منذ ما يقرب من ستة عقود والشعب العراقي في مواجهة مباشرة ومستمرة مع الفقر والجوع والحرمان ، مع الإرهاب السياسي الحكومي البعثي-القومي الشوفيني مرة ، ومع الإرهاب الإسلامي السياسي الحاكم وميليشياته وأحزابه البغيضة والفاسدة مرة أخرى . فشعب العراق يذبح يومياً بأعز ما لديه ، بناسه ، بأبنائه وبناته ، بشيوخه وأطفاله ، على أيدي جمهرة خسيسة مأجورة من القتلة فقدت الذمة والضمير ، تحركها وتغذيها قوى وأحزاب سياسية تعيش الماضي في الحاضر وتعمل بلا هوادة على إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء ، تمارس القتل وتشوه الحياة وتحول عيش الإنسان العراقي في هذا العالم الرحب والجميل إلى جحيم لا يطاق . إنها الرغبة الجامحة والشرسة ، إنها الإرادة المتوحشة والمريضة ، إنها الرؤية الفكرية المتخلفة والبالية ، إنها الرغبة في السيطرة وفرض المصالح الأجنبية والولائية لمن هو ضد هذا الشعب الأبي ، والمصالح الذاتية الدنيئة على المجتمع ، إنها الرثاثة ذاتها التي لم يعد لها أي مكان في هذا العالم الإنساني ، على المجتمع العراقي.
يومياً يقتل الإنسان العراقي ، أفراداً وجماعات ، بتشخيص مباشر ، وبكاتم الصوت أو بتفجير انتحاري جبان ، في مناطق وأسواق شعبية يعيش فيها ويتسوق الفقراء والكادحون وذوي الدخل المحدود والذين يعيشون على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قسراً ، بسبب طبيعة هذا النظام السياس الطائفي المحاصصي الفاسد والجائر القائم في العراق ، بهدف إشاعة الفوضى والرعب والموت والخراب وعدم الاستقرار في البلاد ، بهدف فرض الإرادة القذرة على الشعب والاستمرار بالحكم ونهب المال العام .
ويومياً يرتفع صوت الحكام المبحوح من كثرة زعيقهم وتهديدهم الفاشوشي ، أي اللاشيء ، بتشكيل لجان للتحقيق ومعرفة الأسباب وراء الاغتيالات وتلك التفجيرات الانتحارية ، وتلك الحرائق المشتعلة في المستشفيات ، وتدمير أبراج نقل الكهرباء ، أو إطلاق الصواريخ على دور السكن والقواعد العسكرية العراقية ، وتلك الجثث المحترقة إلى حد اختفاء معالمها ، دون أن تظهر نتائج تكشف عن القتلة المباشرين ومن يقف وراء هذه الأفعال الإجرامية المستمرة!
وبين حين وآخر يطلع علينا أمين عام الأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش ليقول للدولة المهمشة والهامشية ، للحكومة العراقية ، للقضاء العراقي : إن “هذا الهجوم المميت قبيل عيد الأضحى هو تذكير لنا جميعاً بأن آفة الإرهاب لا تعرف حدودا ” ثم يؤكد ” “ضرورة تقديم مرتكبي هذه الجريمة إلى العدالة على وجه السرعة”. ولكن لا من سميع ولا مجيب ، فهم جميعاً “صم ، بكم ، عمي” لا يفقهون . أو نستمع بين الحين والآخر تصريحات السيدة جينين هينيس-بلاسخارت تؤكد فيها بأنها أبلغت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بما جرى ويجري في العراق ، وإنها تدين العمليات الإرهابية والاغتيالات ، دون أن يكون لهذه الهيئة الدولية أي استجابة مفيدة لصالح شعب العراق المبتلى بهذه القوى الحاكمة وبمن يريد تخريب العراق وقتل أبناءه وبناته والهيمنة المطلقة عليه!
قال الأمام الشافعي “ما حك جلدك مثل ظفرك ، فتولَّ أنت جميع أمرك وإذا قصدت حاجة فأقصد لمعترف بقدرك”. فها نحن نواجه هذه الحالة اليوم . فلا أحد يفكر اليوم بنجدة شعب العراق ، وعلى الشعب أن ينجد نفسه بنفسه ، عليه أن ينهض مع قواه الحية ، مع قوى انتفاضته التشرينية الباسلة ، مع القوى المدنية والديمقراطية وكل من يعي مخاطر هذا النظام القائم في البلاد على المجتمع العراقي وعلى مستقبل أجياله ، بتحمل مسؤولياته في مقارعة القوى الحاكمة ، أن يجدد انتفاضته وينطلق لفرض إرادته ومصالحه . وحين ينهض هذا الشعب مجدداً ويواصل نضاله المجيد ، عندها سنسمع أصوات الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي مؤيدة له ومحتجة على قتلة الشعب الثائر بزخم ووعي آخرين والتزام أفضل.
أكرر قول الشاعر الفقيد كاظم السماوي :
وإذا تكاتفت الأكف فأي كفٍ يقطعون وإذا تعانقت الشعوب فأي دربٍ يسلكون
التعازي والمواساة لعائلات شهداء العراق الأبرار وجرحاه في مستشفى أبن الخطيب في بغداد ومستشفى الحسين في الناصرية وشهداء التفجير الانتحاري الجبان في مدينة الثورة الباسلة ، والذكر الطيب للشهداء الأبرار والخزي والعار للقتلة ومن يقف وراءهم ومن يسكت عنهم !!!
20/07/2021