لستُ من المتخصصين في مجال التاريخ ودراسته بل من الشغوفين الى معرفة ما جرى في الماضي من الاحداث والمواقف في سبيل العبرة لأنها تمثل لنا وللأجيال القادمة تجارب وأختبار لعقل وحكمة من سبقونا في الحياة .
إن ما دفعني الى الكتابة في هذا الموضوع هو مقطع فيديو نشر في وسائل الاعلام (فضائية روداو) للمؤتمر العلمي (كوردستان ناسى) الذي اقامة جامعة (جرمو) في جمجمال بأقليم كوردستان ويتحدث احد الباحثين المشاركين باسم (د.صلاح غالب) عن بداية مرحلة تأسيس الحكومة الكوردستانية برئاسة (الشيخ محمود الحفيد) في السليمانية قبل اكثر من قرن وكيف كان الدعم البريطاني له في سبيل انشاء كيان سياسي كوردي مستقل وأكد ان ما نشر عن العداء البريطاني لتطلعات الشعب الكوردي ليست في محله، بل على العكس من ذلك فقد ساعدوا الشيخ الحفيد في بناء هيكل اداري لحكومته والحق مناطق مثل كويسنجق و رواندز وغيرهما بسلطة هذه الحكومة في سبيل تقويتها وعينوا في كل منطقة مجلس اداري من شخصيات تلك المنطقة وطبعاً بأشراف ممثلي بريطانيا، لكن وحسب (د.صلاح غالب) سرعان ما خرج (الشيخ محمود حفيد) عن مساره الذي رسم له بريطانيا و قام بتعيين أقرباء له سواء كانت هذه القرابة قائمة على أساس قرابة الدم او المصاهرة او العلاقات الشخصية حيث قام بتعيين هؤلاء في غير مناطقهم دون أي اعتبار لرأي أهالي تلك المناطق وسط معارضة الأهالي الدولة البريطانية لهذه السياسة التي لا تجلب الخير له بل يكون سبباً في إضعافه ونهايته، وعلى الرغم من إبلاغه وتحذيره لمرات عديدة بالكف عن هذا النهج إلا انه استمر مما دفع بالممثل البريطاني (الميجر نويل) الى مغادرة السليمانية وبعدها قام الشيخ محمود بحركة سياسية وأعتقل البريطانيين الموجودين في السليمانية وأدى في نهاية الامر الى تحطيم كل الاحلام والتطلعات.
وليس ببعيد عن هذا النهج فإن احد أسباب فشل النظام العراقي السابق (نظام حزب البعث) عام 2003 هو قيام (صدام حسين) بتعيين مقربين له في المناصب والوظائف المهمة والحساسة ومنحهم صلاحيات واسعة يفعلون ما يشاؤن تحت غطاء المصلحة العليا وحماية النظام والأمن القومي والوطني، وهناك أسماء عديدة لعبوا دورا كبير في هدم هذا النظام بأفعالهم وتصرفاتهم مما أدى الى أشمئزاز المواطن منهم وزرع الحقد والكراهية في نفوسهم ضد النظام نفسه وشكلوا هؤلاء اسماءً لرعب الناس واخافتهم حتى سمي العراق بجمهورية الخوف التي لم تكن تسلم من بطشها احد.
لذا، فان الاقربين الى القيادات العليا لا يعني بالضرورة اخلاصهم ونزاهتهم وقدرتهم على النجاح في وظائفهم، فكم من قريب أفسد ما ولى عليه، ومن جانب آخر، فإن الشخص البعيد عن الأنظار الذي لا يملك صلة القرابة لا يدل على ضعف كفاءته او عدم اخلاصه ونزاهته، وهذا يعني ان القرابة لا يعد معياراً للنزاهة والإخلاص والعفة والصدق والتفوق والتمييز، فكم من مخلص نزيهه يستحي رفع صوته بقي على حاله لسنوات حتى تبددت آماله وأحلامه وكم من قريب يملك لساناً رناناً بأنغام والحان متنوعة قادر على التملق بات نجماً و أسماً ولكن الزمن كفيل بكشف حقيقة كلاهما.
إن اختيار الإنسان لتولي منصب معين من قبل الروؤساء والمسؤلين الحكوميين على أساس القرابة والعلاقات الشخصية السابقة القائمة على المصالح الذاتية، تجربة أثبتت فشلها في جانبها الكبيرلأنه يشعر بحاجة الوظيفة اليه ويمن عليها بتوليه هذا المنصب وأعتلاءه للكرسي، بل يعمل بما تمليه المصالح الشخصية مع احترامنا لمن تولى وظيفة ويعمل بإخلاص وجد وهو يتمتع بعلاقات حميمة مع رئيسه.
نستخلص مما سبق بأن تولي القريب لوظيفة أو منصب عالي وحساس لكونه قريباً، هذه القرابة يمنحه الإخلاص والنزاهة وكفيل بالأداء المميز، على مر التاريخ فكرة ليست جيدة وأسلوب غير ناجح، بل سبب لضعف الأداء والانتكاس لشعور القريب بأنه في مأمن من المساءلة والتحقيق، وبطون الكتب التاريخية مليئة بمثل هذه الحالات ولا يكاد يخلص منه نظام أو حكومة.
عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
30/6/2021
راي سديد وعقل منفتح وكلام صاءب ..دامت افكارك لتنير الناس بهكذا افكار