ما هي الرسالة الأميركية من الضربة العسكرية للميليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا؟ ، وهل اهتمام إدارة بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي يدفعها للتسامح مع تصرفات ميليشيات إيران في العالم العربي؟ .
مناظرة قناة الحرّة الامريكية عبر برنامج “عاصمة القرار” غاصت في هذا الموضوع مع السفير الأميركي السابق في العراق دوغلاس سيليمان، و أندرو بيك، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون إيران والعراق سابقاً. ومن بغداد شارك- في جزء من الحلقة- الباحث العراقي إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة.
هل تردع ضربات بايدن ميليشيات إيران؟
إن احتفاظ الولايات المتحدة بحق استخدام القوة العسكرية ضروري جداً “لاستعادة بعض الردع” ، برأي السفير سيليمان، لتوجيه رسالة إلى قادة الميليشيات وعبرهم إلى إيران، بأن “أميركا لن تتحمل استمرار هجماتهم” ضد السفارة في بغداد والقوات الأميركية وقوات التحالف الدولي. وبأن على قادة تلك الميليشيات “الاختفاء تحت الأرض خوفاً من الانتقام” الأميركي، وأن يرتدعوا عن مهاجمة القوات الأميركية من جديد، برأي السفير سيليمان.
من جهته يؤيد أندرو بيك “استمرار الضربات” الأميركية ضد ميليشيات إيران لان طهران “تخشى التصعيد السياسي والعسكري” في العراق. فيما طالب الباحث العراقي إياد العنبر بـ” ضربات أستباقية” قبل قيام ميليشيات إيران باستهداف الأميركيين في العراق. لكن الإشكالية الحقيقية – برأي العنبر – تبقى حول هدف واشنطن وطهران من تبادل الرسائل النارية عبر العراق.
رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي(ديمقراطية) قالت إن الغارات الجوية الأميركية الدفاعية ضد الميليشيات، تبدو كـ”ردٍّ دقيق ومناسب على تهديد محدد وجدي”. كما أشاد السِناتور الجمهوري جيم إنهوف بالهجمات “الدفاعية ضد وكلاء إيران في سوريا والعراق، والتي كان يجب القيام بها منذ مدّة” برأيه.
من جهته أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن “أمله في أن يتم سماع الرسالة التي بعثتها هذه الضربات، وردع أي عمل في المستقبل”. إلى ذلك، إعتبر الخبير الأميركي بالشأن العراقي مايكل روبن، بأنه “إذا كان بايدن جاداً في رغبته بردع إيران ووكلائها، فعليه أن يستهدف القيادات ومقرات عملياتها، وأن يرسم خطا أحمر بدل القيام برد يرى فيه الإيرانيون ضوءا أخضر لممارسة عملياتهم، لأنهم يعتقدون أن الربح أكبر من الخسارة”.
لماذا إستند بايدن للدستور وليس إلى تفويض الكونغرس باستخدام القوة العسكرية؟
شدد الرئيس بايدن على أنه أمر بشن الضربات على الميليشيات المدعومة من إيران استناداً إلى السلطة الممنوحة له “بموجب الفصل الثاني من الدستور” الأميركي، وأضاف بايدن بأن أعضاء الكونغرس “الذين كانوا متحفظين على الاعتراف بأن لدي هذه السلطة، أقروا لي بها في هذه الحالة”. لكن كلام بايدن لم يُقنع بعض أعضاء الحزب الديمقراطي، الذين انتقدوا بشدة “تخطّي الرئيس للكونغرس” بحسب تعبير النائبة الديمقراطية باربارا لي، والتي تعتقد أن الوقت قد حان كي “يقول الكونغرس لأي إدارة أميركية: إننا نريد ممارسة مسؤولياتنا الدستورية في الترخيص أو عدم الترخيص باستعمال القوة العسكرية”.
فيما يعتقد السِناتور الجمهوري جيم إنهوف بأن ضرب الميليشيات المدعومة من إيران في العراق يُسلط الضوء على “الحاجة المستمرة لقانون تفويض استخدام القوة العسكرية” الممنوح للرئيس سنة 2002، أو كحد أدنى، “ضرورة إيجاد بديل شامل قبل التفكير في إلغاء القانون”، خاصة أن هذه الميليشيات تُشكل تهديدا متواصلا للجنود الأميركيين في العراق.
يعتقد السفير دوغلاس سيليمان أن هذا نقاش أميركي داخلي بحت ولا علاقة له بالعراق، لان الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية. أندرو بيك يؤيد ” حق بايدن” باستخدام سلطات الرئيس الدستورية لحماية الجنود الأميركيين. لكن الكاتب الأميركي جون شوارز ، أعتبر أن “حملة القصف التي شنها بايدن هي لفرض سلطات رئاسية على طريقة ترامب”. وأضاف أن تأويل الدستور بطريقة تمنح للرئيس سلطة واسعة صار عقيدة عند الجمهوريين وعدد من الديمقراطيين أيضاً.
الاتفاق النووي وضرب الميليشيات المدعومة من إيران :استراتيجية أميركية جديدة؟
من أبرز الانتقادات الأميركية التي توجّه للرئيس الأسبق باراك أوباما ، هي أنه لم يلتزم بوعده القاضي بالفصل بين ملف إيران النووي وتصرفات إيران الإقليمية ، لا سيما دعمها للميليشيات التي تهدد أمن واستقرار الشرق الأوسط. تلك التصرفات التي أصبحت “أسوأ وأخطر بعد توقيع أوباما للاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وإهماله(أوباما) لتفاقم خطر ميليشيات إيران” على الدول العربية، حسب تعبير أندرو بيك، الذي يأمل أن تكون إدارة بايدن مختلفة تماماً عن إدارة أوباما في معالجة هذه المسألة.
السفير دوغلاس سيليمان يؤيد فصل إدارة بايدن بين الملفين، لإنه لا يمكن للإدارة الأميركية “القبول باستهداف القوات الأميركية في العراق وسوريا، مقابل عودة إيران للالتزام بالاتفاق النووي”. فلإيران مصلحة بالعودة للاتفاق النووي نظراً لما يقدمه لها من مزايا.
لكن هل هناك استراتيجية أميركية لمواجهة ميليشيات إيران؟ نعم ، يجيب السفير سيليمان، لكن تلك الاستراتيجية ” للأسف لا تهتم بالسيطرة على التطورات الميدانية لتصرفات وكلاء إيران. بل تتعامل مع الدول التي تتواجد فيها تلك الميليشيات، وهذا الأمر يختلف من دولة لإخرى ، فواشنطن تدعم السعودية ضد الحوثيين في اليمن، فيما هناك مواجهة أميركية مباشرة مع ميليشيات إيران في العراق وسوريا، أي هناك عودة إلى سياسة جورج بوش الأبن” برأي السفير الأميركي السابق في العراق . فليس هناك “ازدواجية أميركية بل ازدواجية إيرانية” برأيه ، حيث تتفاوض إيران في فيينا حول العودة للاتفاق النووي، فيما تستمر ميليشياتها بضرب الأهداف الأميركية في العراق وسوريا، وزعزعة استقرار المنطقة كلها، بما فيها دول الخليج العربية.
من جهته، يربط أندرو بيك المسألة بالاستراتيجية الأميركية الشاملة للمنطقة، ويقول إن المعادلة واضحة وهي: إذا أراد بايدن العودة إلى الاتفاق النووي فلا يمكنه تخفيف الضغط عن الحرس الثوري الإيراني وميليشياته في المنطقة. وعليه ، فإن رفع العقوبات عن المسؤولين والمؤسسات الإيرانية يُسهّل تمويل الأذرع الإيرانية في المنطقة. فعلى واشنطن التأكد دائماً أن لا تُقدِّم التمويل الكافي للنظام الإيراني – بحجة العودة للاتفاق النووي- كي يستمر في تمويل الميليشيات التي تساهم في زعزعة استقرار المنطقة برمتها.
في هذا الموضوع، يعتقد الخبير العراقي إيّاد العنبر أنه يجب الفصل بين ملفيّ النووي والميليشيات. لأن الأساس الثابت في استراتيجية الأمن القومي الإيراني هو ” استهداف المقرّات والمصالح الأميركية ، من خلال وكلاء طهران ، في الدول العربية الهشّة ، والسيطرة الإيرانية على القرار في هذه الدول”.
فيما تؤيد الباحثة الأميركية كارولين روز سعي الولايات المتحدة لإحداث توازن بين الجهود المرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) ، والضغط على إيران واستراتيجيتها القائمة على دعم وكلائها في العراق وسوريا.
إلى ذلك، لا يرى سيث جونز “أي استراتيجية أميركية للحدّ من نفوذ فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان”. وجونز هو نائب رئيس “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” في واشنطن ، وفي النقاش الداخلي حول إيران ، يعتقد السفيران الأميركيان السابقان جيمس جيفري ودنيس روس، أن “المشكلة هي إيران وليس الاتفاق النووي معها”. لان العودة للاتفاق النووي لن تضع حداً لإيديولوجية المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي المُعادية لأميركا، والتي تؤدي بنظامه إلى التمدد في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة وتهديد الدول المجاورة. برأي المسؤولان الأميركيان السابقان.