في تصريح لجو بايدن رئيس الولايات المتحدة الامريكية في 8/7/2021 في ولاية اتلانتا قال (لقد حققنا اهدافنا، ولهذا السبب ذهبنا الى أفغانستان، ولم نذهب لبناء الدولة ومن حق الشعب الافغاني وحده ان يقرر مستقبله وكيف يديرون بلادهم، واشنطن حققت ما تريد في القضاء على الإرهاب ومع من شارك في هجمات سبتمبر 2001 )
هذا التصريح في غاية الوضوح والأهمية وعبارة عن ملخص للأستراتيجية الامريكية في منطقة الشرق الأوسط ويحمل الكثير من المعاني والدلالات، إن عنوان المقال جزء من هذا التصريح اتخذناه للانطلاق نحو محاولة فهم ما يجري في المنطقة وما هي الأسباب والدوافع الكامنة وراء وجود قوات الدولة الأخرى في الشرق الأوسط ومعرفة النتائج وإن كانت غير معروفة للعامة ومن هذه المعاني والدلالات المستخلصة من هذا الخطاب وإن مرور عدة أيام على هذا الخطاب دون تعليق منا كانت في سبيل متابعة ما ينتج من الأنسحاب الامريكى من أفغانستان وإطلاق يد الطالبان وسيطرتها على مناطق واسعة:-
- يجب ان نهتم كثيراً بخطابات الرؤساء وخاصة الرئيس الأمريكي لانه يعبر عن السياسة العامة الداخلية والخارجية الامريكية وأستراتيجيتها تجاه القضايا المطروحة على الساحة الدولية، خاصة ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ودولة العراق على وجه الخصوص وإقليم كوردستان باعتباره جزء منه وفق الدستور والقوانين الصادرة، وبما لهذه الخطابات من تأثير على المنطقة سواء بالتهدئة او اشعال فتيل الحروب والنزاعات.
- يدل هذا التصريح المثير بان الدول تتعامل على أساس المصالح وكيفية حمايتها وتأمينها لأطول فترة زمنية وليس على أساس الدفاع عن السلم العالمي والإنسانية والإنقاذ من القتل والدمار والخراب والإرهاب وإن كانت تتخذ من هذه العبارات غطاءَ لها، إلا اذا ما تقاطعت مصالحها مع مصالح شعوب المنطقة فحينها تكون سياساتها تصب في صالح هذه الشعوب وتستطيع ان تستفيد منها.
- عندما أصبحت الجماعات الإرهابية تهديداً لأمن أمريكا وبدأت بالهجوم على المؤسسات الحيوية الامريكية في واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001 وانهيار برجي التجارة العالمية، حينها بدأت بالتفكير و وضع الخطط للانتقام منها وإرسال جنودها الى أفغانستان لمحاربتها وما ان انتهت مهمتها إلا و بدأت بالانسحاب بعد حوالي عشرين عاماً تاركاً الشعب الافغاني في ظل اقتتال وتناحر داخلي يصعب على المرء ان يتوقع ما سيؤل اليه الأمور في المستقبل.
- لم نذهب لبناء الدولة، هذه العبارة كانت الأكثر وضوحاً في الخطاب وضرب كل الآمال وأحلام شعوب المنطقة وخاصة الشعب الافغاني والعراقي في الهواء بالاعتماد على أمريكا في بناء دولهم، لانهم في الحقيقة لم يأتُ الى المنطقة في سبيل بناء دول ديمقراطية تنعم بالحرية والأمان وتلعب دورها وانما جاءت لمحاربة الإرهاب عندما يكون خطراً عليهم، وهذا يعني بان وضع أسس الدولة وإقامة الحكم الرشيد يقع على عاتق الشعب العراقي والافغاني وهم المسؤولون عن حماية بلدانهم وانفسهم وانهم من يقررون كيف يديرون أمورهم؟
- ان المساعدات المتنوعة التي يقدمها الامريكان لشعوب المنطقة وخطواتها في سبيل توحيد الصفوف ودعم القوات المسلحة لهذه الدول تأتي في اطار تهيئتها وتجهيزها لتكون جاهزة لمحاربة الجماعات الإرهابية وخاصة (داعش) لانها باتت تهديداً لأمن العالم وسلمه وعندما تحقق أهدافها فانها ستبدأ بالتفكير بالانسحاب.
- على مستوى العراق وإقليم كوردستان يمثل هذا التصريح ناقوساً للخطر مع علمنا المسبق بالاختلاف في الوضع السياسي الافغاني والعراقي ولكنه السياسة التي لا تعرف الصديق والعدو على الدوام وعلينا ان نحمل هذا الخطاب بكل جدية ومهارة ونستفيد من الوضع القائم ونوحد صفوفنا الداخلية ونعمل يداً بيد على بناء المؤسسات الحكومية على أسس من الإخلاص والنزاهة ونقدم ما بوسعنا الى الشعب، إن بناء الوطن والحكومات تحتاج الى تكاتف الجهود وأختيار الأكفء والنزيه لتولى الوظائف المهمة وإنها مسؤولية تضامنية لجميع المؤسسات والأحزاب والمنظمات المحلية والأجهزة الاعلامية وعليها أن تعمل باتقان وتفاني، ولا نعتمد كثيراً على الدعم الخارجي (المصالحي) وإن كان ضرورياَ في بعض المراحل وكما يقول المثل الكوردي (اخاطب الحائط فليسمع من وراءه) ويمثل هذا التصريح ناقوساً لنستيقظ من سباتنا بالتعويل على الخارج واهمال الوضع الداخلي، في الوقت الذي نقدم شكرنا لدعم الدول لأقليمنا وخاصة عند هجوم الجماعة الإرهابية داعش علينا في منتصف عام 2014.
أكد السيد مسعود بارزاني مراراَ وتكراراَ بان القوات الاجنية يمكن ان تقرر الأنسحاب في أي وقت ببرقية، لذا علينا جلب مصالح الدول العظمى وخاصة امريكا الى إقليم كوردستان لأنهم سيحمون مصالحهم ومصالحنا، هذا يدل على بعد نظره الثاقب وقراءته الصحيحة والعميقة للسياسة الدولية .
عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي