مع مرور الزمن وتكشف الحقائق وتجذر الأزمات، صار لا يختلف إثنان، على المسؤولية التي تتحملها أحزاب الطائفية والمحاصصة في العراق، وبأشكالها القومية والدينية والمذهبية، في كل الذي جرى ويجري من ويلات وأزمات وكوارث، في وطن تكمن فيه كل المقومات والإمكانيات ليكون وطنا آخر غير الذي هو عليه اليوم وسط الخراب والفوضى …
في استقراء أشكال تكون أحزاب العراق السياسية، يلحظ المتابع إلى إستناد أغلبها تقريبا إلى القومية بشقيها العربي والكوردي، والتركماني إلى حد ما، وإلى الدين متمثلا بالإسلام والمسيحية، والأديان الأخرى، وإلى المذهب، بشقيه المعروفين الشيعة والسنة، وأيضا إلى العرق والأثنية.
ومع هذه الجبهة تصطف أيضا القوى والأحزاب العشائرية والمناطقية .
وضمن هذا المشهد السياسي، يكاد الحزب الشيوعي العراقي وعبر تاريخه النضالي الممتد لأكثر من ٨٧ عاما، هو الحزب الأكثر تميزا ووضوحا في مواقفه وشكل تمثيله السياسي، وعبر برنامجه ونظامه الداخلي وتوجهاته، والتي تستند كلها إلى حقيقة تمثيله الطبقي لمصالح العمال والفلاحين ولشغيلة العمل والفكر، أي بكونه حزبا يمثل مصالح طبقية محددة…
في صف جبهة الشيوعيين تقف مجموعة من القوى والأحزاب والمنظمات المدنية والوطنية التي تستند في برامجها وسياساتها الى الهم الوطني خلافا للتسميات الأخرى .
في أربعينيات القرن الماضي شهد العراق نشاطا ملحوظا وتأسيساً لعدد من الأحزاب السياسية التي جاهرت بتمثيلها لمصالح الفئات البرجوازية الصغيرة والوسطى، وللتجار والملاكين، لكنها وبسبب الظروف المتشابكة والمختلفة لم تستطع مواصلة العمل، وظلت امتداداتها حاضرة حتى اليوم، ولكنها ليست بالقدرة والفعالية والتأثير.
في العراق اليوم هناك قانون ينظم عمل الأحزاب، ويفترض به أن يكون فاعلا وحقيقيا ومتابعا لعمل ونشاط وتكوين وتمويل جميع الأحزاب، ولكن الحقيقة تقول غير ذلك، في الركن المتعمد لهذا القانون وتنحيته جانبا وبقصد وإصرار، خصوصا مع بروز سلطة السلاح خارج سيطرة الدولة، والاستخدام المتزايد للمال السياسي، والتبعية المكشوفة للقوى الإقليمية، وبالذات دول الجوار، وبالضد من وطنية القرار العراقي .
ورغم المآل الكثيرة على نواقص وثغرات هذا القانون، فهو من الناحية العملية يظل مرجعا قانونيا وحيدا، تستند إليه الأحزاب والقوى السياسية العراقية، والذي يمنحها على الأقل شرعية الحركة والنشاط ووفق أطر قانونية…
المصيبة المريرة في العراق، تكمن في الأعداد الكبيرة من الأحزاب السياسية المسجلة رسميا ضمن قانون الأحزاب، والتي تجاوز عددها إلى ٣٠٠ حزبا ومنظمة، خصوصا في ظل حال سهولة تسجيل الأحزاب وضعف التدقيق والمراقبة للأسباب الموجبة لتشكيلها ومصادرها المالية .
من الواضح جدا أن مجموعة محددة من سياسي وقادة ومتنفذي عدد من أحزاب المحاصصة والفساد، يتحملون وزر ما أصاب البلد من خراب وتخلف، ومعهم العشرات من هم على شاكلتهم من الأحزاب والمنظمات المسجلة رسميا، والتي تشكلت كواجهة وامتداد لهم…
وعلى امتداد ١٨ عاما تقريبا، كان الصراع ضاريا ومحتدما بين القوى المدنية والوطنية والديمقراطية، وكل أبناء الشعب الطامحين لدولة المواطنة بعيدا عن التشظي والمسميات الأخرى، وبين قوى الشر المتشبثة بعنكبوت الطائفية والمحاصصة وتعدد الولاءات والتسميات…
وكانت الصورة أكثر وضوحا وسطوعا مع ما أفرزته انتفاضة تشرين الباسلة من نتائج وحقائق مذهلة وصادمة، وهي تشير دون رتوش لمن تسبب في مصائبنا، راسمة الطريق الأمضى في مستقبل العراق المدني في ظل دولة المواطنة والحرية والقرار الوطني، وبأفقها العادل والمنصف اجتماعيا…
ولعل الأبرز في المشهد هو إنصياع قوى السلطة وتنازلها عن الحكم مرغمة، وعن تشريع قانون انتخابات جديد، جاهدوا لأن يكون وفق مقاساتهم، وعن المضي مع المطلب الشعبي الصارخ في انتخابات مبكرة نزيهة وعادلة ..
لقد تمخض الصراع داخل الحركة التشرينية إلى فرز اتجاهات أربع، حيث اصطف الاتجاه الأول مع الأحزاب الطائفية وأحزاب السلطة، سواء من خلال تكوين واجهات جديدة بدعمها، أو من خلال الانخراط معها في قوائمها.
الاتجاه الثاني انضم الى الكاظمي وحكومته وكأفراد أو مجموعات وواجهات، وهو الاتجاه الأقرب الى المشروع الأمريكي ومواقفه اتجاه ايران.
أما الاتجاه الأخر فهو البعث والجماعات المتطرفة، والذي يستمر في مطالبات تشكيل حكومة طوارئ وإسقاط العملية السياسية، والدعوة الخجولة للانقلابات وعودة جنرالات فدائيي صدام، ونسف الفيدرالية والنظام البرلماني، وغيرها..
ويبقى الاتجاه الرابع هو الأقرب إلى نبض الشارع العراقي والوطني في توجهاته، والذي يضم كثيرا من المجموعات والأفراد من الشبيبة التشرينيين الذين استخلصوا دروسا بليغة من الانتفاضة، وأولها خطأ ولا جدوى شعار كلا كلا للأحزاب وتخوين الجميع، حيث استدركوا لاحقاً أن الحزب الشيوعي العراقي والقوى المدنية حليف استراتيجي لهم، ومن المهم التنسيق المشترك الضامن لتحقيق المطالب الحقيقية للانتفاضة.
لقد تبلور هذا الاتجاه عبر تكوين عدد من الكيانات الشبابية وعدد من الرموز المستقلة، ولهم حضورهم الفعلي في ساحة العمل الانتفاضي والمعارض..
ويبقى استمرار التأكيد على مشروعية المطالب والأهداف الوطنية للحراك الجماهيري التشريني، قضية وطنية وآنية في الظروف الحالية، خصوصاً وأن العوامل التي فجرت الحراك كانت تراكمية وطبقية وموضوعية، وهي مستمرة في التأثير اليوم رغم تبدل أشكال وصور التعبير، والتي ترتبط بتغيير الظروف والمهمات..
إن ما تحقق من مطالب الانتفاضة والحراك يبقى بسيط جداً، وبعضه قد رضخت السلطة لتحقيقه بشكل متحايل ويخدم دوام المحاصصة وبقاء الأحزاب الطائفية، كقانون الانتخابات مثلا، ولذلك فأن الظروف الموضوعية لأشكال جديدة من الحراك لازالت قائمة وواقعية .
استمرار الحزب الشيوعي العراقي في مواقفه المبدئية المشاركة والداعمة للحراك، سوية مع مواقف القوى المدنية والوطنية والشخصيات المدنية الديمقراطية المستقلة، يشكل ضمانة لدوام الحراك، وعبر توحيد جهود الجبهة المدنية الديمقراطية، واتفاقها بأشكال معينة في طريقة مخاطبة الشعب وبشكل اتفاقي وتنسيقي، والاستعداد في تبني المطالب، وتحمل المسؤولية كبديل وطني، مع بذل الجهود في أهمية أن يتمحور مسعى وجهد الحراك راهناً، حول موضوع المواقف الوطنية وأهمية توفير أجواء صحيحة وبيئة انتخابية ضامنة لانتخابات نزيهة، وبأطر سلمية وشعارات واضحة بعيدة عن المحلية والفئوية..
في الموقف من العملية السياسية كانت مواقف الحزب الشيوعي العراقي واضحة وتربط دائما في امكانية تغيير العملية السياسية وطرح البدائل لذلك، وأن الاشتراك في الوزارات أو غيرها لا يعني التزكية لمواقف القوى الأخرى، بل منطلقاً من أجل التغيير..
وهنا يمكن الاستشهاد حول موقف الرفيقين النائبين رائد فهمي وهيفاء الأمين، والذي هو موقف الحزب أولا، بمغادرة الموقع البرلماني، في حال تعارض ذلك مع المطالب الوطنية.
إن الحساسية من التنسيق والتعاون مع الحزب الشيوعي، سيكون في فائدة اضعاف الجهد المدني والوطني، وهو ما تسعى اليه القوى الطائفية والإقليمية والبعث، من أجل اضعاف جبهة المدنيين وتحالفاتهم المستقبلية.
هناك فرق شاسع بين مواقف الشيوعيين العراقيين، في اعتبار الانتخابات شكلا من أشكال الديمقراطية، التي ناضل الشعب طويلا لتجسيدها، وبين من يريدها وسيلة لتكريس الاستحواذ والمحاصصة واستمرار التحكم بمصائر الوطن والشعب.
وفي هذه الوجهة تبرز أهمية الخطاب الاعلامي الشيوعي والمدني والديمقراطي، الداعي لاستمرار الضغط الشعبي في الفترة التي تسبق الانتخابات، من أجل التوعية والوضوح، وإمكانية انتزاع بعض التنازل من العدو الطبقي، أو على الأقل ايقاف مسلسل مصادرة الحريات وجرائم القتل، والشروع في التزوير المفضوح قبل انطلاق الانتخابات، مع أهمية التعبئة حول أهمية أن تكون المواقف بشأن الانتخابات ذات بعد شعبي، وأن اكتسابها القوة والمصداقية يعتمد بحدود بعيدة الى نسبة وتأثير القوى المشاركة فيها..
المواقف والخطط السياسية الطامحة للتغيير المدني، يفترض اسنادها ودعمها بالحجج الواقعية والتي ستكون مقنعة شعبياً، في حال استنادها الى الأسباب الداعية لهذا الموقف أو ذاك، ومكامن الخطأ والضرر في السياسة المراد تغييرها، مع دوام الاستشهاد بتجارب فشل سياسات قوى المحاصصة والنفوذ، وتجارب الانتخابات السابقة وما شابها من مصائب وكوارث.
الموقف الوطني يدعونا اليوم إلى الابتعاد عن الخطاب الداعي لأسهل الحلول والداعي الى العدمية والسلبية ومقاطعة الانتخابات والجلوس في البيوت، مع دوام التعبئة باتجاه الموقف الوطني المسؤول والواعي، وبغض النظر في حال الاشتراك في الانتخابات من عدمه، والذي يتمحور حول الفعل التغييري والبديل الوطني الشعبي القادر على انقاذ البلاد من جهنم المحاصصة وصوب دولة المواطنة المدنية الديمقراطية بأفق العدالة الاجتماعية.
ومن الأهمية التركيز على امكانية انتزاع وتحقيق المكاسب الوطنية، في حال تقارب وتنسيق وتعاون القوى المدنية والديمقراطية واليسارية وكل قوى ومنظمات المجتمع المدني من نقابات ومنظمات اجتماعية وشبابية ومنظمات نسوية، وطلبة، وغيرها.
لقد بات ملحاً اليوم خوض غمار الكفاح الشعبي وفي كل الميادين، من أجل كسر وتغيير التوازن السياسي الحالي المائل باتجاه القوى الطائفية المتحاصصة والذي اكتسب ظاهريا ( شرعيته) عبر جولات الانتخابات، وبعلاتها وظروفها المختلفة..
ويمكن السعي لهذا الهدف عبر التوعية الدائمة بخطأ ولا جدوى الاصطفافات القومية والدينية والطائفية والمذهبية، والتي كانت الأس لكل كوارثنا وما حل بنا من مصائب، وعبر تشجيع ودعم اي جهد وتوجه لمن يريد مغادرة هذا التوازن والدرب الأعوج، وبشرط الوضوح في المنطلقات والموقف، ولهدف تقوية جبهة الدولة المدنية الديمقراطية البديل لنظام الاستحواذ والمحاصصة والتسلط . .
المنتفضون والحزب الشيوعي العراقي والقوى المدنية والوطنية، تبنوا مطلب الانتخابات المبكرة، دون فصله عن مطالب محاسبة قتلة المتظاهرين وتقديمهم للمحاكمة، وحصر السلاح بيد الدولة فقط، والقيام بخطوات ملموسة لمحاسبة الفاسدين، وقد حظيت هذه المطالب ولازالت بالتأكيد والقبول الشعبي…
في موقفه تعليق مشاركته في الانتخابات القادمة، كان الحزب الشيوعي العراقي، واضحا وصريحا، وعبر التعويل على الجماهير وقدرتها في تفعيل الضغط والمطالبة، من أجل انتزاع ما يمكن انتزاعه من تنازلات من القوى المتحكمة بمصائر البلد سياسيا، والمقررة في البرلمان والحكومة، مع تبصير الناس ونشر الوعي في أوساطهم، في أن قوى المحاصصة والفساد والطائفية لازالت ماضية في تعنتها، مع استمرار سعيها لترتيب ظروف انتخابية ملائمة تضمن لها استمرار سيطرتها بمقدرات البلاد والعباد…في البلدان المتحضرة لا يحتاج المواطن للكثير من الحنكة والدراية، لتشخيص ومعرفة الأحزاب ونواياها، ومن هي الأقرب لمصالحه وتطلعاته، خصوصا حين تكون الأحزاب واضحة في تحديد هويتها ومصالح الطبقة والفئة التي تتبناها وتدافع عنها…
التوازن السياسي يبقى الحاسم والمقرر الأرأس في المعادلة السياسية العراقية.
وعلى كيفية العمل على تغيير الظروف والبيئة والأسباب التي يستند إليها هذا التوازن، يظل الرهان على قوى الشعب الحية والواعية، وعبر الانخراط ميدانيا في خوض النضال والمقاومة، ولصالح هدف كسب أكبر المؤيدين والداعمين لمشروع التغيير الوطني والديمقراطي المدني لتغيير مسارات التوازن السياسي الحالي …
الشعارات المطالبة بتوفير بيئة صحية للانتخابات، وتوفير شروطها، هي شعارات واقعية وصحيحة، ولها ستجدها الشعبي، وتبقى هذه الشعارات قائمة وفعلية ومؤثرة، وسيمتد تأثيرها طوال الفترة التي تسبق الانتخابات، وستكون حاضرة مع مواقف الناخبين واختياراتهم، وحتى لاحقا بعد الانتخابات وما يتمخض عنها من نتائج .
الموقف من المشاركة من الانتخابات من عدمه، يبقى في كل الأحوال موقفا سياسيا وفكريا، وهو ليس بالقرار الهين والسهل، خصوصا في ظل أوضاع عراقية صعبة ومتشابكة ومعقدة، ومع تكاثر وتزايد أعداد المتبارين في هذا المجال…
لقد علمت تجربة الانتفاضة والاحتجاجات جماهير واسعة من الشعب العراقي، في أن طريق نيل الحقوق وفرض المطالب، ممكن تماما، ويمكن تحقيقه في حال حضور الإرادة الشعبية المتزايدة والواضح سلفا في تحديد الهدف..
المتابع لمجرى تطور انتفاضة تشرين الباسلة، سيرى بوضوح وسطوع، سعي قوى أحزاب السلطة الطائفية والمتحاصصة، ومعها الدول الإقليمية والمجاورة للعراق، وأمريكا وشراذم البعث، من أجل تفتيت وتفريق وتشتت مواقف الثوار والمنتفضين، ولسبب بسيط يمكن في ادراكهم لخطورة وتأثير مثل هذه المواقف، وقد نجحوا للأسف في هذا المسعى ولو إلى حين…
ومع دعوات الحزب الشيوعي العراقي للقوى المدنية ولقوى الانتفاضة والأحزاب التي تشكلت على إثرها، ولكل الحريصين على مستقبل البلاد، من أجل التعاون والتنسيق، برزت العديد من المواقف الإيجابية وسط المنتفضين، وعموم قوى المدنية واليسار ودولة المواطنة، من أجل الحوار والتنسيق والعمل والتعاون، وباتجاه خلق البديل المدني الوطني والشعبي المؤثر فعليا قولا وعملا .
في الموقف من الانتخابات، يفترض النظر لمجمل اللوحة السياسية، وليس لجزء مختصر منها، فإلى جانب المعارضين والذين سيقاطعوا، والمضمونة حقوقهم دستوريا، هناك قوى وأحزاب سياسية ومنظمات وأفراد، يريدون الاشتراك والمساهمة في هذه الانتخابات، من خلال المشاركة الفعلية بمرشحين، أو من خلال التصويت الفعلي..ووسط هذه القوى خليط غير متجانس من الأهداف والنوايا لكل الأطراف، والتي يضمن لها الدستور وقانون الأحزاب هذه الممارسة الديمقراطية رغم علاتها…
القوى المدنية والديمقراطية وعموم الطامحين لدولة السلام والإعمار والعدالة، لا يمكنهم تخوين الأحزاب والمنظمات الأخرى، فقط لكونها أحزاب ومنظمات المسميات معينة، بل يمكن خوض الصراع الفكري والسياسي وحتى الأيديولوجي في توضيح خطل ولاجدوى ولا نفع، سياسات وبرامج هذه الأحزاب، وعبر إقناع أكبر عدد من جماهير الشعب لعدم منحها الأصوات والتأييد، مقابل الترويج لبديلها من برامج وتوجهات مدنية وديمقراطية .
هناك أشكال من المقاطعة والرفض للانتخابات، وأبرزها المقاطعة الواعية والإيجابية والمتمثلة في المعارضة والاستعداد في العمل والفعل التغييرين، والمقاطعة السلبية، وعبر الجلوس في البيوت وانتظار نتائج الانتخابات عبر شاشات التلفاز، وربما التأفف على نتائجها.
وعبر الحساب الرياضي البسيط، فأن نتائج المقاطعة الواعية عبر الحضور والتصويت بالرفض، لن تكون كبيرة ومؤثرة في النتائج، في ظل استعداد قوى مختلفة لخوض الانتخابات، وتجسيد جماهيرهم لهذه المهمة ومنذ وقت مبكر، ورغم المعنى والموقف في ذلك .
ومقارنة مع هذا الموقف الرافض والواعي، يبقى الموقف المشارك الواعي والمدرك، ذي تأثير أكبر وأعمق وأكثر دلالة، خصوصا وهو يسهم في تغيير خارطة النتائج المحتملة للانتخابات..
وللوضوح فأن مقاطعة مليون صوت، ليست مشابهة تماما لمشاركة هذا المليون من الأصوت، والقصد هنا في النتائج، وفي تمكين أصوات الشعب الحية في الحضور فعليا في واحدة من حلبات الصراع، وأقصد البرلمان العراقي، ومن خلال المشاركة الفعلية في الانتخابات عبر التعريف بالمرشحين المدنيين والوطنيين والشيوعيين، ودعوة جماهير الشعب للمشاركة بوعي ودراية، وحجب التأييد عن مرشحي قوى الفساد والطائفية، سيكون له فعله الإيجابي.. وهذا لن بكون ذي تأثير أو قيمة، في حال مشاركة الشيوعيين منفردين في هذا الموقف، بل يفترض ويتطلب التقارب والتنسيق والوضوح والمشاركة الواعية وعبر جبهة بديل واسعة تضم قوى انتفاضة تشرين وكل القوى المدنية والشخصيات المدنية الوطنية المستقلة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات بمختلف أشكالها .
هذه المشاركة ستكون أكثر فعالية وقوة وتأثير في حال استمرارها على مطالبها التي تخص توفر شروط الانتخابات، وغيرها، والاستمرار على كسب التأييد الشعبي والجماهيري لهذه المطالب، ومنها بالتأكيد تغيير نظام المحاصصة، الذي لن تغيير الانتخابات القادمة الكثير من أسسه ومرتكزاته…
الانتخابات ليست ملكا لجهة معينة دون أخرى، وهي قضية ناضل الشعب طويلا لتكريسها، وقد تحققت هذه الإمكانية فعلياً لأكثر من مرة، ولكنها للأسف عانت من تشوهات وارادات قوى الشر الداخلية والخارجية .
المشاركة الواعية الواسعة شعبيا من قبل قوى الانتفاضة والأحزاب المدنية وقوى الشعب الحية، ستكون رفضا واعيا ومؤثرة لقوى الشر والمحاصصة..وتغيير موازين القوى سيكون فعالا حين تتعدد جبهاته، ومنها بالتأكيد جبهة الشارع وسط الجماهير..
في المشاركة الواعية سوف لن تمنح القوى الفاسدة والمحاصصة الشرعية، بل بالعكس حين يكون الموقف برفضها، وعبر اختيار الوجوه المدنية والوطنية البديلة، واستمرار خوض النضال الوطني والمعرفي الذي سيطول لسنوات قادمة ..
موقف الحزب في تعليق المشاركة في الانتخابات له معانيه ومضامينه، في محاولة الضغط من اجل استمرار الحركة الجماهيرية والانتفاضة وكل اشكال الرفض لسياسات السلطة في تكريس المحاصصة، ومحاولة انتزاع ما يمكن من تنازلات، وفي نفس الوقت تعرية وكشف اساليب الاغتيالات والقتل وتسميم الاجواء الانتخابية..
الفترة القادمة تتطلب حسم موقف الشيوعيين العراقيين بخصوص المشاركة ى الرأي الشعبي والمزاج الانتخابي، وعلى مواقف المنظمات الدولية والحكومات عموما في تقييم الانتخابات..
كل ماكانت مواقف الشيوعيين والمدنيين متقاربة ومتناسقة مع مواقف قوى تشرين وفي الانتخابات من عدمها، وهذا سيعتمد فعلا على مستوى الخطوات التي ستقدم عليها السلطة، وعلى مستو
الانتفاضة والفاعلين فيها، ومع مواقف وتوجهات القوى المدنية والديمقراطية، كل ما كانت قوية ومؤثرة، وسيكون لها حضورها الشعبي، وخصوصاً في الموقف من المشاركة في الانتخابات من عدمه…