تشدد الشرطة الألمانية الإجراءات على الحدود مع النمسا للحد من الهجرة بشكل غير قانوني إلى البلاد، فريق مهاجر نيوز اطلع عن قرب على الأوضاع على الحدود.
مدينة سياحية ذات مناظر خلابة، تحيط بها جبال لبست بعضها قبعة بيضاء عشية الاحتفال بعيد القديسين. ها نحن الآن في مدينة سالزبورغ النمساوية على الحدود الألمانية؛ مدينة موزارت، أحد أشهر الموسيقيين الذين عرفهم التاريخ.
السوق يضج بالناس، وبينهم سياح، يبدو أنهم على عجلة لشراء ما يلزمهم للاحتفال بعيد القديسين الذي يعتبر يوم عطلة رسمية في النمسا وألمانيا والعديد من الدول الأخرى.
ونحن في فريق مهاجر نيوز أيضا على عجلة من أمرنا، ولكن ليس لشراء حاجيات الاحتفال، بل لأن لنا موعدا مع المتحدث بالشرطة الألمانية في ولاية بافاريا في المدينة الألمانية التي تجاور سالزبورغ على الطرف الآخر من الحدود؛ مدينة فرايلاسينغ، وذلك للاطلاع على الوضع على الحدود.
لا تشعر بالحدود ولكن…
توجهنا من محطة القطارات في سالزبورغ إلى فرايلاسينغ عابرين الحدود بين البلدين دون أن نشعر بها، حيث أن نهر سالاتش (زالاخ) يشكل الحدود الطبيعية بين البلدين في هذه المنطقة. وما إن نزلنا في محطة قطارات فرايلاسينغ، حتى لمحنا شرطيين ألمانيين يراقبان الناس الذين يخرجون من القطار.
أمام المحطة قابلنا بالصدفة عددا من اللاجئين، وأخبرني أحدهم أنهم تعودوا على احتمال أن تفتشهم الشرطة أو توقفهم أثناء عبورهم بالقطارات بين المدينتين الحدوديتين. وما هي إلا بضعة دقائق حتى توقفت سيارة للشرطة ونزل منها رجل متوسط القامة تبدو من شارته التي تحمل أربع نجمات أنه ضابط للشرطة، إنه ماتياس كنوت، المتحدث باسم الشرطة الألمانية الذي كان لنا موعد معه. أخذنا بسيارته متوجها إلى أحد نقاط التفتيش الرئيسية الثلاثة الموجودة على الحدود النمساوية الألمانية. وعلى الطريق يقول الضابط: “هناك ترون نقطة تفتيش متحركة والآن نحن في طريقنا إلى إحدى النقاط الكبيرة”.
ثلاث نقاط حدودية رئيسية
ها نحن ننزل من السيارة في أحد تلك النقاط الكبيرة. يقول كنوت لفريق مهاجر نيوز: “هذه النقطة الحدودية تقع على الطريق الدولي A8، وهناك نقطتان رئيسيتان أخريتان، أحدهما على الطريق الدولي A3 بالقرب من مدينة باساو، والأخرى على الطريق A93 على الطريق بين أنسبروك (النمسا) وروزنهايم (ألمانيا)”، مضيفا أن التفتيش يتم في هذه النقاط الثابتة على مدار ال24 ساعة وحتى في أيام العطل.
في نقطة التفتيش هذه، قسمت الشرطة الاتحادية الطريق الرئيسي إلى ثلاثة فروع، يتم في إحداها مراقبة حركة المرور مع السماح للسيارات بالمرور في حال لم يتم إيقافها، وفي الأخرى يتم تفتيش السيارات الخاصة، وفي الثالثة يتم تفتيش الحافلات والشاحنات.
يقول ضابط الشرطة: “يتم تفتيش ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف شخص في اليوم الواحد”، ويتابع: “يختلف عدد أفراد الشرطة الذين يعملون هنا، لكنه يتراوح في المتوسط بين 25 و30 شرطيا”، مشيرا إلى أن التشديد على حركة المرور في النقطة يصبح أقل في حالات الازدحام المروري. وبينما نحن هناك كانت الشرطة تتحدث من بعيد مع أشخاص يبدو أنهم مهاجرون وليس لديهم أوراق رسمية للدخول.
يقول كنوت: “عندما نضبط شخصا هنا ليس معه أوراق مناسبة للدخول، نقوم بإيقافه بتهمة الدخول بشكل غير قانوني والذي يعتبر جريمة”، ويضيف :”نقوم باتخاذ الإجراءات القانونية ويخضع الشخص للتفتيش والتحقيق في مركز الشرطة مع وجود مترجم إن لزم الأمر”.
ويوضح المتحدث باسم الشرطة الاتحادية في بافاريا: “عندما يطلب الشخص الحماية (اللجوء) نرسله إلى مركز الاستقبال التابع للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين”، ويتابع: “أما عندما لا يطلب اللجوء نقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادته إلى النمسا عن طريق إخبار السلطات النمساوية وتسليمه إليها”.
ويؤكد كنوت أنهم يعملون بشكل وثيق مع الشرطة النمساوية أيضا، ويتابع: “إذا ذهبت إلى محطة القطارات في سالزبورغ أيضا سترى أن هناك شرطة ألمانية أيضا، وهذه هي النقطة الوحيدة التي تتواجد فيها الشرطة الألمانية في النمسا”.
ضبط مئات المهربين وآلاف المهاجرين
ويشير كنوت إلى أن إرجاع المهاجرين غير القانونيين من على الحدود مباشرة لا يتم إلا على الحدود الألمانية النمساوية، ويقول: “من بداية هذا العام وحتى نهاية أيلول/سبتمبر قمنا بضبط حوالي 7800 حالة دخول غير شرعي على الحدود الألمانية النمساوية، تم من بينها إعادة حوالي 4350 شخص إلى النمسا”.
ورغم أن عدد حالات الدخول بشكل غير قانوني من النمسا إلى ألمانيا والتي تم ضبطها، انخفضت مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغت حينها حوالي 11 ألف حالة، بحسب كنوت، إلا أنه أشار إلى أن عدد الأشخاص المتهمين بتهريب البشر شهد ازديادا. يقول كنوت: “في الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام اعتقلنا حوالي 400 شخص متهم بتهريب البشر، بينما كان العدد في العام الماضي 330 شخصا”. رافقنا الضابط الألماني إلى غرفة التحقق من الأوراق. هنا يتم التأكد فيما إذا كانت وثائق السفر أو الجوازات أصلية أم مزورة.
أعطيناه جوازاتنا على سبيل التجربة. وقال الضابط بينما يفحص جوازاتنا: “انظروا كيف أن لكل جواز علامة مائية مميزة”، فقد كانت العلامة المميزة على وثيقة سفري الألمانية تختلف عن العلامة على جواز زميلتي الفرنسية. جوازان يقطع الناس آلاف الكيلومترات ويعرضون أنفسهم للخطر للحصول عليهما وتأمين حياة كريمة لعوائلهم، بعد هروبهم من الحروب والاضطهاد.
محيي الدين حسين