الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاتأين يكمن الخلل : في منظمات حقوق الإنسان ، أم في كثرتها وعلاقات العاملين فيها؟ :...

أين يكمن الخلل : في منظمات حقوق الإنسان ، أم في كثرتها وعلاقات العاملين فيها؟ : كاظم حبيب

العراق الراهن ، كما كان عليه في العقود المنصرمة ، بحاجة ماسة ومتعاظمة إلى ناشطات ونشطاء يمارسون دورهم في الدفاع عن حقوق الإنسان بالنظر للزيادة الهائلة في عمليات التجاوز والانتهاك الفظ لحقوق الإنسان والحريات العامة والحياة الديمقراطية ، وبشكل خاص حق الإنسان في الحياة والكرامة والعمل . إلا أن ما يلاحظ هو أن هذا النشاط ما يزال بعيداً جداً عن المطلوب ، رغم وجود مجموعة كبيرة من منظمات حقوق الإنسان وفيها عدد غير قليل من الأعضاء والمؤيدين . وهذا الواقع هو الذي دفع بي وبغيري إلى البحث في المشكلة التي يعاني منها العراق حالياً ، أي مشكلة غياب الحرية والديمقراطية والتجاوز الفظ على حقوق الإنسان والاغتيالات المستمرة لنشطاء دعاة المجتمع المدني الديمقراطي وأخرها اغتيال النجل الثاني للسيدة الفاضلة والمدافعة عن حقوق الإنسان ، لاسيما عن حقوق البنات والقاصرات في جمعية الفردوس في البصرة ، فاطمة البهادلي ، علي كريم ، بعد أن كان ابنها الأول أحمد كريم قد اغتيل قبل عشر سنوات على أيدي الميليشيات الطائفية المسلحة ذاتها .

 من حيث المبدأ تقوم منظمات حقوق الإنسان في سائر أرجاء العالم على مبادئ وأسس جوهرية يمكن أن يجدها القراء والقارئات في اللائحة الدولية لحقوق الإنسان الصادرة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1948 عن الهيئة العامة للأمم المتحدة . وكان العراق عضواً في اللجنة التي أعدت هذه الوثيقة الدولية المهمة ، مع العلم بأن العراق لم يلتزم ببنودها الأساسية . وعلى أساس هذ الوثيقة الدولية صدرت فيما بعد مجموعة كبيرة أخرى من الوثائق والعهود الدولية التفصيلية عن الأمم المتحدة ومؤتمراتها وعن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لضمان ممارسة حقوق الإنسان في مجالات كثيرة ومتزايدة سنة بعد أخرى. وأبرز هذه الأسس والقيم النبيلة نشير إلى :

** يعتبر الإنسان هو القيمة الأساسية في المجتمع البشري ، إذ لا يجوز المساس به ولا بكرامته وحقوقه بأي حال ، وليست هناك أعراق أو أثنيات مختلفة بن البشر ، كما يدَّعي منظرو الإيديولوجية العنصرية .

** وأن منظمات حقوق الإنسان تقوم على مبدأ أساسي هو المساواة التامة بين البشر بغض النظر عن القومية أو الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون أو اللغة ، أو الفكر أو السياسة ، وسواء أكان الإنسان ذكراً أم أنثى ، إنها مساوات تامة في الحقوق والواجبات .

** ومنظمات حقوق الإنسان لا تُبنى على أساس قومي أو ديني أو مذهبي أو جنسي أو فكر فلسفي أو سياسي ، بل تقوم على الاستقلال الفكري والسياسي التامين ، وتعتمد في عملها على المبادئ الواردة في اللوائح والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان .

** وأن من واجب ومسؤولية منظمات حقوق الإنسان أينما وحيثما وجدت الدفاع عن حقوق الإنسان حين تتعرض تلك الحقوق إلى التجاوز والانتهاك ، بغض النظر عن الحدود الفاصلة بين الدول والشعوب ، فحقوق الإنسان مبادئ وقيم عامة وشاملة ومن واجبها ممارسة التضامن .

** كما لا يمكن ولا يجوز قبول الذرائع التي تقدمها هذه الدولة أو تلك تبريراً لتجاوزاتها وانتهاكاتها الفظة على حقوق الإنسان بأن ما يجري فيها هو شأنٌ داخليٌ لا يجوز التدخل الخارجي فيه ، فممارسة النقد والاحتجاج والإدانة لتلك التجاوزات لا تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية لهذه الدولة أو تلك ، بل ضرورة موضوعية للتضامن مع الإنسان وحقوقه الأساسية .

والسؤال الآن: كيف هو الحال في العراق ؟ أقيمت في العراق الراهن منذ إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة في عام 2003 عبر حرب خارجية حتى الآن ، مجموعة كبيرة من منظمات تطلق على نفسها منظمات حقوق الإنسان . بعضها أقيم على أسس حزبية أو قريبة من هذا الحزب أو ذاك ، وبعضها الآخر أقيم على أساس قومي ، وبعضها الثالث أقيم على أساس ديني أو مذهبي ، وبعضها الرابع أقيم على أساس حكومي ، وبعضها يتمتع بهذا القدر أو ذاك بالاستقلالية ، في جميع هذه الحالات ، عدا تلك المستقلة والمحدودة جداً ، تجاوز فعلي ، من حيث المبدأ على طبيعة ومهمات منظمات حقوق الإنسان ، أدرك القائمون به أم لم يدركوا . لا غبار في أن تتشكل العديد من منظمات حقوق الإنسان، على أن تكون كلها على وفق المبادئ والأسس الواردة في اللوائح والمواثيق الدولية وقواعد العمل المشخصة دولياً . ولكن الخلل في العراق يبرز حين يقتصر عملها على قومية بعينها دون غيرها ، أو على أتباع دين ومذهب عبينهما دون غيرهما ، في حين إن مهمة أي منظمة من منظمات حقوق الإنسان هو الدفاع عن الإنسان وحقوقه حيثما واينما تتعرض إلى التجاوز والانتهاك.

إن وجود نظام سياسي طائفي محاصصي في العراق ومتهم بالفساد ، باعتراف النخب الحاكمة ذاتها ، يمارس التمييز بين أتباع القوميات و (أو) بين أتباع الديانات والمذاهب ، أو بين أتباع الاتجاهات الفكرية والسياسية ، هو الذي دفع ويدفع جمهرة من نشطاء حقوق الإنسان التفكير بتشكيل منظمات خاصة بهذه القومية أو تلك ، وبهذا الدين أو المذهب أو ذاك ، وبهذا الاتجاه الفلسفي والسياسي أو ذاك . إنها إشكالية كبيرة ناجمة عن غياب الحريات العامة و الحياة الديمقراطية ، وغياب الوعي الحقوقي الذي يسمح بوجود منظمة حقوق إنسان واحدة في البلد الواحد تمارس بوعي ومسؤولية تامتين الدفاع الفعلي والحقيقي عن كل الناس الذين يمكن أن يتعرضوا لمخاطر التجاوز والانتهاك الفظ على حقوقهم الأساسية ، كما حصل ويحصل يومياً وفي كل ساعة ودقيقة في العراق. فعلى سبيل المثال لا الحصر لا يحتاج المنتدى العراقي لمنظمات حقوق الإنسان أن تكون فيه منظمات كثيرة بأسماء عديدة ، بل أن يكون المنتدى منظمة واحدة لها فروع في كل أنحاء العراق ، كما يمكن أن تكون له فروع في الخارج ، وهي التي يفترض أن تدافع عن حقوق كل العراقيات والعراقيين الذين يتعرضون للتمييز والاضطهاد …إلخ ، بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم وأفكارهم الفلسفية والسياسية ، وهذا يعني انتفاء ضرورة وجود منظمات خاصة بهذه القومية أو تلك الجماعة الدينية أو المذهبية أو السياسية .

كما لا يمكن ولا يجوز أن تكون هناك مفوضية حكومية لحقوق الإنسان لا تدافع عن حقوق الإنسان ولا تحتج على تجاوز السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية والإدارية ، أو تجاوز السلطتان التشريعية  والقضاء على حقوق الإنسان ، بل تحاول تبرير التجاوز الذي تمارسه الدولة بسلطاتها الثلاث على حقوق الإنسان ، حين تحتج منظمات حقوقية دولية أو إقليمية أو محلية على ما يجري في العراق من تجاوزات فظة على حقوق الإنسان ، وهذا الواقع هو الجاري في البلاد .

الخلل ، كما يبدو لي ، في وجود هذا الكم الكبير غير المتجانس من منظمات حقوق الإنسان ، بعضها أجازته الحكومة لقناعتها بمسايرته لها ، وبعضها الآخر منع من العمل المُرخص به ، لأنه لا يستجيب لما تريده النخب الحاكمة وترفض التغطية على ممارساتها المناهضة لحقوق الإنسان .

والخلل ايضاً يكمن في انشطار مستمر لمنظمات حقوق الإنسان لا استناداً إلى مبادئ وقواعد العمل في منظمات حقوق الإنسان ، بل بسبب خلافات شخصية والسعي لتولي هذا الموقع أو ذاك في هذه المنظمات ، حيث يعتاش كثير منها على ما يمكن أن يحصل عليه من دعم داخلي أو خارجي. فتدهور العلاقات بين العاملين في إدارة هذه المنظمات غالباً ما يكون السبب في عجز هذه المنظمات عن النشاط أو التعبئة وإحراز المزيد من المؤيدين لنشاطاتها ، أو بسبب ضعف أداء هيئاتها الإدارية وتركيز العمل على شخص أو شخصين منها . وحين تكون الخلافات قائمة بين الأشخاص وليس على المبادئ ، عندها يصعب إيجاد الحلول العملية لها. إن من واجب نشطاء حقوق الإنسان تقديم النموذج في التعامل الإنساني فيما بنيهم أولاً وقبل كل شيء ، وأن يعوا مبادئ حقوق الإنسان والاحترام المتبادل .

لا اعتقد بأن العراق بحاجة إلى مزيد من منظمات حقوق الإنسان ، بل إلى تقليص عددها وتكوين منظمة واحدة تعتمد مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية في تعاملها مع القواعد والنظم التي تحكم العمل فيها وفي علاقاتها الداخلية ومع المجتمع. وإذا تعذر ذلك ، فلا بد من اعتماد صيغ عمل تستند إلى قواعد محكمة تلتزم بها المنظمات المتعاونة ، كما لا بد من اختيار العناصر ذات الاستعداد الفعلي للعمل الطوعي ، ولا يعتب هذا العمل مودة أو لتحسين صورته أمام الناس .

ليس هناك من خلل في أن يكون أعضاء الأحزاب السياسية المدنية أعضاء في هذه المنظمات شريطة أن يلتزموا هؤلاء بمبادئ حقوق الإنسان وقواعد العمل المستقل ، كما الابتعاد في أحكامهم عن الأحزاب التي ينتمون إليها ، أي أن يتمتعوا باستقلالية فكرية وسياسية حقيقية حين يعملوا في إطار منظمات حقوق الإنسان وحين التعامل مع قضايا حقوق الإنسان والانتهاكات التي تتعرض لها أياً كان المسؤول عنها .

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular