وراء تلك العمليات، فهناك شخصيات تتاجر في الوقود، المجهَز للمولدات الأهلية، وفي حال استمرت الطاقة الكهربائية، فإنه سيتعرض إلى خسائر”.
ويضيف النائب، وهو عضو في لجنة الأمن والدفاع النيابية، في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أن “الجهات المستفيدة، ربما تكون من وزارة الكهرباء نفسها، خاصة العاملين على الصيانة، أو مصنعي الأبراج، وربما حتى جهات أمنية، تكون مستفيدة من ذلك، ولا ننفي أن يكون داعش متورط أيضاً”.
ودفعت تلك الحوادث الخفية، وزارة الداخلية العراقية، مؤخراً، إلى التعاقد مع شركة صينية لشراء طائرات مسيرة من أجل حماية خطوط التيار الكهربائي، إذ تفاقم هذه الهجمات من مشكلة الكهرباء المستفحلة في البلاد، خاصة في فصل الصيف، الذي تنقطع فيه الكهرباء عن أجزاء واسعة من العراق.
ويعتمد العراق على مولدات أهلية، يملكها تجار أو مواطنون عاديون، لتغطية جزء من التشغيل اليومي، حيث لا توفر الشبكة الوطنية، ساعات تجهيز كاملة، كخطة بديلة، فيما تمتلك شبكات سياسية وجهات متنفذة بعض تلك المولدات، التي تدر أرباحاً طائلة، مع ارتفاع المبالغ المتحصلة جرّاء الاشتراكات الشهرية.
وفي حال توفرت الطاقة الوطنية، فإن تلك أصحاب تلك المولدات، سيتعرضون إلى خسائر كبيرة، جرّاء عدم التشغيل لوقت أطول، ما يعني هبوط العائدات، أو الاستغناء عن تلك البدائل، بشكل نهائي.
30 استهداف خلال شهر
ضابط في وزارة الداخلية العراقية، قال إن “الشهر الماضي، شهد أكثر من 30 استهداف لأبراج الطاقة، في عدة محافظات، أبرزها صلاح الدين، وديالى، وكركوك، ونينوى أغلبها في مناطق بعيدة ونائية، وخارج نطاق الواجب الأمني، أو تقع في مواقع لم تحدد القوات المسؤولة عنها، وهو ما يعقد مهام القوات الأمنية، ويجعل من الصعب توفير الحماية لها”.
ويضيف الضابط العراقي الذي رفض الإفصاح عن اسمه لـ”سكاي نيوز عربية” أن “مسألة تورط أشخاص غير إرهابيين في استهداف تلك الأبراج وارد جداً، لعدة أسباب؛ أبرزها أن بعض المواقع المستهدفة، قريبة من السكان المحليين، وهذا يستحيل أن يكون لتنظيم داعش، فضلاً عن أن زيادة أعدادا الاستهدافات، مؤخراً، يعطي مؤشراً على أن داعش يتمتع بقوة كبيرة، تؤهله لإحداث مثل تلك الضجة، وهذا غير وارد ضمن المؤشرات الأمنية، التي تتحدث عن ضعف كبير لدى التنظيم”.
ولفت إلى أن “التحقيقات التي جرت في تلك العمليات لم تحدد طبيعة الاستهداف، وتكتفي غالباً، بإطلاق صفة “اعتداء إرهابي” على تلك الحوادث”.
محافظة نينوى، التي تعاني خراباً ودماراً كبيراً بسبب الحرب على تنظيم داعش، كان لها حصة كبيرة من مأزق التيار الكهرباء، إذ ألقت تلك العمليات بظلالها سريعاً على ساعات تجهيز المدينة، فبينما كانت تحصل على نحو 20 ساعة تجهيز، تلقت ضربة كبيرة، بعد استهداف الأبراج، وهبطت ساعات التجهيز فيها إلى نحو 14- 15، ساعة يومياً.
تفجيرات مقصودة
وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إن هناك استهدافات متكررة ومقصودة لأبراج الطاقة الكهربائية في عدد من المحافظات.
وأضاف الكاظمي في تصريح له، إن “هذه الاستهدافات تؤثر في ساعات تزويد المناطق بالطاقة وتفاقم من معاناة المواطنين”، فيما وجه قيادات العمليات والأجهزة الاستخبارية بمعالجة هذه الاستهدافات وحماية أبراج الطاقة وملاحقة الجماعات الإجرامية.
الخبير الاستراتيجي، سرمد البياتي، أكد “ضرورة تسيير طائرات مسلحة في المواقع التي تتعرض للاستهداف التخريبي، خاصة وأن أغلب تلك المناطق تعد مخابئ لتنظيم داعش، الذي يسعى إلى إيصال رسائل بأنه حاضر في المشهد العراقي، ولديه قوة”.
ويرى البياتي، في حديث لـ”سكاي نيوز عربية” أن “حماية الأبراج عملية معقدة، لجهة بعدها عن المناطق السكنية، ومن الصعوبة على القوات العسكرية، وضع دوريات قربها لكثرتها ما يعني ضرورة اعتماد استراتيجية جديدة، مثل الكاميرات الحرارية المسلحة التي تعالج الأهداف حال رصدها”.